هل ممكن أن يصلي تسعون مليون مصري وراء الفريق السيسي في وقت واحد؟ نعم.. ممكن جداً.. وهناك سابقة في هذا الشأن. عندما ألغى مصطفى النحاس باشا معاهدة 1936.. وناشد الشعب ببدء الجهاد المسلح ضد العدو المحتل.. وبدأت الهجمات الفدائية على معسكرات الانجليز على طول القنال.. وسقط من مصر شهداء كثيرون طبعاً.. وكان كلما سمع النحاس باشا بعدد الشهداء كان يحزن كثيراً.. الى أن جاء موعد عيد الجهاد 13 نوفمبر 1951.. فقرر النحاس باشا تنظيم «جنازة صامتة» من ميدان الاسماعيلية وهو «ميدان التحرير الآن» حتى جامع الكخيا مروراً بشارع سليمان باشا ثم شارع قصر النيل ثم «صلاة الغائب» على الشهداء جميعاً.. حاول السفير البريطاني فعل المستحيل ليمنع هذه الجنازة ولكن الملك فاروق رفض قائلاً له: إن النحاس باشا راجل راسه ناشفة ولا يسمع الكلام. وفي الموعد المحدد ذهب النحاس باشا الى الميدان فوجد الميدان وشارع سليمان باشا حتى ميدان طلعت حرب وما بعد ذلك لا يوجد موضع لقدم.. مجلس الوزراء بأكمله في الصف الأول وخلفهم أعضاء البرلمان.. وبوليس مصر كلها ضباطاً وجنوداً حول الجماهير من كل جانب خشية غدر العدو الانجليزي. وما أن رأت الجماهير مصطفى النحاس حتى انطلقت الهتافات فصاح النحاس باشا قائلا: «صامتة صامتة.. صامتة» فانقطع الهتاف فوراً. وكانت مشكلة.. كيف يبدأ سير الجنازة في شارع سلميان باشا وهو ملىء بالبشر.. قرر قائد البوليس أن تتجه الجنازة الى شارع الملكة نازلي «رمسيس الآن» حتى شارع عبد الخالق ثروت ومنه الى جامع الكخيا.. وقبيل أن تبدأ المسيرة بثوان جاءت سيارة مسرعة متجهة الى بداية المسيرة ووقفت ونزل منها علي باشا ماهر!!.. الذي هرول نحو النحاس باشا وهرول النحاس باشا نحوه وتعانقا عناقا طويلاً مؤثراً.. والجماهير تبكي وتريد أن تنطلق حناجرها بهتافات كالصواريخ.. حتى حينما وصلت المسيرة جامع الكخيا وصعد النحاس باشا السلالم العالية وقبل أن يدخل الجامع استدار نحو الجماهير رافعاً ذراعيه الى أعلى طالباً الكل يصلي في مكانه.. وحاولت الجماهير أن تهتف فمنعها. أذكر أن المرحوم أحمد أبو الفتح كتب افتتاحية جريدة «المصري» تحت عنوان «حرام عليك».. مخاطباً النحاس باشا بأنه كان قاسياً على جماهير تعشقه أيما عشق تريد أن تشق السحاب بصواريخ في صدرها تهتف باسمه. المهم أن الاذاعة - لم يكن هناك تليفزيون طبعاً - بثت الجنازة من قبل أن تبدأ وأيضاً صلاة الغائب وكان الامام مصطفى النحاس وفتحت مصر كلها الراديو.. مصر كلها من أسوان الى الاسكندرية طولا ومن العريش الى مرسي مطروح عرضاً.. مصر كلها فتحت الراديو وتوضأ الجميع واستقبلوا القبلة وصلوا وراء مصطفى النحاس.. مصر كلها.. صلى الرجال والنساء والاطفال والشباب والشابات الجميع.. من صلى في منزله أو المقهى أو الحقل أو المصنع أو حتى في الشارع فصلاة الغائب وقوفاً لا سجود ولا ركوع.. مصر كلها صلت صلاة الغائب على شهداء القنال خلف مصطفى النحاس وشعر النحاس باشا وعلى ماهر باشا بالتعب بعد هذا المجهود الكبير فدخلا حجرة إمام المسجد لفترة ما وانصرفت الجماهير. ماذا لو أعدنا نفس السيناريو.. صلاة الغائب على شهداء الشرطة والجيش سواء في رابعة أو النهضة أو سيناء؟؟.. لم لا؟؟ ماذا لو انطلقت حناجر تسعين مليون مصري يدعون في لحظة واحدة من كل جنبات قلوبهم بالرحمة والغفران لشهداء الشرطة والجيش؟؟ ما وقع هذا على أسر وزملاء ومحبي هؤلاء الشهداء الذين دافعوا عن الوطن وماتوا في عز شبابهم؟؟ ماذا لو توحدت مصر كلها خلف رجل واحد ويتوجهون الى الله عز وجل يدعونه خوفاً وطمعاً.. رغبا ورهبا؟ نريد أن نعمق حب الوطن في القلوب.. ونوحد الصفوف أمام عدو غادر وحلفائه الخارجون.. وكما حمى بوليس مصر صلاة الغائب في 13 نوفمبر 1951.. وقيل يومها إنه كان كل بوليس مصر خوفاً من الانجليز.. خاصة أن مجلس الوزراء وأعضاء البرلمان كانوا جميعاً مشتركين.. أيضاً.. سيقوم الجيش والشرطة بحماية صلاة الغائب القادمة بطائرات هليكوبتر في الجو وقوات الصاعقة والمشاة على الأرض. وعندنا الآن التليفزيون سينقل بالصوت والصورة معا كيف تصلي مصر كلها من اسوان الى الاسكندرية طولاً ومن العريش الى مرسي مطروح عرضاً.. مصر كلها تصلي خلف الرائع العظيم الفريق السيسي صلاة الغائب في وقت واحد على شاشات كل العالم. ياريت.. يا رب.. يقرأ الفريق السيسي هذا الكلام.. أو ينقل أحد له هذه الفكرة.. مستفيدين بتاريخنا المجيد.. ياريت يارب عبد الرحمن فهمي