شذى حسون تحيي حفلاً غنائيًا بمهرجان موازين 23 يونيو    الرئيس السيسي يصدق على إطلاق مبادرة "مصر معاكم" لرعاية أبناء الشهداء القصر    حزب الجبة الوطنية يطلق منصة إعلامية شاملة لتغطية قضايا المواطنين    "إعلام القاهرة" تحتضن فعاليات النسخة الثانية من ملتقى " إيجيكا 2025"    محافظ الشرقية يستقبل أسقف ميت غمر ودقادوس وبلاد الشرقية والوفد الكنسي المرافق    السيسي يصدّق على إطلاق مبادرة "مصر معاكم" لرعاية أبناء الشهداء    صحيفة أحوال المعلم 2025 برابط مباشر مع الخطوات    رئيس زراعة النواب: طفرة في المحاصيل الاستراتيجية بعد تحديد أسعار التوريد    الطيران المدني: تعزيز تجربة السفر وتفعيل آليات الشكاوى داخل المطارات    الرقابة المالية تمهد مهلة توفيق أوضاع الشركات العاملة بالتأمين عام آخر    محافظ المنيا: توريد 508 آلاف طن قمح منذ بدء موسم 2025    الانتهاء من المخططات الاستراتيجية والتفصيلية ل 9 مدن بالمنيا    رئيس مجلس الدولة يفتتح فرع توثيق مجمع المحاكم بالأقصر    مطار الإمام الخميني ينفي استهدافه من قبل إسرائيل    بعد كاليفورنيا.. ترامب يحاصر 5 مدن ديمقراطية جديدة بالقوات    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    ألونسو: الريال يستعد لبدء حقبة جديدة وهدفنا نهائي مونديال الأندية    الرئيس الإيراني يهدد برد أكثر إيلاما حال استمرار العدوان الإسرائيلي    الاهلي يراقب مباراة بورتو وبالميراس في كأس العالم للأندية    "اعتماد جون والمدرب الجديد".. اجتماع عاصف في الزمالك بحضور لبيب    فرانك يفتتح عهد توتنهام بالتعاقد مع تيل ودانسو.. خيارات جديدة في الهجوم والدفاع    حارس إنتر ميامي بعد حصوله على جائزة رجل المباراة: "الشناوي يستحقها"    نقيب المعلمين: 3 آلاف جنيه منحة علاجية لمصابي امتحانات الثانوية العامة بسوهاج    خالي قتل أمي بكوريك.. القصة الكاملة لجريمة بالغربية سببها علبة سجائر    الإعدام لعامل قتل أسرة كاملة حرقا فى الإسكندرية    ضبط المتهم بالتعدى على كلب ضال وقتله بالقاهرة    تحريات لكشف تفاصيل اتهام موظف بسرقة أدوية فى الطالبية    ضبط 4 أطنان سلع مجهولة المصدر في حملة تموينية مكبرة بمركز ومدينة بسيون    قرارات رئاسية مهمة لصالح صندوق تكريم الشهداء والمصابين وأسرهم    دينا نبيل عثمان رئيسًا لقناة النيل الدولية (Nile TV)    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد صدمة وفاة شقيقها نور الدين    تصعيد خطير بين إيران وإسرائيل.. دمار واسع ومخاوف من موجة هجمات جديدة    "قرية قرب الجنة".. فيلم صومالي يتألق عالميًا ويحصد خمس جوائز كبرى    مكتبة الإسكندرية تطلق جائزة كبرى لدعم المبدعين الشباب في 7 مجالات    المتحف المصري الكبير يستقبل الزائرين.. وإلغاء قرار الغلق بداية من اليوم    حالة الطقس غدا الاثنين 16-6-2025 في محافظة الفيوم    طرق بسيطة لمساعدة الأطفال على التركيز بشكل أفضل.. اتبعها    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    احذر هذه الأعراض.. الصحة تكشف الفارق بين الإجهاد الحراري وضربات الشمس    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    ظهور باهت لزيزو مع الأهلي رغم أرقامه الجيدة    محافظ بورسعيد يتفقد غرفة عمليات الثانوية العامة لمتابعة انتظام الامتحانات في يومها الأول    محمد صلاح يحتفل بعيد ميلاده ال33 ب "تورتة صغيرة"    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    البابا تواضروس يترأس قداس الأحد في العلمين    «فين بن شرقي؟».. شوبير يثير الجدل بشأن غياب نجم الأهلي أمام إنتر ميامي    تفاصيل بوابة التاجر في البنك التجاري الدولي    أخر موعد للتقديم لرياض الأطفال بمحافظة القاهرة.. تفاصيل    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    تعرض مقر وزارة الدفاع الإيرانية في طهران لهجوم إسرائيلي    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاهد ناصر الدين يكتب عن براءة الذمة
نشر في شباب مصر يوم 13 - 03 - 2011

الذمة، لغة بمعنى العهد، وسمي بذلك لأن نقضه يوجب الذمّ ،ومن ذلك ما جاء في الحديث الشريف(المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) أي إذا أعطى أحد المسلمين عهداً للعدو بالأمان سرى ذلك على جميع المسلمين، فليس لهم أن يخفروا عهده، ومن ثمَّ كان أيضاً من يستوطنون في دار الإسلام من غير المسلمين على عهد معهم بالأمان، يسمون مستأمنين أي أهل العهد والأمان.
وعرفت الذمة بأنها أمر شرعي مقدر وجوده في الإنسان يقبل الإلزام والالتزام.
ولا تتضمن الذمة الحقوق المالية التي تكون للشخص فقط؛فهي تشمل الحقوق العينية كملكية شيء معين، والحقوق الشخصية كالديون التي تترتب لصاحبها تجاه الغير، والالتزامات المالية التي تترتب على الشخص كالتزامه بمبلغ من المال أو القيام بعمل لمصلحة شخص آخر.
وهي تشمل أيضا التزام العبد مع الله- سبحانه وتعالى خالقه وبارئه {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ }الأعراف172
وترتبط الذمة المالية وغير المالية بالشخص نفسه ارتباطاً وثيقاً وتعد خاصة من خصائصه،ولوازم شخصيته{قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }الأنعام164،{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }المدثر38 ،ولا يملك الشخص التنازل عن ذمته بكاملها أو جزء شائع منها؛فلا يتخلى عن نصفها أو ربعها مثلا ،ولا يستطيع العيش دونها ، وهذا يعني أن المسلم ليس باستطاعته أن يتخلى عن أحكام الشريعة ولو عن واحد منها؛فليس له أن يتنازل عن حكم الصلاة أو الزكاة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلا.
وإن ذمة الشخص ترافق حياته منذ ولادته وتنقضي بعد وفاته ،ولكنها تبقى بعد الموت إلى أن تُوفى الديون وتصفى التركة ، ومعنى ذلك أن الأصل انقضاء الذمة وزوال الأهلية بالموت، لكنهما يعتبران مستمرين بصورة استثنائية في المدة التي يستلزمها سداد الديون وتصفية التركة.
هذا في الديون والحقوق المالية، أما بالنسبة لعلاقة العبد مع خالقه ؛فذمة العبد مشغولة بعبادة الله وحده وأداء كل الإلتزامات الشرعية على وجهها سواء فيما يتعلق باجتناب المحرمات أو أداء الفروض سواء ما كان منها فرض عين أو فرض كفاية، ولا فرق بينهما في الوجوب؛ لأن الإيجاب واحد فيهما، وكل منهما طلب الفعل طلباً جازماً. إلا أن الفرق بينهما، هو أن فرض العين قد طلب من كل فرد بعينه، وفرض الكفاية قد طلب من جميع المسلمين، فإن حصلت الكفاية بإقامته فقد وجد الفرض، سواء أقام به كل واحد منهم، أم قام به بعضهم. وإن لم تحصل الكفاية بإقامته ظل واجباً على كل واحد منهم حتى يوجد الفرض؛ففرض الكفاية يبقى فرض كفاية وواقعه أنه فرض على مجموع المسلمين وليس على كل واحد منهم، فإذا لم تحصل الكفاية بالمتلبسين بالقيام به ظل الواجب في عنق بقية المسلمين، فلو انضم واحد آخر فحصلت الكفاية بإقامة الفرض، سقط الوجوب عن الباقين.
أما فرض العين: فكل مسلم مخاطب بعينه به ولو قامت كل الخلائق به.
وفي حالة أن الكفاية لا تحصل إلا بكل الأمة الإسلامية يعم الواجب الجميع وهذا من مقتضيات فرض الكفاية، لأن أصل الخطاب هو لمجموع المسلمين بإقامة الفرض وليس لأعيانهم.
وهذا يعني أن ذمة كل مسلم مشغولة ولا تبرأ إلا بقيام الفرض ،من هذه الفروض فرض إقامة نظام الحكم في الإسلام الذي فرضه رب العالمين وهو نظام الخلافة، الذي يُنصَّب فيه خليفة بالبيعة على كتاب الله وسنة رسوله للحكم بما أنزل الله. والأدلة على ذلك كثيرة مستفيضة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة:
أما الكتاب فقد قال تعالى مخاطباً الرسول عليه الصلاة والسلام:{فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ} [048:005] ٍٍٍ وقال: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكٍَ} [049:005]. وخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم بالحكم بينهم بما أنزل الله هو خطاب لأمته صلوات الله وسلامه عليه، ومفهومه أن يوجِدوا حاكماً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم بينهم بما أنزل الله، والأمر في الخطاب يفيد الجزم؛ لأن موضوع الخطاب فرض، وهذا قرينة على الجزم كما في الأصول، والحاكم الذي يحكم بين المسلمين بما أنزل الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الخليفة. ونظام الحكم على هذا الوجه هو نظام الخلافة. هذا فضلاً عن أن إقامة الحدود وسائر الأحكام واجبة، وهذه لا تقام إلا بالحاكم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، أي أن إيجاد الحاكم الذي يقيم الشرع هو واجب. والحاكم على هذا الوجه هو الخليفة، ونظام الحكم هو نظام الخلافة.
وأما السنة فقد رُوي عن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» رواه مسلم. فالنبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة، ووصف من يموت وليس في عنقه بيعة بأنه مات ميتة جاهلية. والبيعة لا تكون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا للخليفة ليس غير. فالحديث يوجب وجود بيعة في عنق كل مسلم، أي وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة بوجوده. وروى مسلم عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الإمام جُنة يُقاتَل من ورائه ويُتقى به». وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يُحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم». فهذه الأحاديث فيها وصف للخليفة بأنه جُنة، أي وقاية. فوصف الرسول بأن الإمام جنة هو إخبار فيه مدح لوجود الإمام، فهو طلب؛ لأن الإخبار من الله ومن الرسول، إن كان يتضمن الذم فهو طلب ترك، أي نهي، وإن كان يتضمن المدح فهو طلب فعل، فإن كان الفعل المطلوب يترتب على فعله إقامة الحكم الشرعي، أو يترتب على تركه تضييعه، كان ذلك الطلب جازماً. وفي هذه الأحاديث أيضاً أن الذين يسوسون المسلمين هم الخلفاء، وهو يعني طلب إقامتهم. على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة الخلفاء، وبقتال من ينازعهم في خلافتهم. وهذا يعني أمراً بإقامة خليفة، والمحافظة على خلافته بقتال كل من ينازعه. فقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمره قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر». فالأمر بطاعة الإمام أمر بإقامته، والأمر بقتال من ينازعه قرينة على الجزم في دوام إيجاده خليفة واحداً.
وأما إجماع الصحابة فإنهم، رضوان الله عليهم، أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته، وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان، بعد وفاة كل منهم. وقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب وفاته، واشتغالهم بنصب خليفة له، مع أن دفن الميت عقب وفاته فرض. والصحابة الذين يجب عليهم الاشتغال في تجهيز الرسول ودفنه اشتغل قسم منهم بنصب الخليفة عن الاشتغال بدفن الرسول، وسكت قسم منهم عن هذا الاشتغال، وشاركوا في تأخير الدفن ليلتين مع قدرتهم على الإنكار، وقدرتهم على الدفن، فقد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ضحى الاثنين، وبقي دون دفن ليلة الثلاثاء ونهار الثلاثاء حيث بويع أبو بكر رضي الله عنه ثم دفن الرسول صلى الله عليه وسلم وسط الليل، ليلة الأربعاء، أي تأخر الدفن ليلتين، وبويع أبو بكر قبل دفن الرسول صلى الله عليه وسلم. فكان ذلك إجماعاً على الاشتغال بنصب الخليفة عن دفن الميت، ولا يكون ذلك إلا إذا كان نصب الخليفة أوجب من دفن الميت. وأيضاً فإن الصحابة كلهم أجمعوا طوال أيام حياتهم على وجوب نصب الخليفة. ومع اختلافهم على الشخص الذي يُنتخب خليفة، فإنهم لم يختلفوا مطلقاً على إقامة خليفة، لا عند وفاة رسول الله، ولا عند وفاة أي خليفة من الخلفاء الراشدين. فكان إجماع الصحابة دليلاً صريحاً وقوياً على وجوب نصب الخليفة.
وقد أمهل الشرع المسلمين لإقامة خليفة ثلاثة أيام بلياليها، فلا يَحِلّ لمسلم أن يبيت ثلاث ليال وليس في عنقه بيعة.
أما تحديد أعلى الحد بثلاث ليال، فلأن نصب الخليفة فرض منذ اللحظة التي يتوفى فيها الخليفة السابق أو يعزل، ولكن يجوز تأخير النصب مع الاشتغال به مدة ثلاثة أيام بلياليها، فإذا زاد على ثلاث ليال، ولم يقيموا خليفة، يُنظَر، فإن كان المسلمون مشغولين بإقامة خليفة، ولم يستطيعوا إنجاز إقامته خلال ثلاث ليال، لأمور قاهرة لا قبل لهم بدفعها، فإنه يسقط الإثم عنهم؛ لانشغالهم بإقامة الفرض، ولاستكراههم على التأخير بما قهرهم عليه. روى ابن حبان وابن ماجة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكْرِهوا عليه». وإن لم يكونوا مشغولين بذلك فإنهم يأثمون جميعاً وتبقى ذمتهم مشغولة ولا تبرأ حتى يقوم الخليفة، وحينئذٍ يسقط الفرض عنهم وتبرأ ذمتهم.
أما الإثم الذي ارتكبوه في قعودهم عن إقامة خليفة فإنه لا يسقط عنهم، بل يبقى عليهم يحاسبهم الله عليه، كمحاسبته على أية معصية يرتكبها المسلم، في ترك القيام بالفرض.
أما كون أقصى مدة يمهل فيها المسلمون لنصب الخليفة ثلاثة أيام بلياليها؛ فذلك لأن عمر عهد لأهل الشورى عند ظهور تحقق وفاته من الطعنة، وحدّد لهم ثلاثة أيام، ثم أوصى أنه إذا لم يُتفق على الخليفة في ثلاثة أيام، فليقتل المخالف بعد الأيام الثلاثة، ووكّل خمسين رجلاً من المسلمين بتنفيذ ذلك، أي بقتل المخالف، مع أنهم مِنْ أهل الشورى، ومِنْ كبار الصحابة، وكان ذلك على مرأى ومسمع من الصحابة، ولم يُنقَل عنهم مُخالف، أو مُنكِر لذلك، فكان إجماعاً من الصحابة على أنه لا يجوز أن يخلوَ المسلمون من خليفة أكثر من ثلاثة أيام بلياليها، وإجماع الصحابة دليل شرعي كالكتاب والسنة.
أخرج البخاري من طريق المِسْوَر بن مخرمة قال: «طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل، فضرب الباب حتى استيقظت، فقال أراك نائماً، فوالله ما اكتحلت هذه الثلاث بكثير نوم» أي ثلاث ليال. فلما صلى الناس الصبح تمت بيعة عثمان.
ولذلك، فإن على المسلمين عند شغور مركز الخليفة، أن ينشغلوا في بيعة الخليفة التالي وينجزوها خلال ثلاثة أيام، أما إذا لَم ينشغلوا ببيعة الخليفة بل قضي على الخلافة وقعدوا عنها، فهم آثمون منذ القضاء عليها وقعودِهم عنها، كما هو حادث اليوم، فالمسلمون آثمون لعدم إقامتهم الخلافة منذ إلغاء الخلافة في 28 رجب 1342ه، إلى أن يقيموها، ولا يبرأ من الإثم إلا من تلبس بالعمل الجاد لها مع جماعة مخلصة صادقة؛ فبذلك ينجو من الإثم، وهو إثم عظيم كما بيّنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «... ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» للدلالة على عظم الإثم.
ولا تبرأ الذمة بالدعوة إلى الإسلام بشكل مفتوح وغير مبلور محدد مما يسمح للأفكار الأخرى أن تدخل الدعوة بحجة عدم مخالفتها لها، أو فيها مصلحة أو نحو ذلك.
فمَن كانت الدعوة لديه غير مبلورة الفكرة ولا واضحة المفاهيم، ولا محددة الأهداف...، فإنه لن يدرك كون الديمقراطية نظام كفر، ولن يدرك أن الاشتراكية ليست من الإسلام، ولن يدرك جريمة التشريع من البرلمان، وكذلك لن يدرك ماذا يجوز أخذه من علوم وصناعات عند الآخرين وما لا يجوز أخذه كالحضارة والمفاهيم عن الحياة، وقد يكون يصلي ويصوم، وذلك لكونه يدعو إلى الإسلام بشكل مفتوح، وهذا ما أصاب الأمة في أواخر الدولة، حيث كان واضحاً عدمُ تمييز العلماء المسلمين حينها بين ما يجوز أخذه من الغرب من علوم وصناعات واختراعات، وبين ما لا يجوز أخذه من حضارة ومفاهيم عن الحياة.
ولا تبرأ الذمة بالتوفيق بين الإسلام وبين الغرب في الثقافة والعلوم، في الحضارة والمدنية، كمن سُمّوا بعلماء النهضة أو علماء الإصلاح أو العلماء العصريين.
هؤلاء وأمثالهم لم تبرأ ذمتهم فقط ، فمن هؤلاء العلماء انطلق فهم الإسلام المفتوح، حيث فتح باب فهم الإسلام على مصراعيه، وصار يدخله ما ليس منه، وصارت القواعد الشرعية بدل أن تكون ضوابط في الفهم، ومانعة من الخروج عن الشرع، أصبحت هي المفتاح الذي فتح هذا الباب، وصار الإسلام عندهم يفسر بما لا تحتمله نصوصه ليوافق المجتمع الحاضر والفكر الغالب، واستحدثت من أجل ذلك قواعد كلية لا سند شرعياً لها، تتفق مع هذه النظرة من مثل (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان) و(العادة محكمة) و(ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن) وفسروا كثيراً من النصوص الشرعية تفسيراً يراد منه تعطيلها كالقول إن الجهاد دفاعي، وتعدد الزوجات لا يكون إلا بأسباب كالمرض أو العقم
ولا تبرأ الذمة بالدعوة إلى الإسلام بشكل"عام" ،أي بالدعوة لعموم الإسلام دون تفاصيل معالجاته، فيقول مثلاً "الإسلام هو الحل" "والإسلام يحقق الفوز في الدارين" " والإسلام هو أحسن نظام"... وأمثال ذلك، فإذا سألته عن معالجات الإسلام لأنظمة الحياة سكت، وإن سألته عن دولة الإسلام التي تطبق أنظمته صمت، وإن سألته عن كيفية تغيير الأنظمة الحالية إلى نظام الإسلام اضطرب وتلعثم ونظر حوله وتشنج ، هذا إن لم يبتعد عنك يسابق الريح طلبا للسلامة.
أما ما الدليل على عدم جواز الدعوة للإسلام بشكل عام مفتوح، فإنه مستفيض في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكما قال الله سبحانه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلَامُ} {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}، ذكر كذلك آيات الحكم والاقتصاد والعلاقات الزوجية، وعدم موالاة الكافرين، ورجم الزاني وقطع يد السارق، ثم بين أن أنظمة الإسلام أنظمة مميزة لا يختلط فيها غيرها {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}... وكثير غيرها في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهنا نتساءل ما هو الواقع الذي تعيشه كل بلدان العالم الإسلامي ؟
أليست كافة البلاد الإسلامية، لا يُطبَّق فيها الإسلام ؟، وهي مفتوحة للسفارات الأجنبية كأنها الحاكم الحقيقي ، فحولت البلاد الإسلامية إلى مناطق صراع وأزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية وفتن واقتتال داخلي يحصد الأرواح بأعداد هائلة ويهدر مقدرات الأمة وثرواتها وما حرب العراق مع إيران ،والعراق والكويت ببعيدة عن أذهاننا .
إن الحفاظ على وحدة بلدان العالم الإسلامي واجب شرعي؛فلا يصح الانجرار وراء من يدعو إلى تقسيم البلاد بحجة فساد النظام، فبدلا من المطالبة بتقسيم البلاد إلى أجزاء متناثرة يجب أن تتحرك الشعوب لمطالبة حكامها برفع الظلم عن الناس وتحصيل الحقوق، وإنكار منكرات النظام، وإجباره على رعاية شؤون الناس رعاية صحيحة وفق أحكام الإسلام، كل ذلك واجب على المسلمين، ولكن لا يصح بحال من الأحوال تمزيق أي بلد من بلاد المسلمين إلى مزق وكيانات كرتونية يُنصَّب عليها من يكون تابعا للأجنبي ، يطبق سياساته .
ألا يكفي أن الكفار قد مزقوا العالم الإسلامي إلى أكثر من سبعة وخمسين مزقه، ونصبوا حكاما متسلطين على رقاب الأمة، يسومونها جميع أصناف الذل والهوان والعذاب، وإذا اجتمعوا تآمروا وإذا تفرقوا تناحروا،فأضاعوا البلاد والعباد، فكانوا عاراً وسبةً على هذه الأمة الإسلامية الكريمة.
إن الشرع الإسلامي يفرض أن يكون المسلمون جميعاً في دولة واحدة، وأن يكون لهم خليفة واحد لا غير، ويحرم شرعاً أن يكون للمسلمين في العالم أكثر من دولة واحدة، وأكثر من خليفة واحد.
كما يجب أن يكون نظام الحكم في دولة الخلافة نظام وحدة، ويحرم أن يكون نظاماً اتحادياً؛ وذلك لما روى مسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ومَنْ بايع إماماً، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر». ولما روى مسلم عن عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ أتاكم وأمرُكُم جميعٌ على رجل واحد، يريد أن يشقّ عصاكم، أو يُفرّق جماعتكم، فاقتلوه».
فهل آن الأوان أن يدرك المسلمون أن القضية المصيرية للمسلمين في العالم أجمع هي إعادة الحكم بما أنزل الله ، عن طريق إقامة الخلافة بنصب خليفة للمسلمين يُبايع على كتاب الله وسنة رسوله ليهدم أنظمة الكفر ، ويضع أحكام الإسلام مكانها موضع التطبيق والتنفيذ ، ويحول البلاد الإسلامية إلى دار إسلام ، والمجتمع فيها إلى مجتمع إسلامي ، ويحمل الإسلام رسالة إلى العالم أجمع بالدعوة والجهاد .
ولا تبرأ الذمة إلا بالعمل الجاد والمخلص مع الجماعة المبرئة للذمة ، ومن أهم مواصفاتها أنها إسلامية مبدئية، سياسية، عالمية، تعمل لاستئناف الحياة الإسلامية بطريقة شرعية وليست عقلية { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وأن يكون لها أمير واجب الطاعة .
هذه هي أهم المواصفات التي يجب أن تتصف بها كل جماعة جعلت النهوض بالأمة الإسلامية قصدها الذي تسعى للوصول إليه وتبغي تحقيقه، لتبرئ ذمتها أمام الله سبحانه وتعالى.
فيا أمة الإسلام هل آن الأوان أن نعيش بعزة وكرامة ووحدة على أساس الإسلام ؟؟
وأنتم أيها العلماء متى تبرئون ذمتكم بالدعوة إلى الله وعدم كتمان العلم خاصة فيما يتعلق بالقضية المصيرية للأمة الإسلامية ؟
ويا جيوش الأمة الإسلامية متى تتحركون نصرة لدينكم وخالقكم وتوحيد أمتكم ؟
متى تتحركون لإبراء ذمتكم أمام الله – عزوجل .
{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }النور54 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.