يتابع المصريون والعالم اليوم فصلاً جديداً من إعادة محاكمة القرن، أو هى محاكمة من غير قرن، أى من غير أدلة اتهام قوية، أو جديدة وهناك أدلة على البراءة. يعود الرئيس السابق مبارك ونجلاه علاء وجمال، ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى، وستة من كبار مساعديه، إلى قفص الاتهام فى قاعة المحاكمة بأكاديمية الشرطة فى القاهرةالجديدة، وهو منظر تابعناه عشرات المرات بعد الثورة، وكان أمراً مستحيلاً قبل ذلك، ولم يحدث منذ عهد الفراعنة، والبركة فى الثوار الذين قتلوا بدم بارد. وتأتى محاكمة اليوم بعد أن قضت محكمة النقض برئاسة المستشار أحمد على عبدالرحمن يوم 13 يناير الماضى بإلغاء جميع الأحكام التى أصدرتها محكمة الجنايات برئاسة المستشار أحمد رفعت فى يونيه عام 2012، والذى لقب بقاضى محاكمة القرن، وكان «رفعت» قد قضى بالمؤبد على الرئيس السابق مبارك ووزير داخليته حبيب العادلى وبراءة مساعدى العادلى الستة فى قضية المتظاهرين السلميين فى أحداث 25 يناير، كما قضت المحكمة بانقضاء المدة المسقطة للدعوى الجنائية فى قضية الفساد المالى المتهم فيها مبارك ونجلاه ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، وهى تمكين «سالم» من الحصول على مساحات من الأراضى المتميزة فى شرم الشيخ نظير حصول أسرة مبارك على قصور وڤيلات على سبيل الرشوة. كما قضت المحكمة ببراءة مبارك مما أسند إليه من جناية الاشتراك مع موظف عمومى بالحصول لغيره دون وجه حق على منفعة من عمل من أعمال وظيفته، وجناية الاشتراك مع موظف عمومى فى الإضرار بمصالح أموال الجهة التى يعمل بها فيما يتعلق بتصدير الغاز إلى إسرائيل بأسعار زهيدة. وكان «مبارك» و«العادلى» قد طعنا على حكم المؤبد، كما طعنت النيابة على أحكام البراءة لباقى المتهمين، وعادت القضية الى نقطة الصفر، وانسحب المستشار مصطفى حسن عبدالله من نظر إعادة المحاكمة لاستشعاره الحرج، لأنه فصل فى قضية موقعة الجمل وأسندت محكمة الاستثناف المهمة الى المستشار محمود كامل الرشيدى رئيس محكمة جنايات القاهرة الذى أصبح ثالث قاض يتصدى لمحاكمة القرن، ولكنه فصل أيضاً فى قضية قتل المتظاهرين بالمرج، فهل سيتنحى أم يتم رده. لن يضار مبارك والعادلى من إعادة المحاكمة، فقد تكون البراءة أو تأييد حكم المؤبد أو تخفيضه، وقد يحصل باقى المتهمين على أحكام أو تؤيد المحكمة براءتهم. كان المفترض أن يكون مبارك خارج السجن حالياً بعد انقضاء مدة الحبس الاحتياطى بقضائه قرابة العامين ما بين سجن طرة ومستشفى المعادى العسكرى، وتبين اتهامه فى ثلاث قضايا جديدة هى الكسب غير المشروع وهدايا المؤسسات الصحفية وأموال قصور الرئاسة، وتم حبسه على ذمتها، كما تسببت ابتسامة مبارك داخل قفص الاتهام وتلويحه بيده لمؤيديه فى الجلسات الماضية فى نقله من مستشفى المعادى العسكرى الى طرة، بعد إعادة الكشف عليه، واعتبر «البعض» أن ارتفاع روح مبارك المعنوية، وانسجامه مع مؤيديه هو شماتة منه فى الحال الذى وصلت إليه مصر فى ظل حكم الإخوان، وقيل إن سياسة مرسى الفاشلة وانهيار مؤسسات الدولة هى السبب فى سعادة مبارك لتحقق ما توقعه من فوضى بعد تخليه عن الحكم. ويحتفظ مبارك اليوم بروحه العالية لأسباب منها الحكم البات بالبراءة الذى حصل عليه المتهمون فى موقعة الجمل، وعددهم «24» متهماً من رموز النظام السابق على رأسهم سرور والشريف وعائشة وأبوالعينين ومجاور والعمدة، وقضت محكمة النقض برفض طعن النيابة فى القضية، لتقديمه بعد الميعاد وتم إغلاق هذا الملف نهائياً، ومن حق المتهمين طلب تعويض عن مدة الحبس الاحتياطى التى قضوها فى طرة والتى تجاوزت «18 شهراً»، وهناك أسرار يحتفظ بها المتهمون فى موقعة الجمل إذا باحوا بها ستطيح بقيادات فى التيار الدينى لداخل السجون، وهناك معلومات عن تدبير هذه القضية للتغطية على فتح السجون، كما يطمئن مبارك إلى عدم وجود أدلة أو براهين جديدة تدينه فى قتل المتظاهرين استناداً إلى شهادتى عمر سليمان وطنطاوى، وأن حكم المؤبد الذى تم نقضه هو حكم عن المسئولية السياسية لمبارك عن حماية المتظاهرين، وقد يحاكم عنها الرئيس مرسى فى جرائم قتل المتظاهرين بعد الثورة. سيقدم فريد الديب محامى مبارك أدلة جديدة، قد تنسف القضية ويحصل مبارك على البراءة، ويبقى السؤال: من قتل الثوار منذ 25 يناير الى اليوم؟!، يبقى مفيش أمامنا غير الرئيس مرسى الذى نوجه إليه السؤال، فدم الثوار لا تفريط فيه وحقهم هو أول أهداف الثورة. عندنا شهداء بدون متهمين!