الدكتور مصطفى حجازي، مستشار رئيس الجمهورية للشئون السياسية والاستراتيجية، صرح الأسبوع الماضى بمؤتمر مستقبل مصر بأننا بعد ثورتى 25 يناير و30 يونية ظهر لنا نظام جديد للحكم، حيث إن نخبة الحكم الحقيقي الآن ما بين 10 و15 مليون مصري»، وقد نشرت العديد من الصحف هذا التصريح، والحقيقة إن د.حجازى يعلم تماما أن ما قاله غير صحيح بالمرة، وأن عدد النخبة فى مصر لا يتجاوز عددهم مائة شخص إن لم يكن أقل، وأن الكلام عن أن عددهم يتراوح ما بين 10 و15 مليونا هو كلام لا يمت للواقع بصلة. ود.حجازى يعلم أيضا أن المائة الذين يحتلون المشهد معظمهم كانوا فى الصندوق الأسود لنظام مبارك، فمن كنا نراهم ونسمعهم أيام مبارك أغلبهم رأيناهم أيام الرئيس محمد مرسى، ومازلنا نسمعهم ونراهم ونقرأ لهم فى أيام المستشار عدلى منصور، والوضع لم يختلف كثيرا ولا قليلا، أما الحديث عن 10 أو 15 مليونا فهو لا يحتاج حتى لمراجعة او لإعادة نظر، لأن ما يحتاج منا لمراجعة والأفكار والأرقام الأقرب للواقع، فلو أن د.حجازى حدد الرقم بين 200 و300 شخص كنا طالبنا منه أن يراجعه، لكنه شطح ورفع الأرقام إلى الملايين وهو يعلم جيدا أن النخب فى أى بلد بالعالم لا يتجاوز عددها عن مائة ومائتين. ود.حجازى يعلم كذلك أن معظم هذه الأرقام ربيبة الأجهزة الأمنية يتم استخدامها للترويج والتبرير لأفكار وقرارات وسياسات الأنظمة، والحديث عن أن هناك نخبة تعبر عن المواطن البسيط هو نوع من السذاجة، فدائما ما تعبر هذه النخب عن السلطة الحاكمة، حتى بعض المعارضين منهم يلعبون دورا صنعت خيوطه وملامحه وخطابه الأجهزة الأمنية. لذلك محاولة إيهام البسطاء والعامة من الناس بأن أفكار النظام السياسية والاقتصادية التي يروج له أدواته هي أفكار 15 أو 20 مليونا من المواطنين هو كلام لا يصدقه احد، ولن يقبله عاقل. المواطن البسيط يعلم جيدا أن الذين يحتلون المشهد السياسي والإعلامي لا يعبرون بالضرورة عن مطالبه واحتياجاته، كما أنهم لا يمثلون المشهد الثوري سوى بالمزايدة وركوب الأحداث، والمواطن على يقين بأنهم يؤدون دورا رسم لهم من قبل الأجهزة، والمواطن يعلم كذلك أن الاستفادة تعود على الطرفين على السلطة بالتكريس لأفكارها وقراراتها، وللأدوات بدفعهم إلى صدارة المشهد والحصول على بعض الغنائم. على أية حال لم يكن قصدنا مما سبق أن ننتقد د.حجازى أو نكذب ما صرح به، الحكاية ببساطة أننا نحاول بقدر ما أن نختبر مع القارئ بعض الأفكار والآراء التى يتم طرحها من قبل النخب، لكى نتعلم جميعا أن كل ما يقال يؤخذ منه ويرد، وأننا لا يجب أن نتلقى بشكل سلبى الأفكار والأخبار التي نسمعها، ويجب أن نناقش بشكل جيد ما يصلنا، النخب تحاول بما تمتلك من حضور وشهرة وقدرة على الإقناع والتبرير أن تضع ما يملى عليها من السلطة فى ذهنية وصدور العامة دون مناقشة، بمعنى آخر مقياس نجاح النخب هو القدرة على تحويل العامة إلي أتباع يؤدون ما يلقى عليهم كما تلقوه. الحقيقة.. لا أسعى للكتابة عن كيفية صناعة الرموز والنخب من قبل الأجهزة الأمنية، بل كا ما أسعى إليه هو أن انصح وأقترح بأن تقوم الأجهزة بعملية تغيير وفرز وتنشيط لفريق النخب، هذا إن لم تقم بعملية فرمتة كاملة للصندوق الأسود الذى تحشر فيها الرموز والنخب، ونتمنى ان تشمل عملية التغيير أو التنشيط جميع الفئات، وأن تقوم بدفع شخصيات شابة وجديدة فى الحياة السياسية، بعيدا تماما عمن أطلقوا على أنفسهم بالنشطاء السياسيين أو بشباب الثورة أو غيرها من المسميات، وأن تقوم الأجهزة بدفع شخصيات جديدة لكي تتحدث نيابة عن المخابرات أو الأمن العام أو المخابرات الحربية، لأن الشخصيات المتواجدة على المشهد معظمها منذ أيام الرئيس مبارك، وعلى الأجهزة أيضا أن تدفع بوجوه إعلامية جديدة، ووجوه تمثل المصريين الأقباط والمسيحيين بعيدا عن الوجوه التى حفظتها الناس منذ الرئيس مبارك، والتى كانت تدافع وتروج للكنيسة أكثر مما تتبنى مطالب المصريين الأقباط والمسيحيين. مصر بعد ثورتى 25 يناير و30 يونية من حقها أن تظهر فى وجه وصورة مغايرة عن صورتها القديمة، مصر فى حاجة إلى ما سبق وطالبت به هنا مرات عدة إلى نيولوك جديد، هل الأجهزة الأمنية تمتلك القدرة على القيام بهذا التجديد أو إجراء جراحة التجميل، نحن لا نستعجل العملية التجميلية، وننتظركم حتى تنتهوا تماما من خريطة الطريق، استخدموا نخبكم المتاحة إلى آخر لحظة، لكن بعد أن ينتخب الرئيس والبرلمان أنتم مطالبون بفرمتة الصندوق الأسود، ومطالبون بتغيير وجه مصر.