احتفلت مصر بعيد الجهاد الوطني الأسبوع الماضي في مقر حزب الوفد وألقي الدكتور السيد البدوي شحاتة رئيس الحزب خطابا جامعاً.. ويعتبر عيد الجهاد الوطني يوما قوميا مصريا عندما طالب زعماء الوفد سعد زغلول وعلي شعراوي وعبدالرحمن فهمي بإنهاء الاحتلال البريطاني واستقلال مصر عن بريطانيا العظمي.. وقرروا عرض القضية المصرية علي مؤتمر الصلح بباريس فتم اعتقال سعد زغلول ونفيه فقامت ثورة 19. وظل هذا اليوم موعدا لاحتفال الوفد الكبير.. وكان يتم الاحتفال في النادي السعدي.. مقر حزب الوفد. كانت هناك فيلا لها حوش واسع جدا علي ناصية شارع القصر العيني وشارع ضريح سعد.. كانت من أملاك سعد زغلول - وقيل إنها من أملاك زوجته صفية زغلول ، من ميراث والدها مصطفي باشا فهمي أحد رؤساء الوزارات السابقين وكان من أثرياء البلد.. لذا سميت بالنادي السعدي. علي فكرة كان سعد زغلول لا يملك سوي معاشه الذي لا يزيد عن ثمانين جنيها.. وكان هذا المبلغ لا يكفي للصرف علي «بيت الأمة» المفتوح ليل نهار أكثر من 48 ساعة.. رغم رخص الأسعار في ذلك الوقت في ذلك الوقت.. كان رطل اللحم لا يزيد عن قرشين صاغ.. بجنيه واحد ممكن تشتري خمسين رطل لحم من خيرة أنواع اللحوم.. فقد كان في بيت الأمة أكثر من موظف وخادم وخادمة وطباخ.. مع سكرتير خاص لسعد باشا يدعي أمين يوسف يكتب له ما يمليه عليه الباشا الذي كان يفضل الإملاء عن الكتابة.. وأمين يوسف هو والد مصطفي أمين وعلي أمين.. لذا كانت صفية هانم هي التي تصرف علي البيت. المهم.. ظل الاحتفال بعيد الجهاد الوطني سنويا في مقر النادي السعدي إلي ان ألغي مصطفي النحاس معاهدة 36 أغسطس 1951.. وبدأ الكفاح الوطني ضد الاحتلال الإنجليزي في القنال.. وكانت أول ضربة للاحتلال ان ترك كل المصريين العمل في معسكرات الإنجليز وقام بإلحاقهم بوظائف وأعمال فؤاد سراج الدين.. ثم بدأت عمليات نسف المعسكرات وقتل الجنود أو خطفهم.. وفي هذا الجو الوطني الرائع شهر نوفمبر .. فقرر النحاس باشا وهو رئيس للوزراء في بيان رسمي بان مصر كلها ستسير في مسيرة صامتة من ميدان الإسماعيلية (ميدان التحرير الآن) إلي مسجد الكخيا في ميدان الأوبرا. جن جنون السفير البريطاني الذي طلب من الملك فاروق منع هذه المسيرة بأي شكل.. ولكن الملك رفض وأعلن عدم استطاعة ذلك.. احتشدت الجماهير من الصباح الباكر حتي كانت أول المسيرة في ميدان الإسماعيلية (التحرير) وآخرها قرب ميدان الأوبرا مرورا بشارع سليمان باشا.. فتقرر أن تسير الجموع من شارع الملكة نازلي حتي شارع عبدالخالق ثروت وتدخل في عبدالخالق ثروت إلي ميدان الأوبرا ثم جامع الكخيا حيث يصعد السلم العالي مصطفي النحاس وكل أعضاء الوزارة.. ويلقي النحاس باشا كلمة قصيرة يعلن فيها استمرار الجهاد ضد المحتل حتي يتم الجلاء. أصر النحاس باشا ان تكون المسيرة صامتة.. وكان سكرتيره الخاص (حسن يس) ينادي في ميكروفون في الميدان بأن المسيرة، صامتة صامتة حتي ميدان الأوبرا.. ولكنه ما إن هل مصطفي النحاس نازلا من سيارته لم تستطع الجماهير الصمت فصرخ النحاس باشا قائلاً في الميكروفون: صامتة صامتة.. وكان منظرا مؤثرا أبكي الجماهير حينما أصر علي باشا ماهر ان يشترك في المسيرة وجاء مهرولا يعانق النحاس باشا.. نحن شعب عظيم رائع له تاريخ مجيد.. بس يا خسارة يا ميت خسارة علي ما نحن فيه الآن.