تموت الفراشات في يرقاتها. هذا هو حال كثير من الأطفال في بلادنا، والسبب تافه للغاية، وهو نقص الرعاية الطبية وعدد الحضَّانات في المستشفيات والمراكز الطبية، وهكذا يضيع أمل الآباء في إنقاذ أرواح أطفالهم المبتسرين "ناقصي النمو"، وإن وُجدت هذه الحضانات فهي بأسعار باهظة لا يقدر علي تكلفتها البسطاء ومحدودو الدخل. "آخرساعة" رصدت الأزمة عن قرب من خلال هذا التحقيق. ألف جنيه سعر الحضَّانة في اليوم.. والبديل وضع الطفل تحت مدفأة مواطنون بسطاء يلجأون إلي جمعيات أهلية توفر الحضَّانات بالمجان تقارير وزارة الصحة صادمة، فحسب الإحصائيات الرسمية، يبلغ إجمالي عدد الحضَّانات المتوافرة في التأمين الصحي والمستشفيات الجامعية والمستشفيات والمعاهد التعليمية، والمراكز الطبية المتخصصة 3692 حضّانة فقط، وتخدم الحضَّانة الواحدة 35 طفلاً سنوياً، بإجمالي 116 ألفاً، ما يعني حسب أعداد المواليد أن هناك أكثر من 132 ألف طفل ليس لهم مكان في الحضَّانات الحكومية ويتعرضون للموت سنويا بسبب النقص الشديد في حضَّانات الأطفال المبتسرين. بعيداً عن أرقام وزارة الصحة التي تنذر بكارثة، تستوقفنا قصص يرويها آباء وأمهات بدموعهم، يكشفون ما حدث معهم علي أبواب المستشفيات، وعلي قوائم الانتظار الطويلة آملين إنقاذ أطفالهم ومد يد العون لهم.. ولكن ما باليد حيلة. تحكي ثناء عبداللاه قصتها مع استغلال مستشفي خاص، جردها من أموالها علي حد تعبيرها، قائلة إن المستشفيات الخاصة تستغل عدم توافر حضَّانات للأطفال المبتسرين بكميات كافية في المستشفيات الحكومية، فتفرد ضلوعها علي الآباء والأمهات، حيث تصل تكلفة إدخال الطفل في الحضَّانة إلي ألف جنيه في الليلة الواحدة، إن لم يكن أكثر، وبسبب شدة حاجتنا لها وعدم توافرها بأسعار أقل نضطر إلي الانصياع لاستغلال هذه المستشفيات. أما أمنية ياسر، التي وضعت وليدها في مستشفي حكومي وكان في حاجة إلي وضعه في حضَّانة، نظراً إلي حاجته إلي جهاز تنفس، تشكو إهمال المستشفيات الحكومية في حضَّانات الأطفال، التي غالباً تكون لهم طوق نجاة وتمنحهم فرصة في الحياة، بعد إرادة الله، وتضيف: وضعت في مستشفي حكومي بعد أن ضاقت بي السبل أمام أسعار المستشفيات الخاصة فقد كنت أتمني أن أضع بمستشفي خاص لأضمن عناية بي وبصغيري، لكن تراجعت بعد معرفة المبالغ التي يمكن أن يتكبدها زوجي، وبالفعل أنجبت في هذا المستشفي الحكومي، وكان لون جسد الطفل يميل إلي الزرقة، وكان في حاجة إلي وضعه في حضَّانة، لكن لم يكن هناك حضَّانات كافية بالمستشفي فقاموا بوضعه علي مدفأة، لحين توافر حضَّانات إضافية، حسبما قالوا لنا، وهو ما لم يحدث وبعد ساعات قام زوجي بنقل الطفل إلي مستشفي خاص، وفي النهاية اضطررنا إلي دفع 800 جنيه في اليوم، نظير الحضَّانة، بعدما أصبح الأمر تجارة رابحة وليست مسألة إنسانية. وتقول شيماء عاطف، إنها اضطرت إلي بيع مصاغها الذهبي لتوفير حضَّانة لطفلها بمستشفي خاص بعد أن فشلت المستشفيات الحكومية في توفير الخدمة لها نظرا لوضعها علي قوائم انتظار طويلة، بينما إمكانيات محمد سعيد المادية المحدودة، لم تمكنه سوي من وضع طفله بحضَّانة مجانية، قائلا: لا أملك من المال ما يمكني من وضع طفلي في حضَّانة خاصة مقابل ألف أو ألفي جنيه يومياً. وهناك جمعيات أهلية تقدم الخدمة الصحية للأطفال حديثي الولادة من خلال وضعهم في حضَّانات مجانية، وفي هذا السياق يحدثنا محمد أحمد أحد العاملين في واحدة من هذه الجمعيات، قائلاً: الجمعية توفر لأكبر عدد ممكن من الأطفال حضَّانات صناعية علي مستوي أكثر من فرع لرعاية أكبر عدد ممكن من الأطفال الذين لا يوجد لهم أماكن بالمستشفيات الحكومية ومساعدة الأهالي غير القادرين، حيث إن الحضَّانات مجاناً. وهو ما أكد عليه إبراهيم شكري، قائلا إنه لم يجد أحدا يستقبل طفله الرضيع ويضعه في الحضَّانة سوي الجمعية الشرعية بالجيزة بعد ان ضاقت به السبل في الحصول علي حضَّانة لطفله الذي كان يعاني من ضيق بالتنفس وفي حاجة لوضعه بحضَّانة بعد أن فشل المستشفي الحكومي في توفيرها له ومنعته الحاجة عن نار أسعار المستشفيات الخاص . وفي أثناء جولتنا بمستشفي الجلاء وجدنا العديد من الأهالي ينتظرون أدوارهم للحصول علي حضَّانة، فيما أوضح محمد فخري طبيب رعاية الأطفال حديثي الولادة بالمستشفي، أن هناك نقصا كبيرا في عدد الحضَّانات داخل المستشفي وداخل المستشفيات الحكومية عموما. وتابع: لم يتعد عدد الحضَّانات داخل المستشفي 32 حضَّانة، رغم أننا نستقبل حوالي 75 حالة ولادة يوميا، وهو عدد قليل أيضا مقارنة بحالات الأطفال الذين يحتاجون إلي وضعهم في الحضَّانات إما لعدم اكتمال أعضائهم أو لديهم مشاكل في التنفس أو الرضاعة أو لديهم مشكلة في درجة الحرارة، مشيراً إلي أن الأهالي يلجأون الي حضَّانات بير السلم والمستشفيات الخاصة رغم عدم جودتها وافتقارها للمعايير الصحية السليمة ، فعلي الرغم من نقص الحضَّانات بالمستشفيات الحكومية إلا أنها غالباً ما يتم استيرادها من أمريكا بمواصفات عالية وبعمر افتراضي أكبر علي عكس الخاص الذين يعتمدون علي حضَّانات صينية لا يتجاوز عمرها الافتراضي خمس سنوات، ولكن نقص الحضَّانات هو ما يعطي الفرصة للاتجار بالأهالي. لافتاً إلي أنه في حالة النقص في الحضَّانات يتم وضع الأطفال علي "سيرفو" وهي مدفأة يوضع عليها الأطفال لحين التصرف في حضَّانات، مؤكدا أن من أكثر الأسباب التي تتسبب في ضرر الأطفال المبتسرين هو عدم الاهتمام بتوفير طاقم تمريض مؤهل ومدرب علي التعامل مع الأطفال حديثي الولادة. أما عن المواصفات التي يجب توافرها بحضَّانات رعاية الأطفال المبتسرين يحدثنا عمرو الخشاب رئيس قسم رعاية الأطفال بمستشفي الجلاء قائلاً: داخل الوحدة يجب أن تكون الأرضية من البورسلين ، والحوائط من دهان مضاد للبكتريا مع أهمية وجود إضاءة بديلة عن طريق المولودات الكهربائية لكل حضَّانة لتجنب انقطاع التيار الكهربائي. كما يجب أن تحتوي كل حضَّانة علي جهاز قياس تشبع الدم بالأكسجين ومونيتور لقياس النبض والتنفس وجهاز حقن ووحدة أشعة وجهاز قياس كمية الصفراء بالدم واسطوانتي أكسجين ومنظم عداد لهما لكل حضَّانة داخل الوحدة ومونيتور لمتابعة التنفس والنبض. وعن الطاقم الطبي داخل وحدة الحضَّانات يوضح أن هناك أخصائيا في رعاية الأطفال داخل وحدة الحضَّانات ، وطبيبن مقيمين يتناوبان علي رعاية الأطفال حسب وردياتهما وممرضة مدربة لكل حضَّانتين بالوحدة. يوضح محمد شريبة (طبيب اطفال) أن الطفل المبتسر يولد قبل المدة الطبيعية للحمل ، و بالتالي يتعرض لبعض المشاكل الصحية لعدم اكتمال ونضوج كل أعضائه لذلك فإنه غالباً يولد لديه صعوبة في التنفس أو الرضاعة أو الاحتفاظ بدرجة الحرارة المناسبة له فيتم وضعه بحضَّانة رعاية الأطفال حديثي الولادة حتي يتعافي تماماً ويكتمل نموه. مضيفاً أن الأطفال المبتسرين الذين يتم نقلهم إلي وحدة عناية الأطفال حديثي الولادة لابد أن تتم مراقبتهم جيداً حتي لا يتم حدوث العدوي ومراقبة أي تغيرات في معدل التنفس أو ضربات القلب وأيضاً يتم الحفاظ علي درجة حرارتهم عن طريق أسرة خاصة إلي أن يكون جسدهم قادراً علي ذلك بنفسه ويتم تغذيتهم عن طريق أنبوب في الفم أو عن طريق محاليل في الوريد وذلك حسب الحالة الصحية لكل مولود إلي أن يصبح الطفل قادراً علي التنفس والحصول علي غذائه بالطرق الطبيعية . أما من يولدون مبكراً جداً وبحالة صحية سيئة فيحتاجون علاجا خاصا حسب نوع المشكلة الطبية التي يعانون منها. وإذا كانت لدي الطفل مشكلة في التنفس يتم مساعدتهم بأنبوبة أكسجين أو جهاز تنفس صناعي ، لافتاً إلي أن ذلك يشكل عبئا علي الوالدين ويزيد من الضغوط النفسية ، مشيراً إلي أن كل ذلك يعطي أهمية كبيرة لتوافر الحضَّانات للأطفال داخل أي مستشفي حكومي أو خاص حيث إن نقصها أو الإهمال في التعامل مع الطفل المبتسر أو التهاون في المواضفات التي يجب أن تكون عليها وحدة علاج الأطفال المبتسرين سيؤدي إلي فقدان الرضع أو إحداث مشاكل صحية لهم. وحذر شريبة من الأخطاء الصحية التي يقوم بها الأطباء بالمستشفيات كوضع أكثر من طفل علي السيرفو عند نقص الحضَّانات حيث إن ذلك يساعد علي نقل العدوي من طفل لآخر يصعب التعامل معها كون الطفل حديث الولادة مما يسبب له الأمراض علي المدي البعيد.