ليس غريبا أن تحكم «عقدة الخواجة» المستهلك المصرى فى ظل تراكم ثقافى طويل، لكن الغريب فعلا أن تتحكم تلك «العقدة» فى قرار الشراء الحكومى، فتصبح الأفضلية للسلع المستوردة، بل وينحى الإنتاج المحلى من كثير من المشتريات الحكومية. «كثيرة هى الهيئات والجهات الحكومية التى ترفض الانتاج المصرى وتفضل عليه المنتجات المستوردة» هكذا فاجأنى المهندس محمد السويدى رئيس اتحاد الصناعات وأنا أتحاور معه قبل بضعة أسابيع. والغريب أن هذا الكلام يكرر كثيرا فى لقاءات مجلس الوزراء دون أى استجابة، رغم أن هناك سلسلة من القرارات الصادرة لرئيس الوزراء بمنح الانتاج المحلى أولوية فى المشتريات الحكومية كان آخرها قرار الدكتور كمال الجنزورى رقم 767 لسنة 2012 بقصر شراء احتياجات المؤسسات والهيئات الحكومية من الصناعة الوطنية. وحدد القرار تلك الاحتياجات بالطابعات، آلات الفاكس، اللمبات الكهربائية الموفرة، اطارات السيارات، المركبات والموتوسيكلات، الأثاث، مستلزمات المستشفيات، معدات التصوير. وتنص المادة الرابعة من القرار على «أن يكون الشراء من الإنتاج المحلى فى حدود الاعتمادات المخصصة ودون النص فى المواصفات الفنية على ما يحول دون شراء المنتج المحلى ودون طلب أى زيادة فى اعتمادات الموازنة. ولا يسمح بالشراء من خارج الانتاج الوطنى الا فى حالة عدم توافر انتاج محلى ووفقا لقوائم يعتمدها الوزراء المختصون». إن قطاع السكة الحديد يعد أحد ابرز الأمثلة الواضحة على استبعاد الانتاج المحلى، وتفضيل المستورد عليه. يحكى المهندس حمدى عبد العزيز رئيس غرفة الصناعات الهندسية كيف عقدت الغرفة عشرات اللقاءات مع مسئولى السكة الحديد، بل وعدد متتال من وزراء النقل لعرض امكانات وقدرات الصناعة المحلية لتلبية احتياجات السكة الحديد. ووصل الأمر إلى تنظيم زيارات لمسئولى الهيئة إلى المصانع نفسها لمتابعة خطوط الانتاج والتأكد من التزام الشركات المصرية بالمواصفات القياسية. وتشير دراسات الغرفة الهندسية إلى امكانية تصنيع أكثر من 80% من مكونات السكك الحديدية خاصة العربات وهو ما دفعها إلى توقيع بروتوكول تعاون مع مصنع مهمات السكك الحديدية «سيماف» يتم بمقتضاه بحث احتياجات المصنع من المكونات المحلية وتلبيتها منها. وما المشكلة؟ أسأله فيرد أن الشركات المصرية تقدمت بعروض فى المناقصات وتم رفضها دون توضيح لأسباب الرفض بينما قبلت مكونات أخرى مستوردة من الخارج.. لو كان هؤلاء يريدون مصلحة الاقتصاد الوطنى لدعوا الشركات المتقدمة بعروضها وأوضحوا لها أسباب رفضها. القصة متشعبة وهناك نماذج أخرى واضحة فى قطاع المستلزمات الطبية ، وهو ما دفع عددا كبيرا من الشركات المنتجة للاجهزة الطبية باقامة دعاوى قضائية ضد مستشفيات حكومية. والدكتور شريف عزت رئيس شعبة صناعة الأجهزة الطبية السابق يؤكد أن رفض الانتاج المحلى معتاد فى الجهات والهيئات الحكومية، وهناك آليات واضحة لتنفيذ عمليات استبعاد الانتاج المحلى. وأبرز الوسائل تتمثل فى منح نقاط عامة لمناشئ المكونات المقدمة فى مناقصات المستشفيات الحكومية وزيادة النقاط للمنشأ الأوروبى أو الامريكى وتخفيض النقاط بالنسبة للصناعة المحلية. إن «عزت» يرى ذلك مسيئا لسمعة الصناعة المصرية بالخارج وهو ما يواجه كثير من الشركات عند التصدير إلى أسواق جديدة. ويرى المهندس مصطفى السيد عبيد أمين عام جمعية 6 اكتوبر السابق أن هناك مافيا منظمة تعمل على استبعاد الانتاج المحلى من المشتريات الحكومية رغبة فى الحصول على عمولات سرية. ويؤكد أن قيام الشركات المصرية بتصدير منتجاتها إلى كبرى المؤسسات فى دول أوروبا، بينما يتم رفض واستبعاد تلك المنتجات فى مصر يمثل جريمة ضد الاقتصاد المصرى. ويضيف مؤكدا ضرورة وضع عقوبات رادعة فى التشريعات المنظمة للمشتريات الحكومية لمنع العدوان على الصناعة المصرية وتشوية سمعتها.