«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصيام
نشر في الفجر يوم 11 - 05 - 2012

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم أمَّا بعد:
يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة: 183].
لا يشكُ شاك أنَّ الصيامَ تكليف شاق، ولذا لما أوجب الله سبحانه وتعالى علينا الصيام جاء ذلك على نظمٍ مختلف، كما في الآية الكريمة المذكورة، ولا عجب في ذلك إذا علمنا أن الصوم قد فُرض على هذه الأمة في السنة الثانية من الهجرة، أي قبل فرض الجهاد، ومعلومٌ ما في الجهاد من المشقة، وبذل النفس والمال، وكأنَّ التكليف بالصوم جاء ليجهز النفوس، ويربيها على تحمُّل ما هو أشق كالجهاد، وقد اشتملت آية الإيجاب المذكورة وما بعدها على ما يشعر بتيسير هذه الفريضة على الأمة، وهذا ما يدل عليه قوله تعالى في شأن الصوم: ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾، ولبيان هذا اليسر سنذكر هذه اللطائف وهذه الدلالات على النحو التالي:
أولاً: البدء بالنداء مع ذكر صفة الإيمان في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ فيه فوق التنبيه شحذٌ للهمة لتلقي مشقة هذا الفرض، بكل صبرٍ واحتساب وقوة، مثل المناداة في قوله تعالى: (يا أهلَ الشجرةِ) (يا أهلَ بيعة الرضوان)، ففي هذا من استنهاض الهمم، وتقوية العزائم مالا يخفى.
ثانياً: مجيء الإيجاب بفعل الكتابة، مع البناء للمجهول (كُتب) في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾، دون (قُضي)، أو (حُكم به) مثلاً، لما في مادة الكتابة من دلالة الضبط المناسبة لطبيعة الصيام في وقته، وما يهدف إليه من ضبط السلوك القولي والفعلي، إضافة إلى سلامة كُتب من ثقل (قُضي) و (حُكم)، وما تشعر به من الإلزام العظيم.
ثالثاً: مجيء الفعل مبنياً للمجهول ﴿كُتِبَ﴾ مع أنه معلومٌ فاعله، وهو الله سبحانه وتعالى؛ وذلك لتخفيف مشقة التكليف، ولذلك ما قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كَتب الله عليكم الصيام، ولذلك ما في لفظ الجلالة ﴿الله﴾ من التعظيم والمهابة.
رابعاً: ذكر أننا مسبوقون في هذا التكليف، كما في قوله تعالى ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾، وجاء ذلك على صورة التشبيه، وكل هذا من أجل التخفيف، لأنه من طبع الإنسان أنه إذا عَمِل عملاً شاركه فيه غيره سهل عليه، وإذا كُلِّفَ بعملٍ وحده صَعُبَ عليه، ويكون الأمر أكثر سهولة إذا كان الإنسان مسبوقاً بذلك التكليف، وهذا فيه أيضاً تحفيز وتنشيط، فإذا كان الذين من قبلكم قد صاموا، فكونوا مثلهم أو أحسن منهم في تلقي هذا التكليف.
خامساً: ذكر النتيجة المرغوبة في قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ فيه تهوينٌ للتكليف، وتشويق إليه، وذلك أنك إذا كلفت إنساناً بعمل شاق، ولكنك قلت له: افعل كذا، أو كذا، لعلك تربح وتنجح، تجده عند ذلك يتشجع ويتقدم، والتقوى أمرٌ يسعى إليه كل مؤمن، لما لها من العواقب الحميدة في الدنيا والآخرة.
سادساً: التعبير عنه بالأيام في أول ذكره، وتأخير ذكر الشهر المشعر بالطول، مما يسهل صيام هذا الشهر، فقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ﴾، إضافة إلى ما في جمع الأيام على أفعال من كونه دالاً على القلة.
سابعاً: وصف الأيام بأنها معدودات ﴿أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ﴾ يدل أيضاً على التخفيف والتسهيل لأن الشيء القليل يُعَد، والكثير يُحَد، أي: يُعرَّف، فكان هذا الوصف مشعراً بأنها قليلة معدودة، وهذا مما يخفف على النفس كُلفة الصيام.
ثامناً: التخفيف عن المريض والمسافر في الصيام، مع إيجاد فرصة موسعة للقضاء، كما في قوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، وهذا من التيسير والتسهيل.
تاسعا: في وصف أيام القضاء ب(أُخَر) في قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ تسهيل آخر، يتمثل في توسيع مدة القضاء لأنها من اختيار الإنسان.
ولو كان القضاء محدوداً بأيام، أو بأشهر، أو بزمن لا يتعداه؛ لشَق ذلك على النفس، يضاف إلى ذلك مجيء الإيجاب على التخيير، مع الترغيب في الصوم في قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، كل ذلك يتناسب مع بداية التكليف، ونلحظ في بيان الفدية كيف كانت بالإفراد ﴿ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾، ولم تكن (مساكين) بالجمع، ثم نلحظ قوة الحضِّ والحث على الصوم بذكر الخيرية ﴿خَيْرٌ﴾ ثلاث مرات، مع التعليق لحصول ذلك الخير بعلمهم ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، كأنّه قيل: لو كنتم تعلمون حجم الخير في الصيام لَصمتم.
عاشراً: في قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ نجد أن شهر القرآن ذُكر هنا بعد تأخره بعد ذكر الأيام، أي بعدما تهيأت النفوس لتلقي هذا التكليف الشاق، ومع هذا ذُكر معهم ما يخفف ثقل الزمن؛ المتمثل في الشهر، وهو نزول القرآن موصوفاً بصفات الخير ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾، وبعد هذه التهيئة التي بينا صورها يأتي التكليف بوضوح وقوة في قوله تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾، فهنا ذكرٌ للشهر، وإيجابٌ صريحٌ واضح للأمر ﴿فَلْيَصُمْهُ﴾، إلاَّ مَنْ كان معذوراً فما زال التيسير سارياً معه كما في قوله تعالى ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾، الأمر اختلف هنا، الآن فيه عزيمة للذي يشهدُ الشهر فعليه أن يصومه كما قال سبحانه وتعالى: ﴿فَلْيَصُمْهُ﴾، أما من قبل فكان الأمر مختلفاً كما في اللمحات الماضية، ونلحظ هنا كلمة (مريض) أو على (سفر)، فما زالت على نفس الأمر، فلم يقل الله عز وَجلَّ: (مريضاً) أو (مسافراً)، فما زال التيسير معه جارياً كما في قوله تعالى: ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾، نجد الأمر هنا قد اختلف، فالعزيمة واضحة في قوله تعالى: ﴿فَلْيَصُمْهُ﴾ ، أما ما يخص المريض فما يزال الأمر ميسراً ومسهلاً معه، وهذا دليلٌ على أنَّ العزيمة تعلقت بما لم يكن مريضاً أو مسافراً أو معذوراً، وأما مَنْ كان مريضاً أو مسافراً أو معذوراً؛ فقد استمر التيسير والتسهيل معه، ومن هنا نلحظ كيف أن هذه التسهيلات التي أشرنا إليها جاءت ملخصة في قوله تعالى في ختام هذه الآيات: ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.
هذا ما تيسّر بيانه في هذه الآية العظيمة، أسألُ الله سبحانه وتعالى أن يُبَصِّرَنا، وأن يوفقنا، وأن يجعلنا ممن يتأمل في هذا القرآن، ويستفيد من مواعظه، وقوارعه، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.
الصيام (2)
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾[البقرة:187].
سنقف مع جزء من هذه الآية عدة وقفات، لنبين ما فيها من دلالات:
أولاً: جاءت هذه الآية مبدوءة بكلمة ﴿أُحِلَّ﴾، وهي مبنية للمجهول؛ بياناً أن العناية منصرفة إلى فعل الحِّل ذاته، لأن الفاعل معروف، لأن هذا الفعل لا يكون لسواه، وهو الله سبحانه وتعالى، وذِكر مادة الحل يدل على الشعور بالمنع والحرمة في القضية المذكورة، وأن الأمر يحتاج إلى حكمٍ من الله عز وجل، وقد ورد أن بعضهم كان إذا جاء إلى زوجته وقد نامت في الليل، لم يقربها، لأنه يظن أنها تحرم عليه إلى اليوم التالي، فشق عليه هذا الأمر فاحتمله بعضهم، وحصل من بعضهم تجاوز، فجاء بعضهم إلى النبي r فأخبروه، فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ﴾.
ثانياً: قوله الله تعالى: ﴿لَكُمْ﴾ فيه عناية بشأنهم، وإيضاحٌ بتخصيصهم في هذا الأمر، وهذا يتناسب مع ما قيل عن منع السابقين قبلنا من قربان نسائهم في الليل.
ثالثاً: في التنصيص على الزمن ﴿لَيْلَةَ الصِّيَامِ﴾ فيه بيان أن الحل مرتبط بذلك الزمن خصوصاً، وأن الأمر المذكور وهو قربان النساء محرمٌ في غير هذا الوقت مما يخص الصيام، وحتى يكون هذا الحكم مقتصراً على شهر الصوم، أضيف الزمن إلى الصيام فقيل: ﴿لَيْلَةَ الصِّيَامِ﴾.
رابعاً: في قوله تعالى: ﴿الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ﴾ إيضاح للأمر المراد ذكر الحِلِّ فيه، وهو الرفث إلى النساء، وفي ذكر كلمة ﴿الرَّفَثُ﴾ من الكناية اللطيفة عما يُستَحى من ذكره مالا يخفى، والرفث على أكثر أهل العلم هو الجماع، وإتيان الرجل أهله، وكل ما يفضي إلى ذلك، والرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الإنسان من زوجته، وهي كلمة جامعة -كما نرى- لكل هذه المعاني، والعجيب أننا نجد هذا الفعل (الرفث) مسموحاً به في ليْلِ رمضان ومنهياً عنه في الحج، كما في قوله تعالى: ﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجّ﴾[البقرة: 197]، لاختلاف القصد في الفريضتين، فالمنع في رمضان يتعلق بالنهار، أمَّا في الحج فَلِقلّة مدته فيتعلق بالليل والنهار.
خامساً: جاءت تعدية الرفث ب﴿إِلَى﴾؛ مع أنه يعدّى في الأصل ب(الباء)؛ فيقال: رفث بفلانة، ولا يعدّى ب(إلى) فيقال: رفث إلى فلانة، كما في الآية هنا ﴿الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ﴾، فدل ذلك على أن معنى الرفث هو كل ما يوصل الرجل إلى غايته التي يريدها من زوجته، وهذا يتناسب مع معنى تلك الكلمة أشرنا إليها بقولنا: وهي كلمة جامعة، وهذا بخلاف ما ورد في الحج من إطلاق، وذلك لأن (إلى) تدل على بلوغ الغاية، وقد يكون الأمر متعلقاً بالحل، فيكون المراد: أن الحِلَّ ممتد إلى نسائكم، لا يتجاوز إلى سواهن.
سادساً: تحليل الرفث في هذا المقام قد يكون من باب الترفه بعد المنع، فلما كانوا ممنوعين من أزواجهم في النهار، سُمِح لهم ذلك في الليل، مكافأةً لهم وتمتعاً.
وقيل: المراد من ذكر التحليل هو إشعارهم بأنه أمرٌ محظور وقد أُحِلَّ في الليل، مع أن المرغوب فيه هو استمرارية الامتناع، تربيةً لقوةِ الإرادة، فيكون في ذكر الحِلِّ تسهيل على من ضَعُفَتْ عزيمته، والامتناع لمن قَوِيَتْ عزيمته.
سابعاً: قوله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ فيه كناية لطيفة أخرى عن الأمر ذاته، مع اختلافٍ في الأسلوب، حيث ظهر فيه هنا جانبُ المرأةِ أكثر من الرجل، بخلاف ما سبق مع الرفث، وهذا ظاهر في تكرير ضمير الإناث (هن) مرتين، في مبدأ الكناية ونهايتها، في مقابل ذكر ضمير الرجال (أنتم) مرة واحدة.
ثامناً: في البدء بالمرأة مع كناية اللباس، إلماحٌ إلى أثر المرأة في تحصين زوجها، وستر معايبه، والإشعار بأن شأنها في جانب اللباس أظهر من الرجل.
تاسعاً: في تشبيه كلٍ من الزوجين للآخر باللباس، ما يدل على شدة حاجة كل منهما للآخر، وحذف أداة التشبيه من هذا التشبيه، فلم يكن: (هن كاللباس لكم، وأنتم كاللباس لهن)، لبيان شدة التطابق بين المشبّه والمشبه به، لدرجة أنه كالشيء الواحد.
عاشراً: ذكر اللباس هنا خصوصاً يحمل دلالات عدة، تظهر من خلالها أوجه التشبيه العديدة، بين اللباس وأحد الزوجين مع الآخر، ويمكننا ذكر أهم تلك الدلالات على النحو التالي:
‌أ- أن اللباس صورة من صور الجمال.
‌ب- أنه مظهر من مظاهر الستر.
‌ج- أنه أحد أسباب الحماية.
‌د- أنه شديد الالتصاق والقرب من الإنسان.
وبهذه الأوجه من الدلالات نعلم شدة الشبه في هذه المشابهة المذكورة في هذه الآية بين أحد الزوجين مع الآخر، وبين اللباس، ونعلم أيضاً حاجةَ كلٍ من الزوجين للآخر، وأنه يكون معه كما يكون اللباس مع صاحبه.
فهل تأمل أحدنا هذا الأمر، ونظر فيه، وخصوصاً أنه ورد في آيات تخص الصيام؟، لما في الصيام من تربية المهابة من الله سبحانه وتعالى، وتربية المراقبة، ولعل هذا الأمر لابد أن يكون بين الزوجين، خصوصاً بما يتعلق بالعفة والستر والحماية، فإن هذا الأمر من الضروريات حتى تستمر الزوجية على أحسن حال.
أسأل الله عز وجل أن يوفقَنا لكل خير، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.