شَرُفتُ اليوم بحضور لقاء معالي دولة رئيس الوزراء مع مجموعة من رؤساء تحرير الصحف المصرية، في خطوة مهمّة لمدّ جسور التواصل بين الإعلام المصري والدولة ممثَّلة في مجلس الوزراء. كان اللقاء مطوّلًا، حيث امتدّ لثلاث ساعات كاملة، كان فيها الدكتور مصطفى مدبولي في كامل جاهزيته للمناقشة، واسع الصدر، منتبهًا لكل كلمة تُقال أو انتقاد يُوجَّه، هادئًا في إجاباته، يتلقّى جميع الأسئلة من الإعلاميين ببشاشة ورحابة صدر. كما كان الزملاء رؤساء تحرير الصحف والإعلاميون على قدر كبير من المسؤوليّة، فاشتبكوا مع دولة رئيس الوزراء بهدوء لكن بعمق ورويّة، فجاءت أسئلتهم واستفساراتهم معبّرة بصدق عمّا يدور في الشارع المصري من تساؤلات.
لم يكن اللقاء مجرّد جلسة مطوّلة بين رئيس الوزراء وعدد من رؤساء التحرير والقيادات الإعلامية، بل كان أقرب إلى محاولة لرسم خريطة طريق توضّح ملامح المرحلة المقبلة، وتضع خطوطًا فاصلة بين التحديات الإقليميّة والدوليّة وبين قدرة الدولة المصريّة على الحفاظ على أمنها القومي واستقرارها الداخلي.
رأيتُ رئيس الوزراء من خلال هذا اللقاء رجلًا حكيمًا، هادئًا، عاقلًا، يعمل بكل طاقته في ظلّ ظروف صعبة ودقيقة تمرّ بها البلاد. فالتوقيت بالغ الحساسيّة، والإقليم على شفا بركان، أبرز ملامحه ما يجري في غزة، وما تخلّل الأيام الماضية من تطوّرات خطيرة امتدّت إلى الاعتداء الإسرائيلي الآثم والمجرم على دولة قطر، وهو ما جعل كلمات رئيس الوزراء تحمل بُعدًا سياسيًا لافتًا، حيث أكّد بعبارات واضحة لا لبس فيها أنّ مصر مستهدَفة ضمن محاولات إعادة رسم خريطة المنطقة، مشدّدًا على أنّ قوة مصر تبدأ من الداخل، عبر التماسك الوطني والوعي الشعبي بحجم التحديات.
رسائل الرئيس توقّف الرجل عند الكلمة التي ألقاها الرئيس عبدالفتاح السيسي في قمة الدوحة، واصفًا إيّاها ب"التاريخية"، لما حملته من رسائل قوية للعالم من جهة، وللشعب الإسرائيلي من جهة أخرى، والتي أكّد فيها خطورة استمرار العدوان على غزة، وما قد يترتّب عليه من تهديد لاستقرار المنطقة بأسرها.
وعلى مدار ثلاث ساعات كاملة، بدا واضحًا من خلال حديث دولة رئيس الوزراء أنّ مصر تتحرّك بحكمة ودقة في محيط إقليمي بالغ الاضطراب. فالمنطقة تعيش تحوّلات عاصفة منذ سنوات، لكن ما جرى ويجري اليوم في غزة وامتدت تداعياته إلى الدوحة، كشف بما لا يدع مجالًا للشك أن استقرار الإقليم على المحك. وهنا بدا موقف مصر ثابتًا وراسخًا: أمنها القومي خط أحمر، ومحدداته تبدأ من الداخل، من تماسك الدولة ومجتمعها، ومن إدراك المواطن لما يُحاك للمنطقة من محاولات لإعادة رسم خريطتها.
ثوابت السياسة المصرية السياسة الخارجية المصرية – كما عرضها رئيس الوزراء – تنطلق من ثوابت واضحة: الدفاع عن الحق الفلسطيني، رفض جرّ المنطقة إلى صراعات أوسع، والعمل على بناء تحالفات وشراكات متوازنة مع القوى العالمية. وما يعزّز هذا الموقف هو الداخل المستقر، فقوة الدولة تبدأ من تماسكها الوطني.
هنا شدّد رئيس الوزراء على إيمان الدولة المصرية بدور الإعلام كشريك وطني مهم في نشر الوعي المجتمعي لدى المواطن المصري بحجم التحديات والمؤامرات والشائعات التي تُحاك ضدّ بلدنا، سواء من قبل الإعلام المعادي أو الجماعات المعادية للمشروع الوطني المصري، أو نتيجة للتحديات الإقليمية وما تشهده المنطقة ككلّ من أحداث في ظلّ هذا الظرف الدقيق من عمرها.
بالطبع كان الملف الاقتصادي حاضرًا، وأخذ جانبًا مهمًا من حديث رئيس الوزراء؛ حيث طرح الدكتور مصطفى مدبولي أكثر من مؤشر إيجابي دلّ على أنّ الاقتصاد المصري في طريقه للتعافي، مثل: تراجع التضخم إلى 12%، ارتفاع معدل النمو، وتزايد حصة القطاع الخاص التي تجاوزت 65% من الاستثمارات. والأهم، كما قال، هو السؤال الجوهري: متى يشعر المواطن بالتحسّن؟ وهي نقطة حاسمة، لأن أي أرقام – مهما كانت إيجابيّتها – لا تكتمل قيمتها إلا حين يلمسها المواطن في حياته اليومية.
ورغم صعوبة الظروف، أكّد الرجل أن الحكومة ماضية بخطوات محسوبة نحو هذا الهدف عبر خفض الدين، وتأمين احتياجات الطاقة لخمس سنوات مقبلة، وتسريع الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة. وهي عناصر تضع الاقتصاد على مسار أكثر استدامة، بما يعزّز ثقة الداخل والخارج في قدرة مصر على الصمود والتقدّم.
الصحافة شريك وطني ما ميّز اللقاء حقًا هو الرغبة الواضحة في مدّ جسور مباشرة مع الإعلام. فالحكومة، كما أكّد رئيس الوزراء، لا تنظر إلى الصحافة باعتبارها ناقلًا للأخبار فقط، بل شريكًا وطنيًا في مهمة رفع وعي المواطن، وكشف حجم التحديات، ومواجهة سيل الشائعات التي تستهدف النيل من استقرار المجتمع.
ثلاث ساعات في حضرة رئيس الوزراء لم تكن مجرّد حديث في السياسة والاقتصاد، بل كانت تأكيدًا على أن الدولة تدرك أن قوّتها الحقيقية تبدأ من وعي شعبها، وأن الإعلام شريك أساسي في صناعة هذا الوعي. وهو إدراك ضروري في لحظة تاريخية فارقة، تواجه فيها مصر والمنطقة العربية أخطر التحديات وأكثرها تعقيدًا