«كنت نايمة جنب أخويا وحاول يعتدى علىَّ.. عمرك ما هتحسى بنا لأنك مش عايشة زينا!!..» بهذه الكلمات تحدثت معى الأسر الضحايا الذين يعيشون داخل الغرف الواحدة.. فهذه ليست غرفا بل سجون محتجزون بداخلها وكأنهم أسرى ينتظرون من يفك أسرهم ويسمع دقات قلوبهم التى تصرخ وتحمل كل معانى الألم والجوع والفقر.. ناس في بلدنا يعيشون ويموتون ولم يسمع عنهم أحد أو حتى يلتفت لهم مسئول!!..
فالوصول لهم كان بمثابة السير على الحبل داخل السيرك، حتى لا تنزلق قدمى فى مياه المجارى!!.. فالغرف داخل حوارى ضيقة تغطيها مياه المجارى التى تشبه حمام السباحة..
يلتفت حوله الأطفال ويلعبون بداخله غير مدركين الأضرار التى ستصيبهم بعد ذلك..
أما بالنسبة للحمام فهو مشترك ولا يستر عورة من بداخله سواء «رجل أو ست!!»..
هؤلاء الناس استسلموا ليأسهم ويرون أنهم لن يخرجوامن غرفهم إلا على قبورهم..
فهم ليسوا فقراء بل هم ضحايا، أكدت إحصائية أن الأفراد الذين يعيشون فى غرفة واحدة وصل عددهم إلى أكثر من 16 مليونا.. فى السطور القادمة سنعرض لكم القصص والمشاكل التى تواجه العائلات الذين يعيشون فى غرفة واحد.
∎ نفسى أشعر بآدميتى
رأيت من بعيد سيدة عجوز تجلس على ناصية الحارة بقفص الخضار مرتدية عباءة سوداء متآكل لونها، وتحمل فى يدها زجاجة بلاستيك بها مياه صفراء اللون- اتضح لى بعد ذلك إنها المياه التى يشربونها.. تقوم برشها على الخضار أحيانا حتى لا يذبل ويفسد بعد ذلك!!.. أم محمد، أم لسبعة أبناء 3بنات و4 أولاد.. عانت كثيرا من أجل الحصول على شقة ولم تترك مسئولا إلا وذهبت إليه سواء كان من النظام القديم أو الجديد فكلاهما كانت ردودهم عليها نفس الرد «إحمدى ربنا إنك عايشة فى غرفة غيرك بينام فى الشارع»!!.. أخذتنى «أم محمد» إلى غرفتها كى أراهافكان طريق الوصول للغرفة صعبا جدا.. وذلك بسبب طفح مياه الطرنش داخل الحارة.. فكنت أسير معها بحذر شديد على أطراف أصابع قدمى حتى لا تنزلق قدمى فى مياه المجارى التى شبعت جدران الغرف بالكامل.. لكنها تسير بجانبى وقدميها تغرزان فى مياه المجارى وكأنها معتادة على هذا كل يوم.. وعندما وصلنا الى الغرفة وجدت باب الغرفة عبارة عن باب خشب متهالك يغلق بقفل ومفتاح ومن الداخل لايوجد أى أثاث سوى سرير عالى وكنبة بلدى أكل عليها الدهر وشرب وبعض الصحون العائمة على الأرض من مياه المجارى.. فحيطان الغرفة مغطاة بملاية كى تعطى وتخبىء الشروخ والكسور الموجودة على الجدران والسقف مغطى بالخوص وعمدان الخشب المسوس.. أما بالنسبة للأرض فهى غير مستوية بالمرة بسبب تشبعها سواء من مياه المجارى التى تطفح من حين لآخر أو من مياه المطر فى الشتاء.. بدأت أم محمد تروى لى معاناتها أنا عندى 60 سنة.. جوزىتوفى من 20 سنة وترك لى 7 عيال.. منهم المتزوج وغير المتزوج.. وهما عايشين معايا فى الغرفة.. وكان عندى أمل كبير أنى أعيشهم فى شقة حتى لو كانت صغيرة وفى منطقة شعبية.. بدل من النوم فى أوضة غير آدمية..وبعدها توقفت عن الكلام وقالت سأترك لك الغرفة هى من تتحدث معك!!.. فحالها هو حالنا.. إزاى بنات يعيشوا فى هذا المكان!!.. اللى فيه كل حاجة على المشاع!!.. تدخلت ابنتها فى الحديث قائلة: أنا عندى 17 سنة وطبعا فى الأوضة كلنا بنام جنب بعض يعنى البنت بتنام جنب الولد وأنا عندى 3 أخوات ولاد .. ويوم كنت نايمة جنب أخويا وحاول أن يعتدى علىَّ لولا صرخت وصحيت أمى وأخواتى.. نفسى أحس بأنوثتى وألبس ملابس البيت اللى أى بنت بتلبسها بدلا من لبس العباءة السوداء الواسعة خوفا من أن يضايقنى أحد حتى لو كان الحد ده هو أخويا.. بينما أختها الأصغر منها تقول: احنا مش عارفين لا نعيش ولا نأكل.. ورائحةالغرف رديئة جدا من الكتمة ومن كثرة عدد الأفراد اللى عايشين فيها.. وكلنا بنعانى من أمراض الصدر.
∎ما باليد حيلة
أثناء خروجى من الحارة تحدثت أيضا مع «نعمة» كانت جالسة على باب غرفتها حاملة طفلا رضيعا على يدها اتجهت إليها فوجدتها تقول لى: اتجوزت فى الغرفة دى وجوزى أرزقى يعنى مرة كهربائى ومرة سباك ومرة ميكانيكى ماشية وخلاص.. وعندى 5 عيال.. ويدوب اللى بيجى بعلم بيه العيال.. وحاولنا كتير إننا نعيش فى شقة لكن الإيجار غالى.. والعيال كل يوم يعيطولى ويقولوا لى: ياماما نفسنا نعيش فى بيت محدش يدخل علينا أو يضايقنا.. وتضيف نعمة قائلة: أنا عاجزة عن تلبية طلبات أولادى وشعور العجز يقتلنى فى اليوم ألف مرة.. فأرى كل يوم الخوف فى عيونهم، ولكن ماذا أفعل لهم ما باليد حيلة؟!.. حتى الحمام مشترك وبيحصل فيه مشاكل كتيرة.. ومن المواقف التى حدثت معى: كنت حامل فى طفلى الأخير وكنت أدخلالحمام كتير.. فاستيقظت فى الفجر وكان زوجى نائما ورحت الحمام وبمجرد الانتهاء من الحمام سمعت صوت أقدام تجرى.. فخرجت ووجدت أمامى مجموعة من الشباب كانوا بيتفرجوا علىَّ وأنا فى الداخل.. رغرغت عيناها بالدموع ثم قالت: دى إهانة كبيرة لأى ست.. مفيش أى خصوصية خالص.. فكل شىء يحدث بينى وبين زوجى يكون على مرمى ومسمع الأطفال ومن الصعب أن أتركهم عند أمى هى ست كبيرة ومش بتستحملهم.. أنا كل اللى بطلبه إن المسئولين يرأفوا بحالنا ويرحموا أولادنا.. وأثناء حديثها تدخلت معنا ابنتها ذات السبع سنوات قائلة: أنا مش عايزة أعيش هنا.. أنا بخاف من الناس اللى هنا.. أنا نفسى أخرج من هنا وأعيش فى بيت ويكون عندى حمام استحمى فيه لوحدى ومحدش يبص عليا ويفتح عليا باب الحمام.. محروسة فى الحارة المجاورة لهم وغرفتها لا تختلف كثيرا عن غرفتهم.. فكل ما يميزها هو أن لديها ثلاجة حصلت عليها من أهل الخير.. وتعتبر هذه الثلاجة هى مصدر رزقها لأنها تضع فيها المياه الغازية وتقوم ببيعها بعد ذلك.. بالإضافة إلى عمل زوجها.. فتقول محروسة: عندى خمس عيال.. وحمايا عايش معايا.. وجوزى عامل أرزقى طول الوقت بره البيت.. ودايما حمايا بيضايقنى وبخاف اشتكى لجوزى عشان ما يتخانقش معايا وممكن يطردنى من البيت وأنا مليش مكان أعيش فيه أنا والعيال.. لذلك مضطره استحمل عشان خاطر عيالى.. أنا نفسى أحس بذاتى وأشعر أنى عندى خصوصية وبيت مقفول عليا أنا وجوزى وعيالى.. أنا طول السنة إما أهلى مقيمين معى أو أهله مقيمين معنا داخل الغرفة.. وكتير كنت هطلق من جوزى بسبب كده.. عيالى مش عارفين يعيشوا مشتتين .. وأثناء حديثها معى فوجئت بها تقول لى: أنت عمرك ما هتحسى بينا أبدا مهما اتكلمنا معاكى إنت لا عايشة زينا ولابتاكلى وتنامى زينا.. فمهما حكيت لك عن أوجاعى عمرك ما هطيبى جرحى!!.. احنا من الناس اللى بتستحمى فى السنة أربع مرات .. دى الست اللى بتدخل الحمام مصر كلها بتتفرج عليها!!.. عشان الحمام غير آدمى والباب من الخشب الضعيف وبه فوارق ميسترش اللى جواه!!.. أخذتنى محروسة كى ترينى الحمام.. وعندما رأيته اتصدمت كثيرا فهو حمام بلدى وخشب الباب به تكسير كبير وسقف الحمام من الخوص وكثيرا ما يسقط عليهم الأبراص والثعابين أثناء قضاء حاجاتهم.. وأثناء حديثها فوجئت بزوجها يقول: أنا نفسى أأمن حياة ولادى وأكون مطمن عليهم.. احنا بنام فوق بعض فى الأوضة ومحدش حاسس بينا.