على بعد 10أمتار من مسجد الفؤاد ،يقع شارع سعيد زيدان مسقط رأس الفتنة بين السنة والشيعة التي جرت على مسرح طائفي برعاية خطاب ديني انحرف عن مساره الوسطي ،جراء انشغال أصحابه بصراع سياسي كاد أن يحرق الوطن. في العقار رقم «6»تبدو أطلال منزل شحات عمر العريان أثراً ل»واقعة» لن تسقط وصمتها السوداء من على جبين»الرئيس وجماعته» باعتباره المسئول الأول عن استقرار البلاد. على مقربة من المنزل المكون من طابقين ،تتراص السيدات المسنات أمام منازلهن كأن شيئا لم يكن ،الصمت يخيم على الجميع ،يقطعه فجأة صوت أسماء الابنة التي جاءت من منزل زوجها في وضح النهار للاطمئنان على أسرة شردها العنف «الطائفي». خلف الباب ذى اللون الأحمر تقبع»كنبتان» وبضع ألواح حديدية تمت الاستعانة بها لمنع دخول الأهالي الثائرين إلى المنزل الذي احتضن الشيخ حسن شحاتة على مدار 7ساعات قبل فراقه للحياة،فشلت أسماء ذات الأعصاب المنهارة في عبور الحاجز ،ساعدتها في إزالته كبوابة عبور بالنسبة لي إلى داخل المنزل الذي تكمن فيه كواليس الأحداث دون حاجة لشهادة عيان على الواقعة. على اليمين فور دخولك بوابة المنزل متواضع الإنشاء ،تقبع «أم شحات» ذات الثمانين عاما بين ملابسها وأشياء غرفتها التي أدركها الاعتداء ،بعينين تخالطهما دموع القهر تبادر السيدة الثمانينية»: أنا يا ابني مليش دعوة بحاجة ،أنا عايشة هنا كافية خيري شري ،وببيع»بسكوت»أو «شيبسي « للأطفال وبصرف على نفسي من تجارتي ،وهما دخلوا بهدلوا حاجتي والناس شالوني ودوني عند أخويا ،ومليش غير ربنا». من بين ركام الملابس والأشياء المبعثرة تبحث الأم المكلومة عن كفنها ،وترفض مبادلة زوجة الابن الحديث بعد تصديقي على كلامها وفقا لرواية شهود عيان جاءت في أن «أم شحات» تبرأت منه في عام 1997وخيرته بعد ظهور تشيعه بينها وبين منهجه . تزأر السيدة المسنة صارخة «سيبني ياابني ،آديني قلت لك على كل حاجة،أنا هسيب البيت واقعد عند أخويا لأن كده البيت» «خرب». الوصول إلى تفاصيل المنزل ذى الذكرى المتشحة بالسواد كان هدفا ،طلبت من الزوجة التي لم تفتأ تهدئة ابنتيها حديثا مقتضبا حول تفاصيل الحادث ،وبادرت بمنحي حرية التجول والتصوير داخل المنزل بشرط ألا استطرد مع أولادها أو معها في حوارات جانبية. بعد غرفة الأم ،يقودك ممر يبلغ طوله قرابة3أمتار إلى حمام على اليمين ،وسلم يفصل بين غرفة على هيئة المخزن ومدخل البيت،على السلم تتناثر بقايا الاعتداء وشواهده ،ويلتقيك قبل صعودك إلى الطابق الثاني باب ثلاجة ملطخ بدماء الضحايا. في الطابق الثاني على اليمين حمام في مدخل»شقة « من غرفة واحدة متسعة الأرجاء، إلي الحائط الأيمن يستند طفلان صامتان لم يبرح عيونهما نوم جراء الفزع الذي يلقي بظلاله على البيت ،في مواجهة الباب تبدو «كنبة أنتريه» محملة ببقايا الزجاج المتساقط جراء رشق الشباك الذي يعلوها بالحجارة ،وآثار الحجارة قابعة على الجدران . في مقابل الشقة ذات الغرفة الواحدة»طرقة» تتسع عرضا لفردين فقط ،تؤدي في نهايتها إلى شقة أوسع كانت محل اجتماع الشيخ حسن شحاتة وصحبته الشيعية ،والشقة نصف المجهزة كانت لأكبر الأبناء الذي أصيب مع والده ويحتجزان معا في النيابة العامة . على يسار الباب الرئيسي حمام»محطم» بالكامل ،يجاوره «مطبخ أمريكي» تحول إلى حطام، وغرفة مفتوح سقفها بفعل المعتدين وبقايا زجاجات المولوتوف يغطي سواد دخانها جدرانا لم تعد بيضاء . على السطح علامات الاقتحام ،وغرفة نوم بسيطة للغاية منزوعة الأبواب للزوجة التي باتت في منزلها رافضة الذهاب إلى منزل شقيقها –وفاء للزوج الغائب –رغم مرارة المبيت ،في تلك الغرفة تبدو علامات سرقة الملابس وتفتيشها شاهداً على غوغائية المشهد ،تصرخ الابنة «نفيسة» التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الزواج ،»هو ده دين يعني» يسرقوا دهبي ،ويسرقوا هدومي وكمان»موتور الثلاجة» . تفقد الأم هدوءها وتدخل في نوبة بكاء حادة: »إنت لما بتعزم حد في بيتك حد بيشاركك ،طب لمايحاربونا في دين و»»سنة وشيعة» يطلعوا علينا بالراحة ،لكن يجيبوا لنا بتوع الحشيش والمخدرات يتعاملوا معانا كلهم سلفيين وأنا عارفاهم واحد واحد ، بس مستنية لما جوزي يسمح لي ويقولي»قولي»،ينفع ابقى مجهزة هدوم «عروسة» ياخدوها ،حتى الأكل اللي كنت عاملاه للضيوف خدوه . تستطرد الزوجة التي تتملكها حالة ذهول متواصلة «الراجل» الشيخ حسن شحاتة»أول مادخل لقينا البلد كلها على الباب ،طب خلينا 30واحد شيعي هنعمل إيه في بلد كاملة ،دي وصلت إن واحد فيهم رفع الطبنجة على بنتي اللي ف3إعدادي ،وبنتي عارفاه شخصيا بس مش هنتكلم غير لما نشوف جوزي وابني هيعملوا إيه؟». وتضيف الزوجة التي تلملم ذاتها على استحياء: »كانوا بيخطبوا من 3أيام في مليونية «لاللعنف» ،هو ده كلامهم ،يكهربوا الباب علشان محدش ينزل الشارع ،ياريتهم كانوا موتونا ،قبل مانشوف اللي حصل ده». تتدخل الابنة الصغرى «نفيسة»قائلة» ده يرضي ربنا هو ده الدين اللي بيطبقوه ،وبيتكلموا بلسانه ،دا احنا لو يهود مش هيعملوا فينا كده ،اترمي علينا إزاز وقلنا لهم «نبوس إيديكم بطلوا رمي طوب علينا ،لكن مفيش فايدة،دخلوا وسرقوا كل حاجة». وتضيف الابنة التي فقدت مذاق الحياة –على حد قولها-»ولعوا فينا من فوق ،وفيه واحد من الضيوف رجله اتحرقت ،وقلنا ارحمونا ولم يستجب أحد. سألت الزوجة «هل كنتم تحتفلون بمولد الإمام المهدي حقيقة ؟»،فردت قائلة «معرفش حاجة عن الإمام المهدي ياريت تعرفوني ،احنا بنحب سيدنا الحسين وسيدنا النبي ،وآل البيت ،ولو كنا بنحتفل يعني ما احنا قاعدين في بيتنا وكافيين خيرنا شرنا». يقطع بكاءها عبارة «منه لله مرسي ،هو وأعوانه ،ربنا ينتقم من أعوانه لأنهم خربوا عليه البيت». وتستطرد قائلة» هما بيجهزوا لينا من كام شهر ،ومش هسيب بيتي أبداً مهما حصل،لأنهم بيضطهدونا في رغيف العيش والغاز وفي كل حاجة».