عندما صدر قرار مجلس الوزراء بإقرار جماعة الإخوان جماعة إرهابية.. وتجريم نشاطها والانتماء إليها بعد ضغط رهيب من الشعب المصرى على «الببلاوى» وحكومته.. عادت بى الذاكرة إلى ما قبل وصول جماعة الإخوان ومندوب مكتب الإرشاد «مرسى» إلى سدة الحكم فى مصر.. وكيف كانت نظرة الكثير من الشعب إلى أعضاء الجماعة العاديين، وليس الذين يقودونها فى شبه تنظيم عسكرى يقوم على الصرامة والشدة، والسمع والطاعة العمياء باسم الإله بإرادة مرشدهم، وبفرض هالة من القداسة على القيادات والقرارات التى تهبط من ناموس الجماعة الأعلى لتنفيذها دون النظر إليها أو التفيكر فيها.. وتفرغ القيادات لتسهيل التسهيلات وعقد الاتفاقات، وابرام الصفقات مع نظام «مبارك» لتمرير التوريث مقابل ترك قيادات الجماعة تتاجر فى كل شىء وتتغول وتتوحش وتتصدر المشهد الاقتصادى والسياسى المعارض على المسرح السياسى الهزلى آنذاك. وقد بلغ التعاطف الشعبى مع أعضاء الجماعة سواء من الأقارب أو الجيران أو زملاء العمل على اعتبار أنها جماعة دينية لا تكذب ولا تخدع ولا تسرق أو تنهب ولا تقتل، ولا تباع أو تشترى من الخارج ضد أوطانها، بل تم اضطهادها على مدار «80» عامًا كما كانوا يسوقون ويروجون، وأنهم لم يقوموا بعملية إرهابية واحدة منذ أربعينيات القرن الماضى.. وتناسى الشعب اغتيالات «النقراشى»، و«أحمد ماهر» و«الخازندار» و«سليم زكى»، وتفجيرات السينمات، وحارة اليهود، والسيارة الجيب، ومحاولة اغتيال «عبدالناصر» فى ميدان المنشية، ومحاولة قلب نظام الحكم 1965، واغتيال الشيخ «الذهبى». وكل هذا التناسى كان عندًا وكرهًا ورفضاً لنظام «مبارك» الذى أراد أن يحول الشعب إلى مجرد متاع يورث إلى نجله. وبالطبع أعضاء الإرهابية لم يضيعوا الفرصة، فالشعب نسى إجرامهم وإرهابهم السابق، فارتدوا الأقنعة الزائفة المتلونة المتعددة، كل قناع فى وقته وحينه، وتعاملوا مع الشعب بلين الجانب وخفض جناح الذل من المودة والرحمة والألفة والبشاشة، وقدموا بعض الخدمات والواجبات المتعارف عليها فى العادات والتقاليد المصرية، فأصبحوا من أحب الناس لدى كثير من الشعب المصرى بسبب هذه الأقنعة. وفجأة وصل الإخوان إلى السلطة، فسقطت الأقنعة وظهرت الوجوه على حقيقتها، وطفحت القلوب مكنونها، ولاكت الألسن ما تخفيه صدورهم، وحدث تحول غريب ومريب لأعضاء الجماعة بعد ما تناسوا كل شىء وهدموا كل جميل، وأساءوا إلى كل إنسان قريب أو زميل، أو جار بالتعصب الأعمى لرأى الجماعة وعدم الاعتراف بالآخر وبحقه فى رفض فساد الفكر، وقسوة القلب، وفحش القول، وعنف الفعل، ونظرة الحقد والغل والكره إلى كل من لا يؤمن بأفكارهم ويرفض أفعالهم التى فتحت أبواب الفتنة وأهوالها وادخلت مصر فى صراع التطرف والإرهاب الذى استحل دماء المصريين.. محاولين تحقيق أهدافهم وفرض رؤيتهم على الشعب بالجدال غير المرضى، وبالمقاطعة والصوت العالى الحنجورى، وبالتشنج والتكشير والتهديد والوعيد وممارسة الإرهاب.. وتناسوا الحلم والمودة والرأفة والبشاشة والهدوء الذى لبسوا اقنعته طوال سنوات مضت، وكأنهم يعيشون معنا بدون ذاكرة، أو مشاعر.. فأشعلوا غضبًا مكتومًا فى الصدور ودماء تغلى فى العروق ما حوّلهم من جماعة دينية إلى جماعة إرهابية، وطرح حولهم سؤالا حائرا.. هل كانوا بالفعل أحب الناس إلى المصريين؟!!