هي فعلاً رسالة رشيدة وحكيمة وعاقلة، أن تخرج علينا المؤسسة العسكرية ببيان أو مبادرة أو كما قال الجيش نفسه «إنه نداء الفرصة الأخيرة» ولذلك عندما نقول إن الجيش هو الضامن الحقيقي والوحيد لمنع انهيار الدولة المصرية فهذا قول حق بدون أية مجاملات أو ما شابه ذلك.. فالمؤسسة العسكرية هي فعلاً مؤسسة وطنية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان، فعندما يخرج علينا بيان الفريق السيسي محدداً نقاطا حاسمة وحازمة في هذا الوضع الشائك الذي تمر به البلاد، فإن أقل ما يجب قوله إنه فوق الرأس، وتاج لكل مصري في هذا البلد. البيان فيه أولاً تطمين للشعب المصري، بأنه الضامن لعدم انهيار الدولة وفيه انحياز كامل للمصريين الذين ضجروا من الشكوي وتسلط الجماعة وسياسة القمع التي تتبعها، وفيه رفع شعار الشعب والجيش إيد واحدة.. لقد نشرت الجماعة الحاكمة وأتباعها الذين تبجحوا لدرجة كبيرة في وجه المجتمع، ودعوة بعضهم إلي سفك الدماء وتحويل البلاد إلي ساحة قتال أمام حركة شعب يرفض الضيم والقهر، إن البديل الوحيد للجماعة الحاكمة ومندوبها في الرئاسة، هو الحرب الأهلية.. وأخذت الجماعة تغذي هذا الاتجاه حتي يرضي الجميع بحكم الجماعة، بدلاً من الاقتتال وأزهاق الأرواح.. إصرار الإخوان علي تهديد وترويع المصريين لقرب يوم الرحيل، لا ينفع ولذلك فإن بيان المؤسسة العسكرية جاء صائباً وفي وقته، معلناً انتصاره للشعب المصري العظيم، فالجميع خادم عند الشعب، وقرار المصريين هو الأحق أن يتبع بعيداً عن أية مزايدات سياسية.. ولذلك حددت المؤسسة العسكرية المدة القليلة قبل ثلاثين يونية تحذيراً شديد اللهجة إلي كل من تسول له نفسه أن يسعي إلي اقتتال أو انقسام، ليأخذ حذره، فمصر لن تكون أبداً العراق أو سوريا أو لبنان أو أي دولة مفككة، في ظل وجود جيش مصر العظيم الذي ينحاز إلي الشعب في المقام الأول.. من هذا المنطلق كان لابد أن تتدخل المؤسسة العسكرية، وهي تري تهديداً مباشراً للأمن القومي وللدولة المصرية، ويخطىء من يظن أن الجيش بمنأي عن الأحداث السياسية، صحيح أنه اتخذ طوال المدة الماضية بعد تسليم المؤسسة العسكرية الحكم إلي الرئيس الذي انتخبه الشعب فانحاز الجيش إلي اختيار الشعب، ولما نأت «الجماعة» الحاكمة ومندوبها عن طريق الديمقراطية التي جاءوا بها، وبعدما انقلبوا علي الشرعية وفصلوا دستوراً علي مزاجهم الخاص، كانت وقفة الشعب ضد «الجماعة».. وأصبح الشباب المتمرد علي هذه الأوضاع المقلوبة ثائراً علي كل من يحاول قمعه أو الزج به في الوحل.. ولما وصلت حالة البلاد إلي هذا المستوي المزري من الانقسام والتشرذم، وباتت مصر علي حافة الاقتتال الذي أعلنته «الجماعة» وأتباعها، عندما هددت إما بالموافقة علي حكم الجماعة أو بحور الدم، كان لزاماً علي المؤسسة العسكرية ألا تقف متفرجة، وهنا جاء بيان التحذير كأول خطوة في سبيل منع انهيار الدولة المصرية. ولا أعتقد أن الجيش سيكتفي بذلك، إنما سيحول دون وقوع الحرب الأهلية التي تروج لها الجماعة لتخويف الناس وعدم تعبيرهم عن حالة الغضب والرفض الشديدة.. وقد قالها بيان «السيسي» صراحة إنه لن يقف متفرجاً علي ما يحدث في البلاد.. هي رسالة إنقاذ الفرصة الأخيرة كما قال البيان وتطمين لشعب مصر العظيم بالضامن الوحيد لعدم انهيار الدولة.. وكذلك لم يفت بيان الجيش أن يوجه رسالة تحذير شديدة للذين يتطاولون عليه، معلناً أنه قد آن الأوان لوقف هذه المهازل وصد الذين يريدون توريط المؤسسة العسكرية مع الشعب.