فى مصر «350» شركة أمن يديرها لواءات متقاعدون من الجيش والشرطة.. والتشريع الجديد يستهدف تقنين الميليشيات. المدلولات السيادية والسياسية والقانونية والشعبية، كلها تؤكد سقوط «الميليشيات الإسلامية» حتى قبل أن تظهر بشكلها الكامل فى الشارع، خاصة بعد التهديدات المباشرة من الجيش والشرطة لأى ميليشيات بأى مسمى من أى قوة، ولمن لا يعرف فإن واضعى الدستور نسوا أنه يعارض أى تشكيلات شبه عسكرية مهما كانت فى مادته «194»، ورغم ذلك يخالفونه كعادتهم منذ أن وضعوه!
فكلما فشل الحزب الحاكم ومعه الأحزاب الدينية فى إحكام سيطرتهم على البلد يلجأون إلى تطويع أو لى نصوص القانون لتمرير مخططاتهم للهيمنة، كانت آخرها استغلال تداعى قوات الشرطة نتيجة تصاعد الاشتباكات وتزايد حدة العنف واتساع دائرة العصيان المدنى فى عدة محافظات بمطالبة أحد أعضاء مجلس الشورى من حزب الحرية والعدالة استصدار قانون خاص لتفعيل شركات الأمن الخاص كبديل عن القوات النظامية الشرطية وتلا ذلك على الفور البيان الكارثة الذى أصدره النائب العام بضرورة تفعيل المادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية الصادر عام 1950 والتى نادى من خلالها بإعطاء حق الضبطية القضائية للمواطنين لأى متجاوز «لص أو قاطع طريق أو بلطجى» رغم تراجعه عنه فيما بعد! وتزامن ذلك مع إعلان الجماعة الإسلامية والسلفيين قيامهما بمهام رجال الشرطة فى ظل الغياب الأمنى وهناك من خرج منهم يهدد ويتوعد، ومنهم من حاول تخفيف التهديد بأنهم يمثلون اللجان الشعبية وعلى الفور دخلت شرطة الميليشيات حيز التنفيذ فقامت إحدى المجموعات الإسلامية بالقبض على ناشطة سياسية تعارض سياساتهم وتحركت المواكب فى مدينة أسيوط لتدشين الميليشيا الشرطية، ولم يمنع تراجع النائب العام عن بيانه استمرار أداء الميليشيات بحجة فرض الأمن! واحتارت الأحزاب الإسلامية فى أى مسلك تسير لتتم لها السيطرة على الشارع المصرى تارة بقانون جديد لشركات الأمن الخاصة وتارة بتطبيق الضبطية القضائية لأفراد بعينها وأخرى باللجان الشعبية، قيام الدنيا وعدم قعودها من معظم المصريين لم تمنع تلك الجماعات من تنظيم ميليشياتهم لفرض السيطرة رغم المخاطر الجسيمة التى ستترتب على انتشار الميليشيات الإسلامية على رأسها الحرب الأهلية! لكن الأخطر أن الإخوان وغيرهم من الأحزاب الإسلامية لم يدركوا رغم استمرار أخطائهم مغبة قراراتهم وغضبة الشعب المصرى. الخبير الاستراتيجى «اللواء محمود خلف» يؤكد لنا أن سوء النية واضح جداً لمن يستدعى قانون من الماضى مضمونه «إمسك حرامى» لاستخدامه فى إطار تقنين الميليشيات، بينما القانون فى حد ذاته يتفق مع التقاليد المصرية فى الأمن بضبط لص متلبس بمسروقات، لكن الأصل فى قانون الإجراءات أن ضابط الشرطة لا يستطيع احتجاز لص دون صحة الضبط ولو تبين للنيابة خطأ فى الإجراءات يمكن أن يعاقب هذا الضابط.. لذلك حاولت تلك الجماعات وضع بدائل أخرى مثل شركات الأمن الخاصة أو عودة اللجان الشعبية.. وبتصورهم امتلاك القوة يقومون إما بتعطيل القانون أو استخدام قانون القوة، لذلك يستخدمون القانون حينما يمكنهم الاستفادة منه ويقومون بتعطيله حينما يتعرض لهم.. لكن فاتهم شىء مهم أن الأصل هو قوة القانون. ويضيف خلف: لمن يدعم الميليشيات أقول: راجعوا المادة «194» من الدستور الجديد الذى وضعوه بأيديهم ونصه «القوات المسلحة ملك للشعب مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، والدولة وحدها هى التى تنشئ هذه القوات، ويحظر على أى فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية».. هذا النص الدستورى أعطى القوات المسلحة التصدى لأى تشكيلات شبه عسكرية ويوجب أخذ جميع الإجراءات لحماية أمن البلاد.. وللعلم فإن حماية الجبهة الداخلية من مهام القوات المسلحة.. ومن سيقول إن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وأن القرار بيده لكن النص الدستورى لم يحدد اسم القائد الأعلى ولكنه ألزم القوات المسلحة بالتصدى وإذا رفض الرئيس يكون قد خالف الدستور علاوة على أن من قوانين القوات المسلحة التعامل مع الميليشيات معاملة العدو. أما عن قانون شركات الأمن الخاصة فيقول الخبير الأمنى اللواء أسعد حمدى إنه لا يوجد قانون بهذا المعنى حتى الآن، ولكن هناك لائحة تنظمها وزارة الداخلية وتعطى التصاريح لإنشاء شركة أمن خاصة بعد أن تتقدم أولاً لهيئة الاستثمار التى تخاطب وزارة الداخلية والأخيرة تعطى الموافقة الأمنية بناءً على تحرياتها عن شركة الأمن الخاصة والقائمين عليها من خلال الكشوف الجنائية وأيضا العاملين فيها.. أما عن استخدام السلاح فيتم استخراج تراخيص حمل السلاح للعاملين بشركات الأمن لحراسة بنك أو مؤسسة أو مقر عمل محدد.. أى أن استخدام السلاح مرتبط بالمنشأة الواجب حراستها ويترك ضابط الأمن السلاح فى نفس المكان المراد حراسته فور انتهاء عمله، ويحمل السلاح أثناء عمليات نقل الأموال ويتم تسليمه فور الانتهاء من عمليات تسليم الأموال. ويصل عدد شركات الأمن الخاصة فى مصر حوالى 350 شركة يقوم على إدارتها لواءات متقاعدون من الجيش أو الشرطة. ويضيف «حمدى» أن محاولة النظام وحلفائه التحايل لإنشاء شركات أمن خاصة تهدف فى الواقع إلى تكوين ميليشيات قادرة على التصدى لأى تظاهرات واضطرابات مختلفة، وذلك لتنفيذ سياسات تلك الأحزاب بخلق وضع قانونى يسمح بممارسة هذه الشركات أو المليشيات المقنعة لمهام العمل الشرطى لوزارة الداخلية وهو ما يمثل خطورة شديدة، لأن القيام بهذا الإجراء ممكن أن يدفع تكتلات سياسية أخرى للقيام بهذا الإجراء مما يخلق قوى أمنية تزيد من انقسام الشارع المصرى.. ويمكن أن يستخدم هذا القانون المزمع استصداره فى منح بعض أعضاء الجريمة المنظمة الصلاحية لارتكاب جرائم كالانتقام الشخصى من بعض الأفراد وارتكاب الجريمة تحت مسمى السماح لهم بأعمال الضبطية. وإذا كان من حق أى مواطن أن ينشئ شركة أمن خاصة فذلك لا يحتاج إلى تشريع بقانون لأن شركة الأمن الخاصة تحمى هيئة بعينها أو منشأة محددة. ويرى حمدى أن الأحزاب السياسية المنتمية للتيارات الإسلامية لديها كوادر شبابية تستطيع القيام بدور تنظيمى لتكوين ما يسمى باللجان الشعبية، فإن أى محاولة إنشاء شركات أمنية واستصدار قوانين تعظم من إجراءاتها ولاسيما فى ظل ما حدث مؤخرًا من تدهور الحالة الأمنية ووجود الانقسام داخل مؤسسة الشرطة وعزوف بعض أعضائها ووحداتها عن المشاركة فى قمع المتظاهرين. لذلك فإن هذه الأحزاب تسعى إلى تقنين وضع ميليشيات لحماية منشآتها التى أصبحت فى خطر الهجوم عليها نتيجة تدنى شعبيتها فى الشارع، وأيضا محاولة معاونة مؤسسة الرئاسة المنتمية إليها لقمع المتظاهرين كبديل للدور الشرطى والقيام بأعمال من شأنها تنفيذ مخططات تلك المؤسسة. وأشار أسعد إلى أن تصريح النائب العام بمنح المواطنين حق القبض على المخالفين والمجرمين ومحاولة تقنين هذا القانون سيؤدى إلى نتائج وعواقب خطيرة لوجود بعض الثوابت منها تدنى مستوى الثقافة فى الشارع المصرى ووجود انقسام سياسى حقيقى ومن يؤيد هذه الفكرة كأنه يعيش فى بلد آخر رغم التراجع عنه.. وكان من الأجدر أن يصدر بيان يدعو المواطنين للإبلاغ فقط عن أى جرائم ترتكب فى حق الوطن لجهات الأمن المختلفة للقيام بدورها فى هذا الشأن.. وأقول لأى جماعة تحاول السيطرة على المصريين إن مصر أكبر بكثير من محاولة تغيير المجتمع المصرى.