تعيش مصر واحدة من أسوأ فترات تاريخها.. فأيدي الجميع اصبحت ملطخة بالدماء، والعنف اصبح اللغة الرسمية للبلاد.. والكل مذنبون .. بل مجرمون في حق الوطن الذي خرج الملايين من ابنائه ينادون بسقوط نظام الفساد والاستبداد ليدهسهم نظام ربما يكون أكثر واعمق خطرا، يطالبون بالعيش ليجدوا الجوع والفقر يزداد بمعدلات مخيفة ، يحلمون بالحرية فتكويهم نيران العبودية والذل للحاكم ولأصحاب المصالح ودعاة التدين المغشوش وعملاء الغرب وأمريكا فلا عرفوا ان يتمسكوا بمصريتهم وبساطتهم وسماحة دينهم ووسطيتهم فتاهوا بين التشدد والانحلال، بين بيع عقولهم لمن يسيطر عليها زورا وبهتانا بكلام لا تقبله الجاهلية علي غرار «والدتي كانت تشرب بول ابي» .. أو احتلال يهدر القيم والاخلاق المصرية الحميدة، وضاعت العدالة الاجتماعية بين أطماع الفاسدين الجدد، فلا حافظ الفقراء علي فقرهم الذي أصبح أشد وأخطر، ولا استمتع الاغنياء بأموالهم التي ضاعت في غياب الامن وارتفاع معدل السرقات والسلب والنهب وتوقف العمل والإنتاج، أما الكرامة الانسانية فلم يشعر بها المصريون إلا أياماً معدودات لتعود «ريمة إلي عادتها القديمة» فالذل والهوان واحد سواء في عهد مبارك أو المجلس العسكري او مرسي الذي «هلل» المصريون كثيرا بأنه أول رئيس منتخب لكن «يافرحة ما تمت.. خدها غراب العنف والضعف والتردد والموالاة للأهل والعشيرة وطار». العنف في المقطم وحول محيط مكتب إرشاد جماعة الاخوان المسلمين ليس إلا حلقة جديدة من سلسلة طويلة يبدو أنها لن تنتهي في وقت قريب بعدما اقسم كل طرف علي فرض اجندته علي الجميع ولو بالقوة ولا عزاء لدولة الدستور والقانون، والحقيقة الجميع مذنبون أعماهم شبق السلطة فلا فرق بين اخوان وسلفيين وليبراليين أو يساريين الجميع ليس لديهم قدرات لحكم دولة بحجم مصر، فالحقيقة نحن أمام دولة اقزام يعطون لأنفسهم أكبر من حجمهم، فالرئيس مرتبك وقراره إما متأخر أو خاطئ ويتحدث عندما يجب عليه الصمت ويدخل في غيبوبة ويختفي تماما عندما ينتظر الجميع سماع صوته، والإخوان مغرورون خائفون أصابهم جنون السلطة رغم ضعف قدراتهم فلم يعودوا يسمعون إلي أحد فأصبحوا مثل شخص جعان منذ شهر وعندما وضعت أمامه وليمة يريد ان يأكل بمفرده حتي لو مات فطيسا، ويكفي ان تستمع إلي تصريحات العريان والبلتاجي لتصاب بالغثيان، أما السلفيون فإنهم باهتون لا طعم ولا لون ولا رائحة لا تعرف ماذا هم يريدون وتبقي المعارضة ضعيفة مفككة يقودها من يبحثون عن مصالحهم الشخصية الضيقة وشباب الثورة تائهون بين الجميع لم يعد أمامهم إلا الظهور في الفضائيات أو التعرض للقتل والسحل والضرب في الشوارع والميادين بلا ثمن وللأسف الجميع لا يمتلكون اي برنامج أو رؤية لمستقبل الوطن ولا يمكن ان نلومهم «طالما برنامج نهضة الرئيس طلع فنكوش فلا عزاء للوطن». العنف يجتاح الوطن إذا تظاهرت امام مكتب الإرشاد فسوف أرد عليك بمحاصرة الأحزاب ومدينة الإنتاج، فعهد الرئيس مرسي هو عصر وفاة الدولة المصرية كما أعلن المستشار أحمد مكي وزير العدل وأصبحنا نعيش في دولة المليشات التي تسودها لغة الغاب والبقاء للأقوي، فالجميع يتحدثون لغة القتل والسحل والفوضى في ظل نظام يمارس نفس الأخطاء والانتهاكات والتعذيب والاعتقالات والقتل وقصف الأقلام وتكميم الأفواه ووأد الحريات وكأن الثورة لم تقم. ان الوطن في حاجة الي حلول جذرية يشارك فيها الجميع دون الحديث عن حوارات شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع فالشعب الذى خرج مطالبا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ثار لإسقاط نظام وسياسات وليس فقط رموزاً وأفراداً، وجاء برئيس منتخب ليحقق له القصاص والعدل الاجتماعى والاستقرار، ومسئولية الرئيس ونظامه وجماعته إقرار العدل واحترام الدستور والقانون ووقف سياسات الإفقار والتبعية وتأسيس دولة العلم والإيمان وليس جمهورية الفوضى، وما نشهده الآن بوضوح هو إعادة إنتاج لنفس السياسات والممارسات بنفس مشاهد القتل والسحل والفوضى وإن تم استبدال مصطلحات دولة المؤسسات والتقدم والحداثة بدعاوي التقوي والورع والخوف من الجليل ولو كان كذبا. إن الشعب أتى بالرئيس مرسي على رأس السلطة بناء على وعود قطعها على نفسه وبرنامج اكد أنه سوف يحقق به اهداف الثورة فإذا لم يلتزم بها فإن الشعب سيستكمل ثورته، وسيصر على تحقيق كامل أهدافها عبر مواصلة المظاهرات والاحتجاجات السلمية دون الالتفات لما يمارس من إحباط أو يأس أو تخويف وترهيب، فلن يسمح مرة ثانية بإنتاج القمع والفقر والتبعية تحت مسمي جديد، والرئيس فقط من يملك مفتاح الحل وانهاء تلك الأزمة بداية من ضرورة احترام دولة الدستور والقانون ومنح المناصب والمواقع إلي الكفاءات وأهل الخبرة وليس أهل الحظوة والثقة كما كان يفعل نظام مبارك، تشكيل حكومة انقاذ وطني تشمل كل أطياف المجتمع بعدما أصبحت مطلبا وطنيا نادي به الإسلاميون وجبهة الإنقاذ وشباب الثورة نتيجة فشل حكومة قنديل علي ان يمثل فيها الشباب وفقا لقدراتهم، احترام آليات الديمقراطية ليس فقط لحين القفز علي السلطة ثم التنصل منها ولكن بما يحقق تداولا سلميا حقيقيا للسلطة، تعديل المواد الخلافية في الدستور بما لا يمس مواد الشريعة، وضع قانون جديد للانتخابات يضمن نزاهة العملية الانتخابية من بدايتها لنهايتها وتكون تحت إشراف قضائي كامل، وإعلاء المصلحة الوطنية والتواصل مع جميع فئات الشعب دون تفرقة أو تمييز.