في وطننا مصريون أدمنوا الصمت رغما عن إرادتهم.. يشاركون كثيرا منا الشكوي والإحساس بالظلم والحناجر المبحوحة .. إلا أنهم لا يجدون معينا علي الكلام. يزيدون علي 8 ملايين حسب آخر إحصائية رسمية للصم والبكم.. وشارك بعضهم في ثورة يناير إلا أن دورهم انتهي بمجرد رفع القلم عن ميدان التحرير ليعودوا من جديد في طي النسيان، لا أحد يشعر بهم. رحنا نقتحم عالمهم ونستخدم لغتهم فلجأنا إلي مترجمة الإشارة نجلاء الدغيدي بالجمعية المصرية لتأهيل ضعاف السمع.. هي تؤكد أن أغلبهم يستخدم التكنولوجيا ووسيلتهم في التواصل عن بعد هي موبايلات الجيل الثالث.. ولك أن تتخيل كم هي صعبة عليهم ماديا. سامي فؤاد "66 عاما" مدير النشاط الرياضي بالجمعية.. أعرب لسبب بسيط أنه لا يمتلك المال للزواج والبركة في حسني مبارك حسب قوله.. يستشعر أن الثورة لم تكتمل فلا يوجد أي تحسن في مصر سواء قبل الثورة أو بعدها.. والحكومة الآن تتبع أسلوب "لاقيني ولا تغديني" أسلوب راق دون فعل، حيث تقدم بالعديد من الطلبات بتأسيس اتحاد كروي للمعاقين دون رد. مصر لا تعترف بالمعاقين وتضيع حقوقهم فلا يتوافر أي اهتمام معنوي أو مادي بهم.. هذا ما يقوله فؤاد حالما بأن يري مصر مزدهرة فهو يحلم برؤية مصر أفضل بعد الثورة ويقول: أريد أن أشعر أني إنسان طبيعي. وأضاف: تقدمت بطلب تخصيص نسبة للصم والبكم والمعاقين بشكل عام في البرلمان إلا أنه قوبل بالرفض في عهد النظام السابق.. وأحمد الله أنه لم يستجب لمطلبنا. ولا حديث يخلو من ثورة يناير.. سألت فؤاد عنها أجاب "شاركت في الثورة يومين فقط لتدهور صحتي ولم يكتب لي الله أن أقف لأحرس أمن مصر مع اللجان الشعبية بسبب خوف الجيران علي، فلجأت إلي الكتابة علي اللوحات ليصل صوتي إلي مبارك ومن يأتي خلفا له، وكتبت علي لوحاتي"اطالب باتحاد كروي للصم والبكم انظروا الينا ولا تنسونا".. ومع مرور الوقت وإعلان مبارك التنحي سعدنا كثيرا وتفاءلت بالمجلس العسكري وأقدر جهده وأتمني أن يقضي علي الفتنة الطائفية والبلطجية التي تضرب بمصر. هو يؤكد: كنت احب مبارك وأدافع عنه ضد المتظاهرين في بعض الأحيان إلا أن مفاجأة امتلاكه مليارات الجنيهات أذهلتني في وقت تمنيت أن أملك قطعة أرض بسيطة ومازلت دون جدوي.. ولازم يتحاكم وينال العقاب الذي يليق به. أخبرتني المترجمة عن إحساس عم فؤاد بأنه "مكسوف من هيبتنا أمام دول العالم بسبب رئيسنا المخلوع الذي اكتشفنا سرقته وخداعه لشعبه30 عاما". وختم فؤاد حديثه معنا برسالة إلي الحكومة "انظروا إلينا وساعدونا وعاملونا علي أننا كاملون ولا ينقصنا أي شيء وصدقونا لن نزعجكم بحناجرنا المنبوحة التي لا تعرف سوي الصمت.. نريد أن نفرغ طاقتنا في الانشطة الاجتماعية والرياضية، لا أن نجلس علي الكراسي.. نريد فقط أن نعيش". بدأ بتحيتي برفع يده بإشارة التمام.. مضيفا إليها شكره لجريدة "الوفد" وهي الإشارة الوحيدة التي تعلمتها من اللقاء.. "نعامل علي أننا لا شيء.. عبارة عن هواء.. وظائفنا هي عمال نظافة إن وجدت.. وهذا ملخص حالنا في عهد مبارك" بدأ محسن الخولي أربعيني العمر بهذه الكلمات تعبيره عن محنة أقرانه. مطلب الخولي مشروع.. ناد للصم والبكم به كل النشاطات التي تشعرهم بوجودهم في الحياة.. مضيفاً: اهتمت سوزان مبارك كثيرا بالمكفوفين ولم تنظر إلينا مع أننا نعلم تماما أنه اهتمام مخلوط بمصالح شخصية، لتظهر كقلب رحيم ولكن العيب ليس عليها وإنما علي مبارك الذي جعل يديها طليقة في كل شبر بمصر، وسأل متي يأتي اليوم الذي لا يتظاهر أحد بالمن علينا ويحقق مطالبنا دون ان تصوره الكاميرات. أنا زعلان من مبارك بسبب الخصخصة ولأنه جعل مستقبل مصر مظلما.. يمضي قائلا: ففي عهده علمنا معاني كثيرة: الفقر والحرمان والحاجة والذل.. فكيف لأسره من 6 أفراد تعيش ب 300 جنيه في الشهر.. أنا أعيش علي الديون حتي مل مني القريب والغريب.. ومنا من اضطر إلي خروج أولاده من المدارس.. لكني سعيد بالثورة لأنها جعلت المسئول القادم يفكر ألف مرة قبل أن يمد يديه ويسرق أموال شعبه. ألح علي أن أعرف ماذا لو تحدث الخولي لدقيقة، أجاب: لا أعلم لو تحدثت ماذا أقول للمتكلمين وما أستطيع أن أحلم به "أنني لو تحدثت سأقول كلاما كثيرا تدمع منه العيون. وأعلم أيضا أن الله مَنّ علينا بنعمة حرم منها الكثير فنحن نتقي حصاد ألسنتنا. الخولي يوجه رسالة للمصريين: عيب بقي الناس بتتفرج علينا ويتهمونا بالهمجية بعد أن استردينا كرامتنا أمام العالم بخلع مبارك كفاية سرقة كفاية بلطجة كفاية فتنة وحان الوقت أن نفكر في تطوير اقتصاد مصر لابد من مراعاة العدل الاجتماعي.. ويضيف: متفائل بالدكتور عصام شرف رئيس الوزراء وخطواته الحنونة المتواضعة ويكفي أنه بسيط وينزل إلي الغلابة، ما شجعني علي طلب مقابلته إلا أنني انتظر الرد.. متهما جمال مبارك بأنه تسبب في قطع عيشه من شركة المواسير بحلوان بعد أن قام بخصخصتها للاستفادة منها في مصالحه الخاصة. بعصبية شديدة تنم عن غضب مما عاشه وما يواجهه في مستقبل لا يعلم شيئا عنه حكي أحد شباب الثورة محمود عبدالحميد "26 عاما" متزوج ولديه ابن وابنه "نورهان وسيد".. موظف بشركة السكر، قضي 18 يوما بميدان التحرير عساه ينجح في الانتقام من نظام فاسد. استطاع أن يفرغ بعضا من طاقة ثورته في ساحة الميدان مع بوادر ليلة 25 يناير أبي أن يهرب في يوم الغضب الذي شاهد فيه قتلي وجرحي بالمئات.. لعن صمته حين أراد أن يصرخ وقتها" تعالوا هنا جريح.. تعالوا هنا قاتل "ليزداد عناده وكرهه للنظام وليشارك ويشاهد نفس السيناريو في الأربعاء الأسود.. ظل صامدا حتي نجح في مهمته الصامتة وتخلص من جبل كتم علي أنفاسهم، وبمجرد رحيل مبارك ردد بداخله كلمة واحدة "في داهية". كل ما يتمناه عبدالحميد أن يري مبارك بحجرة ضيقة كالقبر ليعاني مما عاناه هو وأسرته.. أردت أن أهدئ من روعه فحولت وجهة الحديث إلي الإنترنت فلم يغب الصم والبكم عن عالم "فيس بوك" بل إن عبدالحميد يعده عالمه الخاص لأن أحدا لا يعامله فيه علي أنه أصم أو منبوذا، وقال إن من أشد الحالات عليه عندما لا يفهمه أحد في الأماكن العامة بينما الفيس بوك هو مكان يتساوي فيه الجميع لذلك خرجت منه الثورة لأنه لم يفرق بين غني وفقير أو متكلم وأصم.. وأضاف: أتمني أن يأتي اليوم الذي افتخر فيه بمصريتي وأعيش في مسكن مناسب وأتناول طعاما نظيفا وأعالج في مستشفيات محترمة متطورة فشعبنا غلبان ويفرح بأقل حاجة.. بعد أن خلصنا من الشرطة التي كانت تستضعفني وتسخر من إعاقتي وتستوقفني في الطريق لتحصل علي إتاوه "الحمد لله خلصنا من كل ده". عبدالحميد يقترح عمل نسبة للمعاقين بكل ناد في مصر والسبب لديه أن المعاقين بصفة عامة والصم بصفة خاصة فقراء وأغلبهم لا يملك المال لأنهم يعملون في وظائف متدنية لا تجلب الأموال إليهم ولا يوجد لهم فرص عمل مع أن الأصم ذكي ويعمل في صمت وأفضل من المتكلم.. لكن اعتدنا علي أن يكون مكاننا الحمامات لننظفها. "أبو سيد "يحب عصام شرف كثيرا ويقول له "نفسي أتكلم معاك لأني أعرف أن كلمتك واحدة وهذه أمنيتي الوحيدة والأمل الأخير لي.. أرجوك تشوفني". وفي نظرة يائسة دخل في حوارنا محمد أنور موظف قائلا: صرخنا 15 سنة ولا احد يسمع لنا مفيش فايدة، حيث تتم معاملة المعاقين حركيا أفضل من الصم والبكم.. هو يعترض علي استعانة السينما بالمتكلمين لأداء دور الصم متسائلاً: لماذا لا يستعينوا بأصم حقيقي ويتم تدريبه علي التمثيل". أضاف أنور أن نشرات الأخبار تحتاج الترجمة وهو نفس الامر مع كل الأفلام حتي لا يشعر أنهم مواطنين درجة تالتة وليتمكنوا من متابعة الدنيا من خلالها ولا بد من اختيار مترجمي الإشارة من فئة الصم وليس من التليفزيون قائلا: أحيانا لا نفهم منهم أي شيء. سألتها عن طموحها في عريس متكلم فقالت نسمة "19 سنة": لا أحب أن أتزوج من متكلم حتي لا أشعر بالنقص، فمع العشرة سيحتاج لمن يسمع صوتها ويتحدث إليها وتغني له وتحن عليه ببعض الكلمات وتشاركه كل شيء، أود أن أتزوج من أصم مثلي، وأشعر بالصدمة والنقص عندما يعجب بي شاب ويأتي ليتحدث معي فيصدم بأني خرساء. لم تستكمل نسمة حديثها معي لأنها شعرت بجرح وكانت هي الأكثر حساسية ممن قابلتهم من الممكن لأني فتاة مثلها أو لأنها تعيش مأساة خاصة لأنها حرمت من صوتها منذ 7 سنوات فقط عندما تعرضت لصدمة عائلية لم ترغب في الحديث عنها. كان لابد من الحديث عن الهموم العامة لهؤلاء في الجمعية المصرية للصم والبكم التي ترعي الطفل المعاق حتي المرحلة الاعدادية، وهناك حالات متميزة تحصل علي بكالوريوس حاسب آلي، ويفتخر الصم ببعض الحالات التي تميزت في عملها مثل سمير طلعت المسئول عن مركز كمبيوتر وجدول أعمال مجلس الشعب سابقا، ورمضان مصطفي إبراهيم مسئول شكاوي الصم. حكومة نظيف منعت الإعانة منذ سنتين عن الجمعية دون معرفه أسباب واضحه لذلك.. وهم يتساءلون لماذا يتم حرمانهم من الدعم الذي يذهب لجمعيات أخري فضلا عن نسبة التعيين 5٪ في المصالح والشركات العامة والخاصة.. بعد رحيل تلك الحكومات الظالمة..!