إسلام الرضوى: تلقيت دراستى فى «حوزات» سوريا وإيران بعد هروبنا من «السادات» الأمن اعتقلنى فى المطار بتهمة التخابر لصالح دولة أجنبية وقلب نظام الحكم لا نريد إنشاء دور عبادة فجميع بيوتنا «حسينيات».. وعددنا جاوز المليون أئمة مساجد المنصورة اتهمونا فى خطبهم بالكفر بدعوة الرسول هربنا من اليمن بعد استهداف «الوهابية» منزلنا بقذيفة «آر بى جيه» «أشهد أن عليا ولى الله» فى الأذان تشبها ب«الصلاة خير من النوم» فررت مع أسرتى إلى صحراء اليمن، هروبا من السادات الذى كان والدى يعتبره كافرا.. هناك كانت بداية تحولى للمذهب الشيعى، لنعيش جحيما آخر بعدما أطلق الوهابيون قذيفة «آر بى جيه»، انتقاما من والدى الذى صار «مستبصرا شيعيا».. تلك كانت بداية اعترافات إسلام الرضوى، أحد علماء الشيعة الاثنى عشرية البارزين رغم عدم تجاوزه الأربعين من عمره.. اعتقل مع والده بداية التسعينيات بتهمة قلب نظام وازدراء الأديان ونشر الفتن.. بعد خروجه من المعتقل قرر السفر لإيران لاستكمال دراسته الأكاديمية ب«الحوزات الإيرانية».. تنقل أعواما بين شيعة سوريا بمنطقة «السيدة زينب» وجامعة «قُم» بإيران.. حتى صار مستبصرا إماميا. ذهب «الرضوى» لمنطقة «السيدة زينب» بسوريا.. معقل الشيعة الاثنى عشرية مع والده، مدرس محو الأمية، ليلا، وهناك تعلم فى «كتاتيب» سوريا.. التى تشبه إلى حد كبير الدراسة فى الأزهر الشريف.. كانت حياته أشبه بالبدو الرحل بحثا عن الحقيقة، التى قطع والده عهدا على نفسه أن يجدها مهما كلفه الأمر.. إلا أن تلك كانت البداية كما يرويها «الرضوى» بنفسه. الطريق إلى اليمن أنا إسلام الرضوى، ناشط حقوقى وعضو المنظمة العالمية لحقوق الإنسان «هيومان رايتس».. مواطن مصرى، ولدت فى المنصورة، لوالدين متدينين، مر والدى بتجارب عديدة منها الانضمام لجماعة «الإخوان المسلمون»، ثم التكفير والهجرة، ثم انتقل إلى مذهب التشيع (مذهب آل البيت عليهم السلام)، بعد تشيع والدتى بعام واحد، تلقيت دراستى الابتدائية فى القاهرة، ثم سافرت مع الأسرة إلى سوريا، وهناك استكملت تعليمى، ثم سافرت إلى إيران بعدما أتقنت الدراسة الدينية الشيعية للعلوم الدينية فى «الحوزات»، وهى مقر دراسة مذهب التشيع فى إيران. سافرت إلى سوريا مع والدى عام 1984 كان عمرى وقتها 9 أعوام، كان الهدف من السفر دراسة العلوم الشيعية لمذهب الإمام جعفر الصادق، ومن هناك انتقلنا إلى إيران، إلا أن بداية والدى الحقيقية مع التشيع كانت فى اليمن بعد أن انضم لجماعة التكفير والهجرة فى مصر، ولما كان والدى يعتبر «السادات» حاكما ظالما فقد قرر السفر إلى اليمن، وهناك مكث والدى 9 سنوات، يعمل صباحا مدرسا فى مدرسة ثانوية، وليلا مدرسا لمحو الأمية، وعرف طريق الشيعة الزيدية والإمامية رغم أنه كان فى البداية يكفرهم ويعتقد أنهم مشركون، خلال تلك الفترة بدأ البحث عن المذهب الجعفرى وحقيقته حتى اقتنع به، حتى إن وهابية اليمن عندما علموا بتشيعه أطلقوا قذيفة «آر بى جيه» على منزلنا إلا أنها لم تصب المنزل بأذى، لأن بيوت اليمن حجرية. لم تتوقف رحلة البحث، ولم يحن ميعاد الاستقرار بعد.. فقد ذهبنا بعد ذلك إلى سوريا، كنت وقتها أستكمل دراستى فى المرحلة الإعدادية، وفى دمشق بمنطقة «السيدة زينب»، كانت هذه بداية معرفتى ب«التشيع»، حيث كان والدى يحضر كتب الشيعة والسنة ويخيرنا بعد قراءة الاثنين ما بين كتب البخارى ومسلم من أهل السنة وكتب المراجعات ومعالم المدرستين وعقائد الإمامية، وهذه كتب شيعية، كنت أقرؤها.. وأتفحصها بالرغم من صغر سنى، فكان يحول دون أن تتكرر تجربته معنا، لهذا أحضر لنا المنهجين وترك لنا حرية الاختيار. شاهدت فى سوريا «الحوزات» الشيعية، وهى المكان الذى تدرس فيه مناهج الشيعة، والحسينيات التى تقام فيه احتفالات الشيعة، خاصة أن منطقة السيدة زينب مليئة ب«الحوزات» العلمية، قريبة الشبه بالأزهر الشريف، تقوم بتدريس السيرة والعقيدة والفقه والتاريخ، ومعترف بها من قبل الحكومة السورية، درست أنا وجميع أسرتى بهذه الحوزات، واستكملت دراستى الأكاديمية، التى تقابلت خلالها مع عدد كبير من علماء الشيعة ممن يقومون بالتدريس فى الحوزات، جلسنا بسوريا عامين وسط الشيعة الجعفرية (الاثنى عشرية أو الإمامية). من إيران إلى المعتقل مع بلوغى الرابعة عشرة من عمرى انتقلت إلى إيران مع العائلة، فى تلك الفترة التى لم تكن تشهد أى مشكلات سياسية فى حياتى، خاصة أن إيران كانت تستقبل المصريين، وبعد أن تعرفت على المنهج الشيعى فى سوريا، كان على استكمال الرحلة التعليمية بالانتقال إلى إيران، وهناك كانت الدراسة الأكاديمية التخصصية فى المذهب الجعفرى، مع والدى فى تلك الفترة التى استمرت 4 أعوام، حضرت بعدها لمصر، حيث تم اعتقالى أنا ووالدى وأخى الأكبر بمجرد وصولنا أرض المطار، مكثنا 36 يوما بمقر أمن الدولة بلاظوغلى مقيدين ومعصبى العينين، وتم تعذيب والدى بأبشع أدوات التعذيب، ولم توجه لنا أى تهمة طيلة هذه الفترة، بعدها تم إيداعنا سجن ليمان طرة بتهم مفبركة هى ازدراء الأديان وزرع الفتنة الطائفية وقلب نظام الحكم والتخابر لصالح دولة أجنبية، وهى القضية التى حفظت بعد 6 أشهر لعدم وجود أدلة، إلا أن فترة اعتقالنا دامت لمدة عامين، بعد خروجنا من السجن تم اعقالنا مرة أخرى عام 1996 فى قضية «تنظيم الشيعة»، الذى كان يرأسه حسن شحاتة، بعد أن قادت ضدنا بعض الجهات الإعلامية على رأسها جريدة «روزاليوسف» حربا إعلامية قبض بعدها على مجموعة منا، فيما أطلق عليه «التنظيم الشيعى»، وكان من بين المقبوض عليهم حسن شحاتة، خطيب مسجد كوبرى الجامعة، وهو عالم أزهرى، بخلاف 150 شخصا آخر، كنت بينهم، تم تقسيمنا على 5 زنازين أطلقوا فيها على كل زنزانة اسم المجموعة «زنزانة الغربية- الشرقية»، باستثناء «حسن شحاتة» تم وضعه فى زنزانة منفردة بوادى النطرون، وكذلك زنزانة «9»، المخصصة للقيادات فقط، وهى الزنزانة التى سجن بها الدكتور أحمد راسم النفيس، وحسين الضرغامى، ووالدى السيد عبدالخالق، وعماد قنديل، ومكثنا فى المعتقل 4 أشهر خرجنا بعدها. اعتقلت وعمرى 17 سنة، ثم عدت إلى إيران فى عام 2001، وصلت بعدها لمدينة «قُم المقدسة»، وسميت بهذا الاسم لأن بها مرقد السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام، ابنة الإمام موسى الكاظم، أحد أئمة الاثنى عشرية، وهناك التحقت بالحوزة، وهى مؤسسة كاملة تسمى الآن جامعة المصطفى العالمية معترف بها فى منظمة المؤتمر الإسلامى وتمنح شهادة ليسانس رسمية ودكتوراه، طبقا للنظام الحديث، أما النظام القديم فقد كانت الدراسة بها تشبه «الكتاتيب» يجتمع الشيخ وحوله عدد من طلبة العلم للدراسة، وتلقيت تعليمى طبقا للنظام القديم، وقبل سفرى بعام واحد التحقت بالنظام الحديث ومكثت هناك حتى عام 2010 للدراسة على الطريقة الحديثة، وبخلاف النظامين توجد حوزة إيرانية للدراسة باللغة الفارسية، وأخرى للدراسة باللغة العربية. نظام التعليم الشيعي تشتمل دراسة النظام الشيعي على ثلاث مراحل، كل مرحلة منها ثلاث سنوات، أولاها «المقدمات» وبها درست الفقه والمنطق وأصول الدين والنحو وقواعد اللغة العربية، وأكثر من يقوم بالتدريس من أرض الحجاز والعراق ولبنان وسوريا، وكان عدد المدرسين الذين يدرسون فى تلك الحوزة وقتها 4 أشخاص فقط، والمرحلة الثانية هى «السطوح» درست بها نفس مناهج المرحلة الأولى بشكل أكبر وأشمل، كان يدرس معنا شباب من أذربيجان وباكستان وإفريقيا، كانت تخصص لهم مدارس لأنهم أهل سنة، ولا يمكن إجبارهم على دراسة أى مذهب، أما المرحلة الثالثة فهى مرحلة «السطوح العليا»، تعقبها مرحلة البحث الخارجى، عادة ما يدرسه المرجع أو المجتهد، وهو مقام علمى مثل شيخ الأزهر أو المفتى، يتم الوصول لهذه الدرجة بعد فترات من الدراسة واجتياز اختبار معين، ولابد من أن يجمع عليه شورى العلماء بنفس الحوزة العلمية التى تخرج منها، حيث يتم تقييمه ومنحه إجازة اجتهاد، تعنى أنه قادر على التدريس وإصدار الفتاوى، وهو ما يطلق عليه «المرجع»، وهو فقيه له رسالة فقهية يقلده الجميع، ولا يجوز لأى شخص أن يتجاوز فتاواه أو يناقشه فيها. ومرجعيات الشيعة فى العالم الآن هم: على السيستانى ومحمد المدارسى بالعراق، وعلى خامئنى وصادق الشيرازى بإيران، وهناك مرجعيات أخرى مثل الشيخ وحيد الخرسانى. بعد أن تلقيت هذا العلم عدت إلى مصر لأجد نفسى أُحارب فى كل شىء حتى «لقمة عيشى» فتم طردى من جميع الوظائف، وتعقبنى جهاز أمن الدولة، كما حرض ضدنا «السلفية الوهابية» فى القرية التى أعيش فيها مع أسرتى فى ضواحى المنصورة، حتى إن جميع الخطب كانت توجه ضدنا والتنديد ب«الشيعة»، من خلال نشر معلومات خاطئة مثل: إننا نؤمن أن الرسالة نزلت على الإمام على ولم تنزل على الرسول الكريم، وإننا عباد القبور، وغيرها من المغالطات التى تردد حتى الآن. المرجعيات والتنظيم «الكثير هنا يتحدثون بغير علم، ويخلطون الحقيقة بالجهل»، هكذا وصف «الرضوى» النظرة للشيعة قائلا: إن الشيعة فى مصر لا يكونون فى شكل تنظيمات كالتيارات الجهادية وإنما هناك مرجعيات، و«المرجع» هو عالم تأخذ عنه الفتاوى والعلوم الشرعية والفقهية، وعلى كل شيعى أن يختار المرجع الذى يرى أنه الأفضل والأعلم، وحتى الآن غير معروف عدد الشيعة فى مصر إلا أنهم تقريبا جاوزوا المليون شيعى ينتشرون فى محافظات كثيرة ويتمركزون فى طنطاوالشرقية والصعيد، ويقيمون احتفالاتهم فى منازلهم، بعدما أحالوا بيوتهم لحسينيات خوفا من الأمن. الحسينيات كثيرون لا يعرفون ما هى الحسينيات، حتى إن تعريف الأزهر لها تعريف خاطئ، لكن الحسينية هى مكان يشبه المضيفة أو «الساحة الصوفية»، تهتم عادة بإقامة المناسبات الإسلامية، منها إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين، عليه السلام، فى شهر محرم، واستشهاد الإمام على فى شهر رمضان، هذا بشكل خاص، أما بوجه عام فهى مقر يتم الاحتفال فيه بجميع المناسبات الإسلامية، وسميت بهذا الاسم نسبة للإمام الحسين الذى قتل فى معركته مع الباطل ضد «يزيد عليه اللعنة»، فى انتصار الدم على السيف، وهى المناسبة التى نرتدى فيها اللون الأسود. الحسينيات هى امتداد للعصر الفاطمى، إلا أننا لا نطالب بحسينيات، ولا غيرها لأننا نصلى فى مساجد المسلمين، خاصة أن كل بيت شيعى به حسينية تقام بها الاحتفالات، وتلقى بها قصائد بطريقة معينة «مبكية»، خاصة فى شهر محرم، ونذكر أهل البيت، ونستذكر واقعة كربلاء، ونرتدى السواد على تلك الواقعة الأليمة، نمارس فيها «التطبير»، وهو ضرب الرأس بالسيف أو أى آلة حادة تسبب نزف الدماء، ولا يتم الضرب إلا بطريقة معينة لا تسبب الموت وهى تشبه الحجامة، ونقصد به أن هذه الدماء فداء للحسين، لكننا لا نقوم ب«التطبير» لأنه مخالف للعرف والتقاليد المصرية، لكننا لا نحرمه أو نمنعه، وكل شيعى فى مصر يمثل نفسه، فلا يوجد أب روحى أو متحدث رسمى أو زعيم شيعى، أما الأسماء المعلنة فهى «أسماء إعلانية». الاختلافات الفقهية مع السنة نختلف مع أهل السنة، إلا أننا نؤمن أننا كلنا مسلمون، والاختلاف بيننا جوهرى فى قضية الإمامية والاثنى عشرية، فنحن نؤمن أنه سيأتى بعد النبى اثنا عشر إماما معصومون، وهو مبدأ من عقائد الشيعة وهم الإمام على بن أبى طالب، والإمام الحسن بن على، والحسين وعلى زين العابدين بن الإمام الحسين، والإمام محمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم، وعلى بن موسى، ومحمد الجواد، وعلى الهادى، وحسن العسكرى، وآخرهم الإمام المهدى، وهم الأئمة الاثنا عشر، وعندما سئل الإمام علىّ: «أنت أفضل أم محمد؟»، قال ويحك إنما أنا عبد من عبيد محمد الكريم، أما الأذان وما يردد من أن «عليا ولى الله» فهو أمر مستحب، وهى تشبه مقولة «الصلاة خير من النوم» فى صلاة الفجر، وهما مستحدثات فى الأذان، كما أن من الأمور التى نختلف فيها مع السنة هو أمر الصلاة فى القبور، حيث إننا نصلى فى مساجد الحسين والسيدة زينب، رغم الادعاء بعدم وجود أحد فى هذه المساجد. الآن أنا بصدد إعداد بحث علمى يؤكد وجود الحسين والسيدة زينب فى تلك المقابر، بعد التشكيك فى وجود آل البيت فى أضرحتهم الحالية، نحن أيضا نصلى فى الأزهر، إلا أننا نضع التربة الحسينية للسجود عليها، لأن المبدأ فى السجود عند الشيعة الإمامية هو وضع الرأس على شىء لا يؤكل ولا يلبس. نختلف كذلك فى شأن الصحابة، فنحن لا نؤمن بمسألة «عدول» الصحابة، فنحن نؤمن بأنهم بشر غير معصومين من الخطأ، ولدينا بعض الروايات تقول فيها السيدة عائشة عن عثمان بن عفان «اقتلوا عثمان فقد كفر»، ومن النقاط الخلافية أيضا الإيمان بقضية الإمامية، ومنها نزول الوحى على الإمام على، وهذه ليس لها أساس من الصحة، الأمر الأخير هو نزول قرآن آخر غير الذى أنزل على الرسول، وهو أيضا من الأمور غير الصحيحة، والحقيقة أننا نؤمن أن هناك مصحفا آخر يسمى «مصحف فاطمة»، والمصحف هنا لا يعنى القرآن، لكنه كتاب (مذكرات) فكل كتاب ما بين الدفتين يطلق عليه «مصحف»، وهو ما دونت فيه السيدة فاطمة، عليها السلام أحاديثها مع الملائكة، وهذا لن يظهر إلا بنزول الإمام المهدى المنتظر، ولا نؤمن بتحريف القرآن، ومن الأمور الخلافية أيضا أننا «نعبد القبور»، وهذا لم يظهر إلا مع بدء المنهج الوهابى.