لم تكن ثورة يناير إلا ثورة شعبية خالصة ضد الفساد والاستبداد شارك فيها جميع المصريين للتخلص من حكم الفرعون الذي ألهب ظهورهم بسقوط الفقر والجوع والمرض.. عرفوا خلال 30 سنة غياهب السجون والمعتقلات.. وذاقوا ويلات الذل والهوان.. لكن بعد ثورة يناير ظنوا وبعض الظن إثم ان أحوالهم تبدلت وانهم سينعمون في رغد العيش والحرية وسيحققون العدالة الاجتماعية ويعيشون بكرامة إنسانية لكنهم لم يخطر ببالهم يوما انهم سوف يستبدلون بمبارك أناسا وجماعات تتصارع علي السلطة وكرسي الحكم ولا عزاء للوطن لا فرق بين موالاة أرادت أن تنصب نفسها لها معارضة تتاجر بالوطن في سوق النخاسة السياسية. الإعلان الدستوري يخالف الشرعية التي أقسم النظام علي احترامها فكيف لنظام منح سلطاته بعدما أقسم علي احترام الدستور والقانون أمام المحكمة الدستورية العليا أن يأتي بعد أيام لينسف القضاء ويلقيه في اليم فقراراته نهائية ونافذة.. ولا يمكن الطعن عليها أمام جهة قضائية. الغريب ان القرارات الايجابية في الاعلان تجعلنا نخشي اشعال الوطن فالرئيس قرر إعادة محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ورموز نظامه في مغازلة للثوار لكن لا تسمن ولا تغني من جوع فأين رجال الشرطة الذين قتلوا المتظاهرين أم ان المحاكمة كرتونية ووهمية ولن تؤدي إلي شيء فلن تقدم أدلة جديدة ولن يحاسب المحرض إذا لم تتم محاكمة المنفذ هذا ألف باء قانون. أما قرار إقالة النائب العام الذي جاء متأخرا كثيرا ولتصفية حسابات شخصية وليس لتحقيق أهداف وطنية يدمر القضاء بغض النظر عن وجود فاسدين فيه من عدمه فقد قامت الثورة من أجل دولة الدستور والقانون لكن لا أحد يحترم القانون الذي ينص علي ان النائب العام لا يعزل وأكثر ما يأخذه الاخوان عموما علي عبدالناصر انه طبق الشرعية الثورية لحماية ثورة يوليو وكان ذلك الباب الخلفي لاعتقالهم وسحلهم وقتلهم فلماذا هم الآن يكررون نفس السيناريو. أما تحصين الجمعية التأسيسية ومجلس الشوري من أحكام القضاء فهو البداية لوأد الوطن فأثناء الحرب العالمية الثانية رضخ تشرشل رئيس وزراء بريطانيا لحكم القضاء بعدم نقل مدرسة بجوار أحد المطارات الحربية خوفا من تأثرها بالحرب وتم نقل المطار احتراما لحكم قضائي فقال هتلر "دولة تحترم القضاء لا يمكن هزيمتها" فما بال دولة نظامها يناصب القضاء العداء ويجعل من نفسه سيدا لكل السلطات؟ بلا شك النتيجة الحتمية ما نشاهده الآن من فوضي وصراعات وصدامات بل وانقسام بين تحرير واتحادية في إجهاض حقيقي لثورة يناير التي فرح أبناؤها كثيرا عند نجاح مرسي. النظام صنع الأزمة وفشل في معالجتها في الوقت الذي تمر فيه مصر بظروف عصيبة وأحداث جسيمة. فقد كان الشعب ينتظر منه أن يحقق الأمن للبلاد والاستقرار والمحافظة علي الثورة ومكاسبها ودوران عجلة الانتاج وجلب الاستثمار لتحقيق الازدهار الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية لكن ما فعله أدي إلي انشقاق الوطن وتطاحنه لدرجة تهدد بإشعال حرب أهلية.