كتبت: سامية عبد السلام من بين المشاهد المثيرة للدهشة في ميدان التحرير علي مدي الأيام الماضية, أحد قيادات القوات المسلحة وهو يسرع الخطي متوجها إلي مجموعة من بين المحتشدين بالميدان وقد ارتسمت علي وجهه ملامح الجدية والاهتمام فور ابلاغ أحد الجنود له بوجودهم, فمن هم ولماذا هذا الاهتمام؟ كانوا مجموعة من شباب وفتيات وآباء وأمهات لم ينطقوا بكلمة واحدة واكتفوا برفع لافتات يعبرون فيها عن مشاعرهم ويتطلعون إلي تحقيق في ظل عهد جديد سواء من المواطنين أو المسئولين عسي أن تتحقق مطالبهم التي تم تجاهلها علي مدي سنوات طوال صمتهم لم يكن اختيارا بل لأنهم من الصم والبكم الذين اصطحبوا معهم مترجما للغة الاشارة لينقل لهم معاني الأصوات الهادرة حولهم والتي لا يسمعون لها صدي وما تحويه من هتافات وهو ما لفت انتباه المحيطين بهم فسارعوا إلي تحيتهم وتشجيعهم, بل وهتفوا بدلا منهم في مشهد دمعت له عيون معظم الحاضرين, بل وألفوا لهم علي الفور هتافات تلخص ما حملته لافتاتهم من كلمات كان أبرزها: نطالب الجيش بتشكيل لجنة من الصم والقوات المسلحة لتقصي الحقائق والمطالب المتعلقة بشئوننا, نطلب حقنا في تمثيلنا في وسائل الإعلام واختيارمن يمثلنا أو اختيارنا لمترجمي الاشارة بأنفسنا, نريد حقنا في التعليم والعمل ومترجمين للاشارة في أماكن التعليم. كانوا حوالي مائة شخص من بينهم أشرف محمد, الموظف بإحدي شركات الموبيليا وزوج شقيقته محمد حسن. قائد القوات المسلحة بادرهم بابتسامة وتحية وصافحهم وشد علي أيديهم وسألهم عن مطالبهم وتسلم شكاوي بعضهم المكتوبة. وفور انصرافه انبعث صوت من بين الصامتين صوت يتساءل: هل فعلا سوف يأتي اليوم الذي يحصل فيه هؤلاء علي حقوقهم؟ هذا الصوت لفتاة تجيد لغة الاشارة رغم قدرتها علي الكلام ولاتذكر متي ولا كيف تعلمتها, فهي ابنة لأب وأم من الصم والبكم, لتسترسل بعد تساؤلها في سرد معاناة أسرتها من أفراد المجتمع ومؤسساته, فتقول: نحن نعيش مثل أي أسرة ونستخدم التليفون المحمول مثل غيرنا, ولكن الفرق أننا نتكلم بلغة الاشارة الفيديو كول وعندما اتكلم مع والدي علي المحمول أجد حوله اناسا لا أعرفهم وعندما اسأله عنهم يجيب بأنه لا يعرفهم, فهم وقفوا يتفرجون عليه لأنه يتحدث في الموبايل بلغة الاشارة. يتكرر ذلك كما تقول الابنة الشابة في أي تجمع توجد فيه مثل المصايف والرحلات, ولأنني أتحدث بلغة الاشارة يظن الناس أنني لا أسمع فيقولون كلاما يجرحني ويحرمني من الاحساس بالسعادة التي أعيشها مع أسرتي, واتساءل بيني وبين نفسي: متي يتعلم هؤلاء احترام ظروف الآخرين وخصوصياتهم؟ تضيف: الآن أصبح لدي أمل أن يمتد ما حدث من تغيير إلي السلوكيات, كما أتمني أن يغير المسئولون عن المؤسسات والشركات وأصحاب الأعمال فكرتهم عن قدرات هذه الفئة ويمنحوهم الفرصة للتوظيف لأنه حتي المتميزون منهم لا يجدون ترحيبا بهم في جهات العمل المختلفة ليس لسبب سوي أنهم صم وبكم! تضيف: أتمني أن تهتم الكليات والمعاهد بهذه الفئة فتوفر لهم مترجما للغة الاشارة حتي لا تقف اعاقتهم في سبيل حصولهم علي المعلومة والشرح مثل زملائهم, ومن جهة أخري, تمنت الفتاة أن يكف الناس عن استخدام كلمة أخرس وألا يستخدموها كسباب أو شتائم, فهذا قدر الله الذي يرضي به أصحابه, ولكنهم لا يرضون عن تصرفات الناس حياله, تلك التصرفات التي اتفاءل خيرا بعد تقدير هذا القائد واحترامه لهم.