ألزم دستور الغرياني ومرسي الدولة وحدها في المادة 8 بكفالة وسائل تحقيق العدل، والمساواة، والحرية، كما تلتزم بضمان حماية الأنفس والأعراض، والأموال في حدود القانون، كما ألزم الدستور المذكور الدولة وحدها بتوفير الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع المصريين دون تمييز. وقد نصت المادة 40 على أن «الحياة الآمنة حق تكفله الدولة وحدها لكل مقيم على أراضيها، ويحمي القانون الإنسان مما يهدده من ظواهر إجرامية!!» كما نصت المادة 194 على أنه «يحظر على أي فرد أو هيئة أو جهة او جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية.. الخ» ويبين من مجموع النصوص السابقة أن تشكيل الميليشيات العسكرية أو شبه العسكرية محظور، ويعتبر ضمن جرائم الإرهاب المنصوص عليها في قانون العقوبات «المواد 86 الى 86 مكرر ب»، تشكيل هذه اللجان أو الفرق العسكرية أو شبه العسكرية أياً كانت المسميات التي تطلق عليها، سواء سميت «لجان أمنية» أو «لجان شعبية» أو حتى مجرد «لجان اسلامية» أو «جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». وهذا الحظر المطلق لهذه الميليشيات واللجان، قد ورد النص عليه صراحة في المادة «86» من قانون العقوبات التي نصت على أنه «يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون، كل من استخدم القوة، أو العنف، أو التهديد أو الترويع يلجأ اليه الجاني، تنفيذاً لمشروع إجرامي، فردي أو جماعي، يهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، اذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص، وإلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم، أو حرياتهم، أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالاتصالات والمواصلات، أو بالاموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين واللوائح. ويعد هذا النص تنفيذاً لما ورد بالمادة 35 من الدستور المذكور التي تنص على أنه «فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقييد حريته بأي قيد، إلا بأمر قضائي مسبب.. الخ!!» ويؤكد الحظر المطلق لهذه الجماعات أياً كانت مسمياتها وأنها ليست أبداً حالة من حالات الضبطية القضائية للأفراد العاديين، إن النيابة العامة قد أذاعت «بيانا ثانيا»، أكدت فيه انها لا تقصد بيانها الأول، إنشاء وادارة هذه اللجان أو الجمعيات المسلحة لمطاردة والقبض على المجرمين بدلاً من الشرطة، كما أعلنت ذلك الداخلية أنها لا تقبل بأية صورة وجود هذه اللجان أو الجماعات!! وليس ثمة شك في أنه لو قام حزب أو جماعة سياسية أو دينية بتشكيل هذه الميليشيات بحجة القبض على المجرمين بدلاً من الشرطة فإنه سوف تقوم الاحزاب والجماعات السياسية الاخرى المنافسة بانشاء هذه المنظمات المحظورة ويعرض ذلك البلاد الى الصدام بالعنف فيما بينها، نتيجة للتنافس السياسي، ومن ثم تدخل مصر في عصر «حرب أهلية» بالشوارع مثل لبنان والصومال!! الخ وهذا ما لا يمكن أن يقبله مصري، وقد حدث في الثلاثينيات من القرن الماضي أن شكلت «جماعة الاخوان المسلمين» تنظيما سرياً خاصا بها من شباب تم تدريبه عسكريا، وكذلك فعل «حزب مصر الفتاة» و«حزب الوفد» وذلك تقليداً لما فعله الفاشيون في ألمانيا وايطاليا، وسميت هذه التنظيمات بالجوالة أو «ذوي القمصان السوداء» أو «الزرقاء» ولكن تم حل هذه التنظيمات شبه العسكرية، لأنها محظورة بنصوص دستور سنة 1923 التي حظرت تكوين تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية ولكن الشائع أن اللجان الإخوانية تحولت الى جمعيات مسلحة «تحت الأرض»!! مهمتها حماية التنظيمات الإخوانية ومواجهة الأحزاب المنافسة والشرطة، وتم التغطية على هذه التشكيلات بالجهاد لتحرير فلسطين وبصفة خاصة تأييد المشروع الاسلامي للجماعة، التي تم حلها وحظرها بقرار من النقراشي رئيس الوزراء، ثم بقرار من مجلس قيادة الثورة سنة 1954 بعد أن فشلت محاولة اغتيال الرئيس الراحل عبد الناصر، وقد أكد مؤخراً العديد من قيادات جماعة الاخوان في الأسبوع الماضي كلامياً وبخاصة بعد مظاهرات الجمعة الماضية أمام مقر الجماعة بأنه ليس للجماعة أية ميليشيات عسكرية أو شبه عسكرية، وأن الجماعة تعتمد على حق التظاهر السلمي فقط، وأعلن محمود حسين الأمين العام للجماعة في مؤتمر صحفي منذ أيام بعد الصدام أمام المقر الرئيسي بالمقطم ذلك، ولكنه رغم نفي هذه الجماعة كلامها تشكيل الجماعة للميليشيات فإن الاحداث التي وقعت الأسبوع الماضي والتي تسببت في وقوع العشرات من المصابين حول المقر المذكور يدعو الى الشك في تنظيم الجماعة لهذه الميليشيات، وخاصة أن الأمين العام للجماعة صرح في مؤمر صحفي بضرورة دفاع أعضاء الجماعة عن مقرها بواسطة أعضائها من الشباب!! وقد سادت شائعة بأن الجماعة حشدت مئات من أعضائها مع الأسلحة في مسجد مجاور لمقرها بالمقطم، وهو ما دفع المتظاهرين المعارضين للجماعة وسياساتها الى محاصرة المسجد والاشتباك مع المعتصمين به!! ولذلك فإنه حرصاً على «السلام الاجتماعي» وتأكيداً على الشرعية الدستورية والقانونية بالبلاد يتعين على الشرطة والنيابة العامة اتخاذ الإجراءات القانونية ضد أي جهة أو حزب أو جماعة سياسية تقوم بتشكيل هذه «الميليشيات المسلحة» تحت أي مسمى مادامت تمارس لحساب هذه الأحزاب والجماعات السياسية النفوذ والإرهاب السياسي على المواطنين ويتعين تقديم أعضاء هذه الميليشيات والمسئولين عن تشكيلها وإدارة نشاطها الى القضاء. رئيس مجلس الدولة الأسبق