المستشفيات الحكومية للمحاسيب فقط.. والقطاع الخاص يستغل المواطنين «آمنة»: لجأنا لجمعية خيرية بعد معاناتنا مع الحكومة والقطاع الخاص متحدث الصحة: الولادة القيصرية سبب المشكلة والعودة للطبيعية هى الحل 5 آلاف حضَّانة حكومية تخدم من 200 ل500 ألف طفل سنوياً إذا تعرض البعض إلى حادث ما وتوفى على إثره، يقال «موت وخراب ديار»، لكن فى حالة البحث عن حضَّانة لاستقبال طفل حديث الولادة، فإن الوضع يتغير ويكون «عذاب وخراب ديار». فقد أصبح البحث عن حضَّانة لطفل حديث الولادة أمراً فى غاية الصعوبة، وإذا وجد الآباء الحضَّانة تكون الأسعار مبالغاً فيها بشكل كبير، وخاصة فى مستشفيات القطاع الخاص التى وصل فيها سعر الليلة الواحدة إلى 9 آلاف جنيه، مع إلزام الوالد بوضع مبلغ تأمينى يصل إلى 30 ألف جنيه. ووفقاً لآخر رقم معلن من وزارة الصحة، فإن أعداد الحضَّانات الموجودة فى المستشفيات الحكومية تصل إلى 5 آلاف حضَّانة، فى حين أن أعداد الأطفال المبتسرين، أى ناقصى النمو، تتراوح بين 200 و500 ألف طفل سنوياً. وكل يوم تتزايد شكاوى المواطنين بسبب ارتفاع التكلفة اليومية للحضَّانات وخاصة الفئات محدودة الدخل، الذين لا يستطيعون توفير تلك المبالغ الكبيرة للحضَّانات التى تبدأ أسعارها من 500 جنيه يومياً حتى 9000 جنيه، ولذلك يسعون إلى طلب المساعدة لنقل أبنائهم إلى الحضَّانات الحكومية المجانية ذات التكلفة الرمزية. وقالت «دينا. د»، شقيقة أب عانى من أجل الوصول إلى حضَّانة لابنه، إن 5 أطفال ولدوا فى نفس اليوم الذى ولد فيه ابن أخيها احتاجوا جميعاً إلى حضَّانات، وكانت الولادة فى مستشفى تابع للتأمين الصحى بالدقى، والمولود يعانى مشكلة فى الرئة وكان معرضاً للموت، مشيرة إلى أنه رغم ذلك وضعه المستشفى خارج الحضَّانة بعد الولادة بحجة عدم وجود مكان له فى حضَّانة المستشفى، وبدأت الأسرة فى البحث عن مستشفيات أخرى بها حضَّانات لاستقبال المولود، ومن هنا بدأت معاناتنا. وتابعت: «فى البداية اتصلنا بأحد أكبر المستشفيات الخاصة فى مصر وطلب تقريراً بالحالة مطبوعاً، وكانت الليلة ب9 آلاف جنيه مع دفع تأمين 30 ألف جنيه، ثم اتصلنا بمستشفى آخر وأبلغنا أن الليلة ب2900 جنيه مع دفع مبلغ تأمينى 10 آلاف جنيه غير شاملة العلاج والتحاليل والفحوصات». بعدها اتصلنا بالخط الساخن رقم 137 التابع لوزارة الصحة للبحث عن حضَّانة، وطلبوا من الطبيب المعالج رفع تقرير بالحالة يتضمن أشعة صدرية للطفل وإيكو على القلب، وظللنا طوال اليوم فى انتظار الرقم الصادر الذى أبلغنا به الخط الساخن حتى نتواصل به فيما بعد، ولم نجد رداً للأسف إلا فى اليوم الثانى رغم خطورة الحالة. وأوضحت أنهم تواصلوا مع عدد من المستشفيات الحكومية مثل أبوالريش والدمرداش وغيرها لكن دون جدوى، وفى النهاية استطاعوا إيجاد حضَّانة فى مستشفى خاص بسعر 1800 جنيه لليلة ودفع تأمين 8000 آلاف جنيه دون الأشعة والتحاليل والأدوية، ونقلنا الطفل إليها لكن كانت هناك معاناة أخرى مع سيارة الإسعاف، لأن الطفل يعانى مشكلة فى الرئة ولابد من نقله بأجهزة معينة، وقد اتصلنا بالإسعاف الساعة الرابعة لكن السيارة وصلت إلينا فى الساعة الثامنة والربع رغم تكرار الاتصال بهيئة الإسعاف. وأشارت دينا إلى أنه بعد وصولهم للحضَّانة طلبوا تحاليل جينية أسعارها مبالغ فيها جداً، لدرجة أن مشرف الحضَّانة طلب من الأب وضع الطفل تحت جهاز تنفس صناعى مؤقتاً، حتى نقله إلى مستشفى حكومى يساعد فى تحمل هذه التكاليف، لأنها تصل إلى مئات الألوف من الجنيهات. وأضافت: «بعد توفير واسطة كبيرة استطعنا نقل الولد إلى مستشفى التأمين الصحى الذى ولد به وكانوا أبلغونا بعدم وجود حضَّانة، لكن عندما حضرت الواسطة اكتشفنا وجود أماكن خالية فيها». وقالت «آمنة. أ»، ربة منزل، إنها وضعت طفلها فى أحد المستشفيات الحكومية بحى باب الشعرية، وكان الطفل يعانى مرض الصفراء الشديدة ما استدعى وضعه فى حضَّانة، وبدأت الأسرة فى البحث عن مستشفى تستقبل المولود، إلا أن البحث كان دون جدوى سواء فى المستشفيات الحكومية أو الخاصة، لأن الأولى ليس بها أماكن خالية، والثانية أسعارها غالية جداً. وأوضحت أنها لجأت فى النهاية إلى إحدى الجمعيات الخيرية فى حى مدينة نصر، التى تملك حضَّانات لاستقبال الأطفال حديثى الولادة بتكلفة بسيطة أو التبرع للجمعية بأى مبلغ، وبالفعل تم نقل الولد إلى الحضَّانة، التى استمر الطفل بها مدة تجاوزت الأسبوع. فيما قال «توفيق. ع»، عامل باليومية، إن ابنه موجود فى حضَّانة بالسنطة البلد على جهاز التنفس الصناعى، لكن تكلفة اليوم تصل إلى 350 جنيهاً، وهو لا يستطيع تحمل هذه التكلفة فى الظروف الحالية، مشيراً إلى أن هذه المبالغ مرهقة لأى أسرة خاصة أنها لا تشمل العلاج والتحاليل والأشعة، مطالباً بنقله إلى إحدى الحضَّانات الحكومية المجانية التى تتحمل هذه التكلفة. وفى هذا الصدد، قال الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث باسم وزارة الصحة، إن عدد الحضَّانات فى مصر يتجاوز ال 5 آلاف حضَّانة فى المستشفيات الحكومية فقط، إضافة إلى حضَّانات القطاع الخاص. وأوضح أن عدد الحضَّانات غير مرتبط بعدد السكان فى الدولة، مشيراً إلى أن المشكلة الأساسية فى عدم توافر الحضَّانات هو زيادة أعداد حالات الولادة القيصرية، موضحاً أن حل مشكلة معاناة المواطنين فى توافر الحضَّانات يتمثل فى العودة إلى الاعتماد على الولادة الطبيعية والتقليل من الولادة القيصرية. مشكلة كبيرة أما الدكتورة أسماء إسماعيل، مدرس مساعد الوراثة الإكلينيكية بالمركز القومى للبحوث، فقالت إن المواطنين والأطباء على حد سواء يلمسون مشكلة نقص الحضَّانات مع حديثى الولادة، موضحة أن عدد المواليد كبير جداً مقارنة بعدد المستشفيات المجهزة لاستيعاب الحضَّانات ولذلك تحدث المشكلة، إضافة إلى ارتفاع تكلفة إنشاء وحدة رعاية مركزة وحضَّانة لحديثى الولادة، مشيرة إلى أن الخدمة المقدمة فى المستشفيات الحكومية تكاليفها رمزية وبسيطة، مقارنة بالمستشفيات الخاصة ذات التكلفة العالية جداً بسبب قيمة الأدوية والفحوصات والتحاليل، وقد يصل سعر اليوم فى حضَّانات المستشفيات الخاصة إلى 7 و8 آلاف جنيه. وأوضحت المدرس المساعد للوراثة الإكلينيكية بالمركز القومى للبحوث أن مشكلة الحضَّانات ليست فقط فى حديثى الولادة، وإنما فى الأطفال الذين يتجاوز عمرهم 28 يوماً أيضاً، لأن الحضَّانة فى هذه الحالة لن تكون مفيدة وسيحتاج المولود إلى وحدة رعاية مركزة تناسب عمره. وتابعت: لدينا مشكلة أيضاً تتمثل فى وجود أغلب الحضَّانات بالمناطق المركزية فى المحافظات سواء حكومية أو خاصة، بينما الأماكن البعيدة والقرى تعانى هذا الأمر الذى يعوق وصول الخدمة الطبية لمستحقيها، ولذلك لابد أن يكون لدينا توجه بإنشاء وحدات رعاية مركزة للأطفال وحديثى الولادة فى كل قرية كبيرة وليس المركز فقط، للقضاء على مشكلة صعوبة نقل الطفل لحضَّانات المراكز. وأشارت إلى أن هذا التوجه سيقلل عبئاً كبيراً جداً على المواطنين ويحل مشكلة صعوبة وصول المريض للخدمة الطبية وينقذ عدداً كبيراً من الأطفال، موضحة أن هناك أموراً ومشاكل من الممكن التنبؤ بحدوثها للأطفال حديثى الولادة، ولكن هناك أيضاً أموراً تحدث بشكل مفاجئ يصعب التنبؤ بها، فمثلاً الطفل المولود قبل موعده متوقع جداً احتياجه لحضَّانة ويجب توفيرها له منذ البداية. كما أن هناك حالات أخرى تحتاج إلى دخول الحضَّانة، مثل توقع الطبيب حدوث مشكلة للأم تتسبب فى الولادة المبكرة، إضافة إلى مشاكل تتم معرفتها أثناء فترة الحمل مثل عدم اكتمال نمو الرئة لدى الطفل، أو وجود عيوب خلقية فى القلب، أو الطفل الذى تكون حركته قليلة جداً فى بطن أمه، أو وجود صعوبة فى عضلات التنفس لديه. أما الأسباب غير المتوقعة التى تستدعى دخول الحضَّانة فتتمثل فى المضاعفات المفاجئة أثناء الولادة، كما أن هناك مشاكل بسيطة تستدعى دخول الطفل إلى الحضَّانة أيضاً مثل مرض الصفراء، بينما هناك مشاكل أكبر تتمثل فى تعرض الطفل لعدوى شديدة أو اكتشاف عيب خلقى بعد الولادة يستدعى إجراء جراحة عاجلة، وهذه الأمور مكلفة جداً. وأكدت إسماعيل ضرورة توافر أجهزة معينة داخل الحضَّانات ووحدات الرعاية المركزة للأطفال حديثى الولادة، مثل أجهزة التنفس الصناعى والإمداد بالأكسجين وغيرها. وعن أبرز حلول مشاكل الحضَّانات فى مصر، قالت إننا نحتاج إلى تكاتف الجميع ووجود فكر واضح ومنظم تجاه الصحة فى حد ذاتها، لأنه لا يوجد أهم من صحة الإنسان سواء كان طفلاً أو شاباً أو كبير السن، وإنشاء وحدات رعاية مركزة فى القرى والأماكن البعيدة، لأن نقص الوحدات يؤدى إلى نقص الكفاءات، سواء أطباء أو تمريض، وبالتالى ضعف الإقبال على هذا التخصص، لكن توافرها يؤدى إلى زيادة الإقبال على التخصص وتوقف هجرة الأطباء إلى الخارج. ولفتت إلى أن الدولة الآن بدأت فى التوجه نحو الاهتمام بالأمراض النادرة وتوفير الرعاية للمواطنين، وهذا سيساعد على حل مشكلة نقص الحضَّانات مستقبلاً بإنشاء وحدات جديدة مجهزة تستوعب أعداداً أكبر. أزمة مزدوجة وقال الدكتور محمد حسن خليل، عضو لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة، إن الحضَّانات تعتبر ضمن أسرة الرعاية المركزة التى تعتبر فى وضع بائس فى مصر، لأن متوسط الأسرة لدينا 1,3 سرير لكل 1000 مواطن، بينما المتوسط العالمى 2,9 سرير لكل 1000 مواطن. وأضاف خليل أن ذلك يعنى أن المتوسط فى مصر أقل بنسبة 50% عن المتوسط العالمى، كما أن نسبة الأسرة الحكومية تبلغ نحو 0,9 لكل 1000 مواطن، بينما فى فترة الستينيات كان لدينا 2,2 سرير لكل 1000 مواطن، ما يدل على أننا نتدهور بشكل كبير. وأوضح عضو لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة أن إجمالى أسرة الرعاية المركزة فى مصر قبل وباء كورونا بلغ نحو 10 آلاف سرير، لشعب تعداد سكانه 100 مليون نسمة، وهذا يدل على أننا فى وضع مزرٍ فعلاً وتابع: «الأسوأ من ذلك، هو ما أعلنته وزارة الصحة منذ 3 سنوات عن أن 30% من أسرة الرعاية المركزة فى المستشفيات الحكومية مغلقة بسبب نقص التمريض، ما يأخذنا إلى مشكلة أكبر وهى وجود نقص فى ذوى المهارة الخاصة من الأطباء والتمريض»، موضحاً أن السبب فى هذه المشكلة هو ضعف موازنة الصحة ما أدى إلى تخلف الهيكل الصحى بمصر. وأكد أنه لابد من زيادة الإنفاق على الصحة لتصل إلى نسبة 6% من الناتج المحلى كما ينص الدستور، لافتاً إلى أن نقص الإنفاق على الصحة يرجع إلى سبعينيات القرن الماضى منذ بداية عصر الانفتاح الاقتصادى وتقليص ميزانية الخدمات كجزء من السياسة التقشفية المستمرة حتى الآن. وأشار خليل إلى أنه من المفترض أن الطفل الذى يولد ويحتاج إلى حضَّانة، يجب توفيرها له مجاناً، وكان هذا الوضع سائداً حتى عام 2018 باعتبار أن الأطفال منذ الميلاد حتى دخول المدارس إلى مرحلة الثانوية خاضعون للتأمين الصحى مقابل اشتراك رمزى، لكن هذا الوضع ألغى منذ صدور قانون التأمين الصحى الشامل سنة 2018، وتحول كل الأطفال منذ ميلادهم حتى سن 18 عاماً من مسئولية الدولة إلى مسئولية الأب أو العائل، ولذلك غير المشتركين فى منظومة التأمين الجديدة يواجهون صعوبة كبيرة فى إيجاد حضَّانة لأطفالهم. وأضاف أن هذا الوضع جعل النسبة الأكبر من المواطنين تذهب إلى القطاع الخاص مباشرة بسبب خروج الأطفال من منظومة التأمين كما كان معمولاً به فى السابق. ولحل مشكلة نقص الحضَّانات، أكد خليل أن هذا يتم من خلال التأمين الصحى الشامل وتحمل الدولة نسبة أكبر فى الإنفاق على الصحة، حتى تتم إتاحة كل عناصر الخدمات من مرتبات جيدة للأطباء والتمريض وتوفير عدد مناسب من أسرة الرعاية المركزة والحضَّانات بعيداً عن القطاع الخاص الذى يهدف إلى الربح فقط.