تلقيت هذا الأسبوع عشرات الرسائل والتعليقات، علي ما كتبته الأسبوع الماضي تحت عنوان «استثمار التشيع»، بعضها مؤيد لضرورة اقتصادية ووطنية، مستنداً إلي الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن، وإلي قوة إيران الإقليمية كحليف أو صديق جديد، يمكن الاعتماد عليه، أو الاستعانة به في أي أزمة طارئة، مع الحليف التقليدي القديم. أما الفريق الثاني فهو متحفظ يفضل عدم التسرع في التطبيع السياحي مع نظام طهران، الذي يريد تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلي مناطق أخري جديدة غير سوريا والعراق ولبنان والبحرين والكويت، كما يريد دعم نفوذه السياسي والاستراتيجي في المنطقة عبر بوابة القاهرة الفاطمية القديمة. أما الفريق الثالث، وهو الأكثرية، فيرفض وبشدة أي تقارب سياسي أو اقتصادي وثقافي مع إيران، خوفا من المد الشيعي، وإقامة دولة الفقيه الدينية المتشددة التي لا تتفق مع أصول الدين والعقيدة السنية، وديموقراطية الإسلام. ويبدو أن كثيرين ممن قرأوا المقال وخاصة من السلفيين اعتقدوا خطأ أنني أصبحت شيعياً، فأخذ أحدهم يسبني و«يقرعني» بأبشع الألفاظ، ويصفني بأنني عدو الله ورسوله، ويتهمني بالكفر والضلال، رغم أنني مسلم سني مثله، وبعيد كل البعد عما نعتني به!!! سامحك الله؟!! ورغم أنني كنت لا أفضل الخوض في المسائل الدينية، إلا أن مقتضي الحال يفرض عليّ أن أوضح لمثل هؤلاء المتشددين من السلفيين، أن التشيع لا يعد اتهاماً، وإنما مذهب ديني، كالمذهب السني، وبينهما فقط بعض الاختلافات الفقهية المرتبطة بصحابة رسول الله، صلي الله عليه وسلم وآل البيت، وبعض المسائل الدينية المتعلقة بأعياد المسلمين وصلاة الجمعة وغيرها. فالشيعة.. بشر.. مسلمون مثلي ومثلك، موحدون بالله ينطقون الشهادتين، قبلتهم الكعبة الشريفة، يصلون ويصومون ويزكون، ويحجون إلي بيت الله الحرام، ولكنهم مثل السنيين توجد بينهم فئة متشددة متعصبة، حرفت القرآن، وخاضت فيه، وفسرته خطأ، وجاهرت علناً بسب أمهات المؤمنين، والصحابة، وتختزل الخلافة الإسلامية في ثلاثة فقط هم: علي ابن أبي طالب وولداه الحسن والحسين، وفي ذلك إخلال كبير بتاريخ الإسلام والصحابة، ترفضه بعض المرجعيات الشيعية، وعدد كبير من عقلاء وحكماء أهل الشيعة، الذين يؤكدون احترامهم للصحابة وأمهات المؤمنين، ويحرمون سلبهم. أخي السلفي - الذي اتهمتني بالكفر لمجرد إنني أبديت وجهة نظري في الاستفادة من السياح الإيرانيين بحذر وكضرورة سياسية اقتصادية، أين كنت واليهود الإسرائيليون، وهم أعداء الله ورسوله بنص القرآن، يدخلون سيناء دون تأشيرة، وإن كان الأمر كذلك أصبح واقعا أليس الإيرانيون المسلمون أولي من الصهاينة؟!! وإن كنت تخشي أهداف النظام الإيراني- وأنا هنا أتفق معك - هل من المنطقي أن تعاقب شعباً بجريرة حكومته ونظامه؟!! أخي السلفي.. هناك فقهاء من أهل السنة لم يكفروا المذهب الشيعي المعتدل، وسبق للشيخ محمود شلتوت - يرحمه الله - أن أفتي بجواز التعبد علي المذهب الاثني عشر. أما عن سؤالك.. لماذا يقصد الشيعة الإيرانيون مصر الآن؟ فكنت أظنك تعلم إجابته.. وهي: إن الإيراني بطبعه شغوف بالآثار الدينية والتاريخية القديمة، فضلا عن أن كثيرا من أهل الشيعة يعتقدون أن الإمام الثاني عشر من الأئمة المعصومين، واسمه محمد بن الحسن العسكري، قد ولد ولن يخرج أو يظهر - حسب ما يزعمون - إلا أن تكون مصر «متشيعة» بالكامل ويحكمها نظام يعمل بولاية الفقيه، يدين شعبها بالولاء الكامل له وليس لحاكم البلاد، باعتبار انه الإمام الأكبر المعصوم والمختار من الرب، والذي يدرك ويعلم مصالح العباد أكثر من رجال السياسة والحكام التقليديين. والأسبوع القادم نتحدث عن معركة السلفيين الوهمية وتاريخ العلاقة مع إيران وأسباب قطعها وإعادتها.