يحدثنا الدكتور عبد الحليم منصور ، رئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر ، فرع الدقهلية عن مراجل تشريع الصوم فيقول : شرع الحق سبحانه وتعالى الصيام على مرحلتين : الأولى : مرحلة التخيير : بأن يخير المكلف المطيق للصوم بين أن يصوم أو الإفطار مع الفدية وهي إطعام مسكين . قال النفراوي : وحين فرض رمضان كان الشخص مخيرا بين الصوم والإطعام . وفي هذا السياق جاء قوله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184) المرحلة الثانية : وهي مرحلة الإلزام والإجبار وفيها ورد قوله تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وهذه المرحلة جاءت على رتبتين : الأولى : وفي هذه المرحلة أوجب الإسلام على المسلم أن يصوم من العشاء إلى وقت الغروب . فقد كان المسلمون يأكلون ويشربون ويباشرون نساءهم ما لم يناموا أو يصلوا العشاء فإذا ناموا أو صلوا العشاء لم يجز لهم شيء من ذلك إلى الليلة القابلة . وقد حدث لبعض المسلمين أنه كان يعمل طوال النهار فلما حضر وقت الإفطار انطلقت امرأته لتطلب له الطعام فلما حضرت وجدته نائما من التعب والكد طوال اليوم ونام دون أن يتناول طعاما وعندما انتصف نهار اليوم التالي غشي عليه من المشقة والتعب . الرتبة الثانية : وهي الكيفية التي عليها الناس اليوم إلى أن تقوم الساعة والتي يبدأ فيها الصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس والتي نسخ الله بها ما كان عليه المسلمون قبل ذلك وفي هذا أنزل الله عز وجل قوله( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) ففرح المسلمون بها فرحا شديدا لما فيها من التيسير على المسلمين ورفع للحرج عنهم حيث أباح لهم الرفث الجماع طوال الليل إلى أن يطلع الفجر وصدق الله العظيم إذ يقول " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" جاء في الفواكه الدواني :" وحين فرض رمضان كان الشخص مخيرا بين الصوم والإطعام ثم نسخ التخيير بقوله تعالى : فمن شهد منك الشهر فليصمه" ووجب الصوم إلى الليل وأبيح الطعام والشراب والجماع إلى صلاة العشاء أو النوم، أحدهما يحرم جميع ذلك ، فاختان عمر رضي الله عنه زوجته ، وكذبها في أنها نامت ووطئها ، فنزل قوله تعالى " علم الله أنكم كنت تختانون أنفسكم .. إلى آخر الآية . " حمى الله الوطن ، وجعل مصر بلدا آمنا مطمئنا ، سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين ، وأعاد علينا رمضان بالخير واليمن والبركات ، وجعلنا أهلا للرحمة ، والمغفرة ، والعتق من النار ، ووحد بين صفوفنا وجمعنا على كلمة سواء ، إنه على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير .