قابلتها بإحدى المدن الجديدة .. ملابسها الغالية وعطرها الفواح ينمان عن مستوى اقتصادي رفيع، لذا كانت دهشتي بالغة حين تقدمت نحوى وطلبت مني على استحياء.. أن أعطيها جنيها! رمقتها بنظرة سريعة فوجدتها لاتحمل حقيبة يد، فسألتها: * هل سرقت ؟ - أجابت هازئة : بل طردت.. أصلي تأخرت نص ساعة بحالها عن ميعاد رجوعي من الكلية..! همست في دهشة: وهل هذا جرم يستحق الطرد..؟ فأجابت مستنكرة - وهل إذا ما أجرمت الفتاة تطرد من المنزل أم تحبس فيه..؟ أعجبنى منطقها فطلبت منها أن تسرد قصتها فلم تمانع، وبدأت حديثها قائلة: أمي تغار منى .. استنكرت ما سمعته منها.. فبالاضافة لأنه مناف لغريزة الأمومة فهو أيضا يتنافي وما أقرته " مها " نفسها عن ثقافة أمها ومركزها المرموق الذي يجعلها بمنأى عن أي شبهة غيرة من أية امرأة فما بالنا بابنتها. لم تعبأ الابنة بدهشتي واسترسلت في حديثها قائلة: رغم أنها لم تنجب سواي، ورغم أن عملها كمدرسة ثانوى يفترض أن تكون تربوية، إلا أنها تتبع أسلوبا غريبا فى التعامل معي.. دائما ما تسبني بألفاظ نابية أخجل منها، وتقوم بطردي لأتفه الأسباب فى أي وقت من ليل أو نهار بعد أن تجردني من كل ماأحمله من نقود حتى لاأستطيع اللجوء إلى أحد أصدقائنا أو معارفنا، غير مبالية بما قد أتعرض له من أخطار.. وكلما حاول أبى منعها من الإساءة لي تغضب وتثور ويزداد أذاها. وكلما رأت حبه لي وتعلقي به سارعت باتهامي بأخطاء لم أرتكبها وطالبته بطردي من المنزل.. حتى وصل بها الحال أخيرا أنها تلح عليه كى يجد لي منزلا آخر أعيش فيه وحدي بعيدا عنهما! اتصلت بوالدها المهندس الكبير بعد أن أعطتنى رقمه فلم تمض دقائق حتى وجدته أمامي بعربته الفارهة، ليقبل على ابنته في لهفة وهو يرمقها بنظرة عطف واعتذار عرفت منها صدق كل حرف نطقت به. سألته عن موقفه مما يحدث لابنته فأجاب قائلا: حاولت مع زوجتى مرارا حتى تغير أسلوبها معها حتى هددتها بالطلاق، وكلما زادت محاولاتى زادت قسوتها عليها، وهي لا تنكر هذه القسوة لكنها تبررها بأنها تعرضت لمثلها من والديها، فلماذا تمنح ابنتها ماسبق وحرمت منه؟! وعندما سألته عن قناعته بهذا المنطق المنافي لغريزة الأمومة أطرق في حيرة ولم يجب، ثم انطلق بسيارته مسرعا وابنته إلى جواره تسأله: ها نروح فين المرة دي؟ خلف الأبواب المغلقة لم تكن مها الطالبة بكلية الآداب قسم اللغة الانجليزية.. الحالة الوحيدة التي تعبر عن حقيقة غريبة وافدة على مجتمعنا مخالفة لفطرة ديننا وتقاليدنا العربية الأصيلة.. وهى أن آباء اليوم يسبقون أبناءهم بالعقوق، متناسين أنهم عن قريب سيحصدون المر جزاء ما زرعوا، فهناك آلاف المآسي التي تمثل واقعا جديدا صار مرادفا لجرائم عقوق الأبناء، يسجل بعضه محاضر الجريمة الرسمية.. ويبقى معظمه سرا حرصا على الأسرة وحماية لسمعة أفرادها. والأرقام في هذه القضية تحديدا لا تعبر عن الحقيقة فقد أشارت التقارير والبيانات الرسمية إلى أن جرائم العنف ضد الأبناء تمثل 13% من قضايا العنف وهى نسبة ليست بالقليلة، لكنها أقل بكثير من معدلاتها الحقيقية، ولا تمثل سوى 10% من الواقع – كما تشير الأبحاث والدراسات الاجتماعية- بسبب إحجام أغلب الأسر عن الإبلاغ. لذلك فإن مناقشة وقائع ما يحدث خلف الأبواب المغلقة قد يكون أفضل وسيلة لرصد أسباب هذه الظاهرة والبحث عن حلول تحد من آثارها السلبية على الأسرة والمجتمع. مأساة نبيلة نبيلة.. طفلة وديعة أو هكذا كانت رحمها الله.. فقد توفيت وعمرها ست سنوات.. اعتاد أبوها أن يعاقبها بالضرب بعصا غليظة على كل أجزاء جسدها كلما أتت بفعل هو من وجهة نظره مرفوض.. فهو يعتبرها طفلة مزعجة لأنها لا تسمع الكلام من أول مرة، رغم أن هذا هو شأن جميع الأطفال خاصة فى مثل هذه السن. بمرور الوقت وتكرار الضرب انقلب طبع الطفلة وتحولت وداعتها ورقتها إلى عدوانية وعنف شديدين. وعندما لاحظت مدرستها هذا التغير وعلمت منها أنها تتعامل بنفس الطريقة التى يتعامل بها والدها معها استدعته على الفور وطلبت منه أن يغير سلوكه معها لأنه بتلك المعاملة يؤثر عليها بالسلب. عاد الأب الى البيت وقد أعماه الغضب، فانقض على ابنته يضربها بمنتهى الوحشية وزاد في عقابه لها.. ربط يديها بحبل غليظ خشن وحبسها فى غرفة مظلمة طوال الليل، وكلما حاولت أمها الدخول إليها منعها بالقوة حتى طلع النهار، وكانت المفاجأة.. فقد وجدوا الطفلة مغشيا عليها من كثرة البكاء، وقد اصطبغت يدها بزرقة شديدة فحملاها مسرعين لأقرب مستشفى، وهناك أخبرهم الأطباء بأنها أصيبت بغرغرينة "حالة تسمم" وقرروا قطع يدها المصابة ولم تمض أيام حتى انتشرت الغرغرينة فى جسدها الصغير وتوفيت على الفور.. تاركة والديها فى حالة انهيار تام.. ولكن الموت لايستجديه الندم. جعلوني مدمنا..! عصام.. طالب بالسنة الثانية بكلية الهندسة.. وسيم يشهد له الجميع بالذكاء والنبوغ وخفة الدم.. لكنه فجأة أخذ يتعثر في دراسته حتى رسب عدة مرات وبات مهددا بالفصل من كليته. زالت وسامته فبدا كهلا بائسا، وضاعت ضحكاته فظل متجهما طول الوقت ليصبح مثار شفقة كل من حوله.. الجميع يعرفون قصته.. فوالده اشتهر ببخله الشديد وغلظته في التعامل مع كل من يعرفهم.. ولأن عصام إبنه الأكبر فقد كان له من هذه الغلظة النصيب الأوفى.. يضربه ضربا شديدا على أي هفوة يرتكبها.. ويتعمد إذلاله وإهانته أمام أصدقائه الذين امتنعوا عن زيارته تجنبا لإحراجه.. يختلق الأسباب الواهية ليمتنع عن الانفاق عليه رغم ثرائه مما اضطره للخروج إلى العمل وهو في سن صغيرة حتى يوفر لنفسه مصاريف دراسته. ظل الأب يمارس أسلوب القهرعلى ولده .. فلا ينفذ له رغبة مهما كانت بسيطة، ولا يأخذ برأيه فيما يخصه، ولا يسمح له بالخروج مع أصدقائه ظنا منه بأن هذه الشدة هى التي ستصنع منه رجلا.. لكن حدث العكس وأصيب عصام بمرض نفسي.. نصح الأطباء بضرورة إنهاء ممارسات القهر التى يتعرض لها الابن، وبدلا من أن يمتثل الأب لأوامر الأطباء راح ينشر هذه الفضيحة ،على حد وصفه، ويخبر كل من يراه بأن ولده أصبح مجنونا.. كرهه ابنه بشدة وأخذ يبادله عنفا بعنف فتحولت خلافاتهما لاشتباكات بالأيدي. طرده أبوه من المنزل ليتلقفه رفقاء السوء الذين وجدوه فريسة سهلة لترويج سمومهم، فعلموه تعاطي المخدرات ليصبح طالب الهندسة مدمنا كلما حاولت والدته علاجه وإعادته إلى المنزل عاود أبوه طرده من جديد حتى تحول مهندس المستقبل المتقد ذكاء إلى مروج للمخدرات..! سخرية واحتقار سلمى مأساتها من نوع أخر.. فتاة سمراء تفتقد الجمال، وان كان الله قد وهبها من جمال الروح ورجاحة العقل ما جعلها موضع ثقة الجميع وحبهم واحترامهم. ورغم أنها ورثت سمرتها عن أبيها الذى تشبهه لدرجة التطابق، إلا أنه كان يعمد دائما إلى إهانتها ومعايرتها بشكلها ووصفها بالدميمة، وأصبح لا يحلو له مناداتها أمام الناس إلا "بالسوده". كان كلما أمعن فى إهانة ابنته كلما ازدادت إصرارا على صنع مستقبل جيد يهبها الثقة بالنفس التي كاد أبوها أن يقضى عليها بأفعاله. اجتهدت سلمى فى دراستها والتحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى تخرجت فيها بتقدير جيد جدا.. وكان والدها يقابل نجاحها بسخريته المعتادة زاعما أنه لافائدة من كل هذا الجهد لأنها فى النهاية لن تجد من يقبل أن يمنحها فرصة عمل لديه وهى على هذا القدر من الدمامة، لكن الله أخلف ظنه وشغلت سلمى بفضل تفوقها وجديتها وظيفة مرموقة بمطار القاهرة يحسدها عليها الجميع.. وبدلا من أن يفرح لابنته شأن جميع الآباء ازدادت سخريته منها واستهزاؤه بها، وبدأ يلعب على وتر الزواج ليمارس من خلاله هوايته فى تعذيبها.. رفض الأب كل من تقدم لها من زملائها قائلا أن هذا الزواج محكوم عليه بالفشل لأنه لايوجد رجل يستطيع أن يتحمل النظر لها أكثر من سويعات قليلة. رسخت الفكرة داخل سلمى التى كرهت صورتها فى المرآة.. تلك الصورة التى جرت عليها كل هذه الإهانات وحرمتها من حنان أبيها ومن شريك العمر الذى تحلم به كل فتاة.. انزوت على نفسها وأصبح العمل هو شغلها الشاغل، حتى فوجئت بأبيها يدخل عليها ذات يوم متهللا لأنه وجد لها أخيرا العريس المناسب، وإذا بالزوج المنشود "كمساري" بهيئة النقل العام!!. ثارت سلمى ورفضت هذه الزيجة غير المتكافئة، ولم يزده رفضها إلا تسلطا وتجبرا عليها وبات يضربها لأتفه الأسباب ويمنعها من الذهاب إلى عملها ويهددها بنشر الشائعات حولها حتى رضخت له في النهاية، وهي الآن تمضي فترة العقوبة في هذا الزواج التعس الذي لا يعينها عليه سوى طفلها الوحيد الذى تراه أجمل طفل فى الدنيا، والذي تحاول جاهدة أن تمنعه عن والدها حتى لا يناله منه بعض مما نالها .. فالطفل نسخة تكاد تكون مطابقة لوالدته. عقاب النجاح! رأيتها وسط زميلاتها بإحدى الكليات النظرية المرموقة.. الجميع يلقبونها بالدكتورة فهي الأولى على دفعتها كل عام والمرشحة الأولى للتعيين بالكلية.. لاحظت الحزن الشديد الذي يسيطر على ملامحها كلما ناداها أحد بهذا اللقب.. انتظرت حتى انسحبت من هذا الضجيج واقتربت منها لأسألها عن سبب حزنها فكانت إجابتها التي أدهشتني: كل هذا النجاح سيضيع على يد.. أمي! استرسلت في الحديث دون أن تعبأ بدهشتي قائلة: لم نجد منها أنا وشقيقاتي الثلاث إلا القسوة، لم نشعر يوما بحبها وحنانها، ولم نلق منها أية رعاية منذ كنا صغارا.. فأبي هو الذي كان يرعانا ويقوم على خدمتنا ويذاكر لنا دروسنا.. وبعد أن كبرنا قليلا تبادلنا الأدوار وأصبحنا نحن من نرعى أبانا ونقوم على خدمته، رغم أنها لاتعمل ولاتجد ما يشغلها طوال الوقت.. وضعنا همنا كله فى المذاكرة لأننا وجدنا فيها الخلاص من الحياة الخانقة التى نحياها، واستطعنا بتوجيه والدي أن ننظم وقتنا بين الدراسة والأعباء المنزلية.. وكنا كلما حققنا نجاحا نفاجأ بها تستشيط غضبا وتحول الحياة بالمنزل إلى جحيم، وتهددنا بالحرمان من الدراسة لأى خطأ بسيط نرتكبه بدون قصد.. في البداية لم نكن نلق بالا لهذه التهديدات، فليس من المعقول وهى الحاصلة على شهادة جامعية أن تحرم بناتها من التعليم ونحن فى الألفية الثالثة.. لكننا فوجئنا بها تجبر شقيقتى الكبرى على ترك دراستها بكلية الطب دون إبداء أية أسباب مقنعة، وعندما استنجدنا بوالدي الذي لا حيلة له أمامها أجابنا ببساطة: أمكم وهى حرة فيكم.. والآن جاء دورى وكلما اقترب موعد التخرج ازداد تلويحها لي بحرماني من الدراسة حتى أصبحت على يقين أنها ستفعل نفس الشيء معي، فكرت أن أخفي عنها تقديراتي المرتفعة لكن أبي رفض.. فخوفه منها يطغى على خوفه علينا..! شارك بتجربتك هذه النماذج المزعجة التي صادفناها نعلم يقينا أن الواقع يعج بالعشرات غيرها التي لا يتسع المجال لسردها .. إن كنت تعايش مشكلة مشابهة في هذا السياق أرسل لنا تجربتك عبر الميل التالي وسننشرها لك على الفور. [email protected]