فى شهر يناير 2012 كان المجلس العسكرى برئاسة المشير حسين طنطاوى مازال يتولى إدارة البلاد، ولم تكن جماعة الإخوان قد كتبت دستورها بعد، أيامها زار الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر (88 سنة) القاهرة والتقى مع قيادات المجلس العسكري، كما التقى مع معظم قيادات القوى السياسية، بعد عودته سألته صحيفة «نيويورك تايمز»: هل تتوقع أن يتنازل المجلس العسكرى عن السلطة لمدنيين؟، أيامها كتبت مقالاً ليس لكى أخمن فيه إجابة، على العكس فقد كنت على يقين من أن المجلس العسكرى سوف يترك السلطة لمدنيين، بل كتبت لكى أضع سؤالا آخر فى ظنى كان أكثر أهمية، وهو: لماذا سيسلم السلطة؟، وما هو المقابل لتنازله عن الحكم؟، ومن الذى سيمنحه هذا المقابل؟، وهل سيتجاوز المقابل قدر الفعل؟، ولتشابه وتشابك الأوضاع قبل انتخابات الرئاسة الماضية والحالية، أعيد ما سبق أن طرحته، لماذا أعيد وأكرر؟ لأننا كمصريين تغلب علينا العاطفة ونقع أسرى لفاعل الخير، فنعطى ليس بقدر الفعل بل بسخاء يتجاوز القدر والحد، ولنا فيما قدمه بعضنا أو أغلبنا «لم أكن من بينهم» إلى جماعة الإخوان وإلى الدكتور محمد مرسى نموذج ومثال على ذلك، حيث نفضنا من فوق ملابسه غبار ميدان التحرير مع أنه كان لتوه على الطريق الصحراوى بعد ان قامت بعض التنظيمات بمهاجمة السجن وقتل بعض الجنود والضباط وإطلاق المساجين، بعد نفضنا عنه غبار الميدان قام معظمنا بتتويجه برمز الثورة، ووقف العشرات من النخب «الذين يقفون اليوم» يروجون لرمز ثورة 25 يناير: عدم انتخاب مرسى يعنى بالضرورة خيانة للثورة وعمالة للنظام المتنحى، وانتخاب شفيق يعنى إعادة إنتاج نظام مبارك الفاسد بديكتاتوريته وقسوة شرطته ورجال أعماله، مرسى لم يكن أحد المرشحين الذين كان يجب أن يقدموا لنا برامجهم الانتخابية، بل أصبح زئير وراية الثورة التى خرجت إلى الشوارع ووقفت فى التحرير 18 يوما، أجبرت الشرطة على الانسحاب، ودفعت مبارك وأسرته إلى الخروج من المشهد. اليوم يتكرر نفس المشهد وكأن الزمن لم يبرح مكانه، الشخصيات هى نفسها التى كانت تقف وتخون وتتوج وتثور وتدفع وترفع على الأعناق، نراها تفعل نفس ما سبق أن قامت به فى المشهد الذى أدته ببراعة عام 2012، الاختلاف الوحيد ربما نلاحظه فى البرد القارس الذى جعلنا نجلس على الكنبة أسفل البطاطين نشاهدهم فى الفضائيات والصحف وهم يؤدون المشهد الجديد القديم وكأننا نراه لتونا، وكأنهم يؤدونه لأول مرة، نفس الحماس والمنطق والقاموس والشعارات والمبررات، نفس الأسئلة ونفس الإجابات. جيمى كارتر (88 سنة) قال للصحيفة: ستكون هناك بعض الامتيازات للجيش، مثل؟، قال: على الأرجح أنه سيتمتع بالحماية، معلقا: «أعتقد أنه لا مفر من هذا»، وقال كذلك: «لا أظن أن احتفاظ الجيش بقدر من المكانة الخاصة سيوقع ضررا كبيرا»، (ضع بين معقوفتين جملة: المكانة الخاصة). أغلب الظن أن الجدل الدائر هذه الأيام حول هوية الرئيس القادم، واختلاف البعض حول تولى أحد العسكريين أو المدنيين، وقيام النخب السياسية (أبطال مشهد مرسى) بالترويج للفريق السيسى، وقيام آخرين(شاركوا فى المشهد القديم) بالمطالبة بشخصية مدنية شاركت فى المشهد القديم، ما بين معقوفتين (حمدين أو موسى أو شفيق)، هذا الجدل يطرح علينا سؤالا يرتبط بالظرف والحالة، وماذا عن قيادات الجيش الذين ضحوا وحملوا رقابهم بمساندتهم لثورة الشعب فى 30 يونية؟، هل ما سمى على لسان كارتر قبل المشهد القديم «المكانة الخاصة» ستكون مساوية للفعل؟، وهل ما قدم فى مواد الدستور يضمن هذه المكانة ويمنح القادة العسكريين التكريم الذى يستحقونه؟، وهل سنكتفى نحن وإياهم بما أقرته مواد الدستور؟ السؤال الأخير فى هذه القضية هو: ماذا لو قررت بعض القوى أن تكتفى ب«المكانة الخاصة»؟، هل سيأخذ برأيهم؟، وهل الجماهير العريضة التى تتحلى بالسخاء وتشعر بالجميل قد تقبل المكانة الخاصة؟، هل هذه الجماهير سوف توافق بعض القوى والنخب على تسكين الفريق السيسى فى المكانة الخاصة؟، هل إرادة ومصالح وأجندات قيادات الأحزاب والقوى السياسية تتوافق بالضرورة ورغبة الشعب؟، ماذا لو تفجرت عاطفة القوى السياسية (الدينية والمدنية) وقررت أن تمنح بسخاء؟ استدراك: سؤال أغفلناه: هل الظروف التى تمر بها البلاد(إرهاب ومظاهرات وفوضى) تتوافق والاكتفاء بالمكانة الخاصة؟، هل البلاد تحتاج لرئيس يمكنه أن يدير المؤسسات أم له مكانة خاصة؟