لم يفرض الصيام في الإسلام كما يعرفه المسلمون اليوم فلقد مرت فريضة الصيام بعدة مراحل حتي وصلت إلي ما نحن عليه الآن من صوم شهر رمضان، وفي ذلك يقول الداعية أحمد علي سليمان المدير التنفيذي لرابطة الجامعات الإسلامية لقد كان للنبي (صلي الله عليه وسلم) صيام يسمي صيام الوصال.. أي أنه كان يمكث أياما عدة متواصلة لا يذوق فيها طعاما ولا شرابا.. لا إفطارا ولا سحورا.. وأراد الصحابة أن يقلدوه في صيام الوصال، فغضب (صلي الله عليه وسلم) ولم يرض لهم بذلك، ونهي عنه رحمة ورفقا بهم، وخشية أن ينزل الوحي من الله فيفرض صيام الوصال علي الأمة وهي لا تستطيعه، لأنه شاق جدا. ويناقش الصحابةُ الكرام الرسولَ (صلي الله عليه وسلم) في ذلك رغبة منهم في تحصيل الأجر الكبير، فيقولون له يا رسول الله: إنك تواصل.. فيقول لهم في تواضع العظماء: (إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقين).. وهكذا يعلل لهم أسباب صيامه صيام الوصال. وأضاف أن الصيام في مرحلته الأولي أوجب الله سبحانه الصيام علي المسلمين كما أوجبه علي الذين من قبلهم حتي يجتهد المسلمون في أداء هذه الفريضة أكثر مما فعله الأولون؛ ذلك أن الصيام يزكي الروح ويطهر البدن ويضيق لمسالك الشيطان، ومن قبلها تحقيق التقوي للصائم.. وكانت هذه المرحلة في المدينة حين قدمها الرسول (صلي الله عليه وسلم) والمسلمون، فكان يصوم -هو والمسلمون- ثلاثة أيام من كل شهر بالإضافة إلي صيام عاشوراء.. حيث جاء في تفسير الإمام ابن كثير (رضي الله عنه) أن المسلمين في بداية فرضية الصيام كانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر، كما كان عليه الأمم السابقة، حيث أنزل الله تعالي قوله: (يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة183). وكان المريض والمسافر في هذه المرحلة لا يصومان في حال المرض والسفر لما في ذلك من المشقة عليهم، بل يفطران ويقضيان بعد ذلك.. أما الصحيح المقيم الذي يطيق الصيام فقد كان مخيرا بين الصيام وبين الإطعام، فإن شاء صام، وإن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا فإن زاد عن مسكين فهو خير له) وان صام فهو أفضل من الإطعام. أما المرحلة الثانية ففيها أنزل الله تعالي قوله: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًي لِّلنَّاسِ وَبَينَاتٍ مِّنَ الْهُدَي وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيصُمْهُ) فأثبت الله صيامه علي الصحيح المقيم، ورخص فيه للمريض والمسافر، كما أثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام بعد ذلك.. وفي هذه المرحلة كان اليوم كله صياما، أما فترة الإفطار فكانت تقع ما بين المغرب والعشاء فقط، فيجوز فيها الأكل والشرب والجماع، فإذا أذن المؤذن لصلاة العشاء أو نام الشخص قبلها، حُرم عليه الطعام والشراب والشهوة إلي المغرب من اليوم التالي. ويوضح سليمان ان المرحلة الثالثة والأخيرة، فجاءت عقب قصتين لرجلين نزل فيهما قرآن ليؤسس للمرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل فرضية الصيام.. فالرجل الأول صلي العشاء في رمضان ثم جامع زوجته.. فذهب إلي الرسول الرحيم وقال هلكت يا رسول الله.. فقال له: ماذا صنعت؟ قال أتيت أهلي في ليل رمضان بعد العشاء وأنا صائم.. فماذا أنا صانع؟ فقال له الرسول (صلي الله عليه وسلم) انتظر حتي ينزل الله في شأنك حكما.. أما الرجل الثاني فقد دخل بيته قبل المغرب بقليل وقال لزوجته: أعندك طعام نفطر به؟ وقد عاد بعد يوم مليء بالكفاح والنضال والجهاد والسعي علي لقمة العيش.. فقالت له انتظر حتي أبحث لك عن طعام، فخرجت المرأة تسأل الجيران طعاما، وعادت بالطعام، فوجدت زوجها قد نام وأذن المؤذن لصلاة العشاء، وقد فات أوان الإفطار، ومن ثم عليه أن يصل الصوم إلي المغرب من اليوم التالي، فرآه النبي (صلي الله عليه وسلم) منهكا وقد علم ما حدث له، فقال له: انتظر حتي ينزل الله في شأنك حكما. وأنزل الله مرسوما إلهيا يقول فيه: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلَي نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّي يتَبَينَ لَكُمُ الْخَيطُ الأَبْيضُ مِنَ الْخَيطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيامَ إِلَي الَّليلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يبَينُ اللّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يتَّقُونَ) (البقرة187) ولم يقل أحل لكم في الصيام الرفث، ولكن قال ليلة الصيام -والرفث هو جماع النساء- والقرآن دائما يستعمل اللفظ الحساس في المكان المناسب، وهو يعلمنا أن نستعمل الألفاظ في مواقعها الصحيحة.. فالقرآن حيي، كله حياء.. وهكذا امتد وقت الإفطار في هذه المرحلة الثالثة والأخيرة من المغرب إلي الفجر..ففي شأن الرجل الأول الذي جامع زوجته في الصيام يقول تعالي: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلَي نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ...) (البقرة187) هذا عن الذي أتي أهله في ليل رمضان.. أما الرجل الذي نام حتي فاته الإفطار فنزل قوله تعالي: (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّي يتَبَينَ لَكُمُ الْخَيطُ الأَبْيضُ مِنَ الْخَيطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (البقرة187) ليخفف عنه وعن المسلمين ويجعل وقت الإفطار من المغرب إلي الفجر، إذ المراد بالخيط الأبيض هو الفجر، والخيط الأسود هو الليل.. (ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيامَ إِلَي الَّليلِ) أي إلي أذان المغرب، وهكذا خفف الله تعالي الصيام رحمة بالأمة الإسلامية.. خير أمة أخرجت للناس..