يفضل التيار الإسلامي بعامة - وبزعامة جماعة الإخوان رئاسة وحكومة - أن تظل الأفعال والمواقف الصادرة عنها لغزاً غير مفهوم، ولعل هذا الأسلوب الذي يمثل طابعاً عاماً هو الموروث الذي عاش عليه هذا التيار وهو أسلوب العمل السري، حتي بعد أن أصبحت الجماعة «الأصل» علي مقعد السلطة الحاكمة، ومن تجليات هذا اللغز العمومي للتيار ما لا يمكن تفسيره أو غموضه في مواقف فصائل التيار الإسلامي وقيادة الجماعة له ما صدر من التصريحات التي تأتي بعضها مفزعاً إزاء ما جري أثناء «الزيارة الليلية» التي قامت بها الجماعة السلفية وأنصارها بهجومها علي مقر جهاز «الأمن الوطني» أحد أجهزة وزارة الداخلية في حكومة الإخوان، وكان هذا الهجوم قد تم بناء علي دعوة القيادي السلفي «أبوالبخاري» المتحدث باسم التيار الإسلامي العام، الذي وجه جماهير التيار إلي ضرورة التظاهر بعد تأكيده علي أن جهاز الأمن الوطني استدعاه للتحقيق، وهو ما نفته وزارة الداخلية نفياً تاماً، فيما عبر «أبوالبخاري» رغم هذا النفي الرسمي من الداخلية أن «زيارة المتظاهرين» مهمة قد نجحت تماماً في توصيل الرسالة، وأن شبابها من حزب «مصر القوية» وحركة 6 أبريل وباقي الحركات الثورية وغيرهم من المستقلين المحسوبين علي التيار مما ساهم في نجاح المهمة، فجاءت تصريحات «أبوالبخاري» إفادة بأن التيار الإسلامي قد دخل في مشاركة مع قوي سياسية أخري لا تنتمي للتيار الإسلامي، ثم يأتي ما صرح به القيادي الإخواني محمد البلتاجي من أن من حق شباب الثورة والتيار الإسلامي الحر الثوري بشكل خاص للتعبير عن انزعاجهم مما أسماه «عودة ممارسات ضباط أمن الدولة السابقين للعمل دون ضمانات حقيقية لاحترام القانون»!، فلا أعرف من الذين يطالبهم البلتاجي بالضمانات الحقيقية لعمل ضباط أمن الدولة السابقين، وعليه أن يتوجه بهذا الطلب إلي الحكومة القائمة حكومة الإخوان المسلمين! الأغرب في اللغز الحالي للجماعة والتيار ما طالب به «أحمد المغير» عبر صفحته علي «الفيس بوك» من ضرورة مهاجمة ضباط الأمن الوطني في بيوتهم، معبراً عن عدم «انبساطه» من هجوم «الزيارة» علي مبني الأمن الوطني، بل إنه كان يفضل أن تكون «الزيارة» للضباط في بيوتهم!، فيما أكد صابر أبوالفتوح القيادي الإخواني في تصريحاته أنه يؤيد بشدة فكرة «الزيارة» والتظاهر أمام مبني الأمن الوطني، وحتي لا يعود أمن الدولة مرة أخري! ويأتي جمال حشمت القيادي البارز في جماعة الإخوان مؤكداً رفضه التام لفكرة حصار مبني الأمن الوطني، لأن هذا «لن يدير الدولة ولن يبني مؤسسات، بل سيعمل علي عرقلة البناء وانهيار الدولة بمؤسساتها كلية»، ثم لا يري بعض الأقطاب في حزب النور السلفي غضاضة في مشاركة بعض الأعضاء بصورة فردية في هذه التظاهرة «الزيارة» مع مراعاة السلمية والانضباط وعدم التعدي علي الممتلكات العامة أو التجاوز، وكان رئيس المجلس الصوفي العالمي صاحب لفتة ذكية بشأن ما جري، إذ صرح «بأن هذه محاولة للسيطرة الإخوانية علي جهاز الأمن الوطني بدفع التيار السلفي إلي القيام بزيارة المبني»! وهكذا تأتي كل الترتيبات والممارسات في صلبها كأنها «أعمال سرية» رغم علنية الظهور السياسي للتيار الإسلامي بعمومية أحزابه وفصائله، وبإصرار لا هوادة فيه من جانب الإخوان للسيطرة علي كل مفاصل الدولة، أما وزارة الداخلية في حكومة الإخوان فقد أصبحت من مهامها الأساسية حماية المباني التابعة لها من تمثيليات الغضب المصطنع!، وكأنها ليست شريكاً في حكومة الجماعة التي تقود التيار كله!