لسيناء أهمية كبيرة لمصر عبر التاريخ، فهي تمثل الجزء الآسيوي من مصر أو هي الذراع الآسيوية للجسد المصري الأفريقي، وهي تقع في منطقة الشمال الشرقي حيث أتت عبرها معظم الغزوات التي تعرضت لها مصر في مختلف عصورها ، ولسيناء خصوصية تجعلها ذات طبيعة مختلفة عن أجزاء أخرى في مصر وتحتاج إلى نمط معين في التعامل معها على مختلف المستويات ،فهي منطقة حدودية أقصى حدود مصر ،وهي على مقربة من إسرائيل ما يجعلها مؤثرة في الأمن القومي المصري، كما تعرف سيناء تناقضاً بين العامل الجغرافي والعامل البشري حيث تبلغ مساحتها الجغرافية 61 ألف كم مربع أي حوالي 6% من أجمالي مساحة الإقليم المصري ،بينما لا يتجاوز عدد سكان سيناء (العنصر البشري)550 ألف نسمة أي أقل من 1% من إجمالي سكان مصر، بالإضافة لذلك فإن سيناء لا تتأثر فقط بالقواعد والإجراءات الداخلية (الخاصة بالدولة المصرية)، ولكن تتأثر أيضاً بالقواعد والاتفاقيات الدولية، بحيث يختلط ماهو قومي وماهو دولي، كما أن المجتمع السيناوي وهو جزء أصيل من الدولة الأم يغلب عليه الطابع البدوي، مما يعطيه سمات وخصائص معينة، وإذا كانت حماية سيناء واستعادتها من الاحتلال قد تحققت بالسلام ( معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل)، فإن تنميتها تكون أيضاً من خلال السلام وفي ظله، وخصوصاً إن إمكانيات التنمية وبأبعادها المختلفة متواجدة في سيناء من حيث الموارد والثروات المعدنية والإمكانات السياحية الواعدة وامكانات الإستصلاح الزراعي، فضلاً عن امكانية ايجاد مراكز تجمع سكاني تتيح فرصاً واعدة للعمالة لأبناء الوادي والدلتا ذات الاكتظاظ السكاني. ويلاحظ أنه على الرغم من أهمية سيناء على النحو السابق ايضاحه إلا أنها لم تنل القدر المناسب من الاهتمام من جانب القيادة السياسية لفترة زمنية طويلة نسبيا ،ففي العهد السابق وخلال ثلاثة عقود من الزمان لم توجه درجة كبيرة من الاهتمام إلى سيناء، وربما كان تفسير ذلك عدم توافر الإرادة السياسية الداخلية لهذا الاهتمام، فضلا عن ضغوط (غير معلنة) إقليمية ودولية، وكان التعامل مع سيناء ومشاكلها يغلب عليه الطابع الأمني، وكان محصلة ذلك أن ظلت سيناء تعاني من كافة المشاكل والأزمات التي تعاني منها مصر بصفة عامة، إضافة إلى بعض الأزمات الأخرى الناتجة عن خصوصية المجتمع السيناوي. ولذلك تحتاج سيناء إلى درجة كبيرة من الاهتمام باعتبارها قضية أمن قومي مصري فضلاً عن كونها مشروعا قومياً لمصر تتفق عليه مختلف القوى والأطراف السياسية رغم اختلاف أيديولوجياتها وسياساتها لأن ذلك المشروع يحقق مصلحة مصر وشعبها، كما أن ذلك المشروع الذي يحقق التكامل القومي والإقليمي لسيناء من خلال دمجها في الوطن الأم، مما يساعد على علاج مشاكل سيناء ومشاكل الوطن ومما يساعد على علاج مشكلة الاكتظاظ السكاني في الوادي والدلتا ويساعد على حل مشكلة التخلخل السكاني في سيناء. كما يمكن استزراع مساحات من القمح في سيناء تساعد مصر على الوصول إلى الاكتفاء من هذا المحصول الاستراتيجي، كذلك فإن تنمية سيناء سياحيا وعمرانيا وزراعيا تساعد على معالجة مشكلة البطالة التي تعاني منها مصر وخصوصا لدى الشباب واقامة تجمعات سكانية جديدة في هذا الجزء العزيز من الوطن. ويقصد بذلك تحقيق الارتباط الوثيق بين سيناء والوطن الأم وبين الوطن وجزء عزيز منه دفع الآلاف من المصريين الدماء الغالية لاستعادته من الاحتلال، ويتحقق هذا من خلال وسائل وأدوات متعددة أهمها التعليم والذي يعتبر من أهم الأدوات التي تلجأ اليها الدول لتحقيق الاندماج القومي، بالإضافة إلى دور الأحزاب السياسية في هذا الاندماج والوصول إلى المناطق النائية والحدودية بدلا من الاقتصار على العاصمة والمدن الكبرى، ويضاف إلى ذلك الخدمة بالجيش والشرطة ووصول كافة الخدمات إلى أبناء سيناء بأسهل وأيسر الطرق وربط أبناء سيناء بأجهزة الدولة المختلفة، فضلاً عن دور مهم لأجهزة الإعلام، وخصوصا الرسمية في الوصول إلى المواطن السيناوي وغرس القيم والأفكار والاتجاهات المعبرة عن المواطنة والتي تأخذ في الاعتبار أيضا خصوصية المجتمع السيناوي ،والتعامل مع تنمية سيناء باعتبارها عملية شاملة ومتكاملة وذات أبعاد متعددة،ويحتاج الأمر أيضا لتحقيق التكامل القومي لسيناء ودمجها في الوطن الأم اهتمام مكثف من أجهزة وهيئات الدولة المختلفة بملف سيناء واهتمام خاص من المراكز البحثية، وذلك على نحو ما قام به مؤخراً المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية من حلقة نقاشية حول «الملف السيناوي بين التهميش والاندماج» وهناك احتياج إلى دراسات مماثلة من أقسام العلوم السياسية في الجامعات المصرية والمراكز البحثية المختلفة المتخصصة في الدراسات السياسية والاجتماعية والانثروبولوجية. وفي النهاية فلنتعاون جميعا لكي نجعل من سيناء مشروعاً قومياً لمصر الجديدة ،ذلك المشروع الذي يساعد على علاج مشاكل المجتمع السيناوي، ويسهم في علاج مشاكل الوطن الأم في مرحلة مهمة ودقيقة من مراحل تطوره السياسي،تلك المشاكل التي تتداخل فيها مجموعة من الاعتبارات التنموية والسياسية والاستراتيجية فضلاً عن اعتبارات الأمن القومي المصري. أستاذ العلوم السياسية