إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب هكذا قال نبينا الكريم صلي الله عليه وسلم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان وكان يقصد هؤلاء الذين احترفوا مدح الحكام الظالمين لأن ذلك يقويهم علي ظلمهم ويجعلهم يتمادون فيه، وكأنه ينظر بعينه الثاقبة لما يحدث الآن من مدح ونفاق للحكام العرب؛ فهناك من يمدح خوفا أو طمعا وهؤلاء ستجدهم في كل زمان ومكان فقد ارتبط شعراء العصر العباسي مثلا ببلاط الخلفاء والملوك، ومجالس الأمراء والولاة واقترن شعر المديح بالموقف السياسي في العصر الأموي، ومضي الخليفة هارون الرشيد بعد ذلك إلي مدي أبعد في رعاية الشعر. وأسرف الشعراء علي أنفسهم في ذلك، وغالوا أحياناً في إسباغ الصفات الخارقة علي ممدوحيهم. ومن هذا القبيل قول أبي نواس في الخليفة الأمين: (وأخفت أهل الشرك حتي إنه تخافك النطف التي لم تخلق).. وقد نشأ البحتري فقيرًا وانتهي غنياً، لأنه كان يسعي مثل شعراء عصره الي الاكتساب من مدح الخلفاء والوزراء. أما جزاء المداحين في الإسلام فهذا نص ما رواه البخاري في الأدب المفرد: أن رجلا كان يمدح رجلا عند ابن عمر فجعل ابن عمر يحثو التراب نحو فيه وقال: قال رسول الله صلي الله عليه و سلم إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب. وقد تطور المديح في العصر الحديث ليصبح مقالا في جريدة تؤيد الرئيس الملهم الموحي اليه "المحروم من طشة الملوخية كما قال ممتاز بسة" و"الذي ولدت مصر من جديد يوم ولد بنفاق أسامة خرابا "أو أغنية أو أوبريت عن إنجازاته العظيمة الضخمة ومعجزاته الخارقة واخترناه وبايعناه واحنا معاه لما شاء الله. هل علمتم الآن لماذا أمر نبينا الكريم بأن نقذف التراب في وجوه المداحين (المنافقين)؟ لأن ذنب شهداء الثورات العربية في أعناق هؤلاء المداحين.