أرض الفيروز، مهد الديانات، مدينة السحر والجمال، إنها محافظة شمال سيناء، تلك البوابة الشرقية التى دخل منها الغزاة على مر التاريخ، ومع ذلك لا نتعلم من هذا التاريخ ولو حرفًا واحدًا، بالرغم من أهمية الموقع الاستراتيجي للمحافظة إلا أن الدولة غابت عن كل شبر فيها، فنقص الخدمات حدث ولا حرج إلى أن تحولت إلى أرض خصبة جاذبة لكل فكر متطرف يكن العداء للآخر والعنف ولا يؤمن بالحوار. تفتح "البديل" ملف محافظة شمال سيناء لتتعرف على مشكلات المحافظة من كافة الجوانب الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية، وما هى الحلول والاقتراحات التى تمكن من الخروج من أزمة سيناء، فى ضوء الدراسة التى أعدها المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية حول أزمة سيناء فى ضوء ما قدمته الصحف المصرية بعد حادث رفح ومقتل أكثر من 16 شهيدًا. أهالى سيناء: "لا وجود للدولة.. وغياب (للصرف – مياه الشرب- المدارس – الكهرباء). يقول بكر سويلم - رئيس جمعية تنمية المجتمع بالجورة – شمال سيناء: أهم المشكلات التي تواجه المحافظة هو حرمانها من الخدمات الأساسية، فنجد قرى تقع بمدينة الشيخ زويد مثل نجع شيبانة والعبادى والكيلو 17 وحى السادات والزوارعة، يعيش فيها الأهالى فى تجمعات وكأنهم فى العصور الحجرية، فكلها مناطق تعانى من نقص الخدمات الأساسية التي تؤسس لحياة كريمة لأى مواطن من غياب توافر البنية الأساسية (مياه شرب – صرف صحى – كهرباء – تليفونات )، لذا نطالب بتواجد الدولة في هذه المناطق بتوفير مياه الشرب النقية وصرف الصحي وسوق تجارى وبناء المدارس ومراكز الشباب ومستشفى وشبكة اتصالات ومواصلات. وأكد سويلم على ضرورة تنمية المنطقة "ج" التي تضم مركزي رفح والشيخ زويد، لأن هذه المناطق الحدودية تعانى من غياب الخدمات والأمن بسبب اتفاقية السلام التي تقر عددًا محدودًا من قوات الشرطة، فوجب تنميتها بالمواطنين بديلاً عن جذبها للعناصر الجهادية المتطرفة. أما يحيى التيهى - منسق عام بحركة ثوار سيناء - فقال: إن مشكلة شمال سيناء تكمن فى منطقتي رفح والشيخ زويد وليس العريش؛ لأنها تضم نسبة كبيرة من المتعلمين لديهم إمكانية الحصول على فرص عمل بالقاهرة أو أماكن أخرى، بينما منطقة بئر العبد يقترب أهلها من القنطرة والإسماعيلية ويعملون بالتجارة والتبادل مع المحافظات المجاورة، أما رفح والشيخ زويد فتعانى من فراغ أمنى. وأضاف: إن منطقة وسط سيناء - تضم نخل والحسنة والقسيمة - تشكل خطورة من نوع آخر، حيث انعدام للخدمات من صحة وتعليم، وتعيش القبائل فى حرمان من المياه الصالحة للشرب والخدمات الطبية، وتساءل يحيى عن غياب دور الدولة فى استغلال الثروة المعدنية التى تتمتع بها أرض سيناء، حيث يوجد بها 13 خامة معدينة وفيرة كالمنجنيز والرخام والجرانيت والرمال البيضاء، ولا يوجد سوى مصنع للقوات المسلحة ومصنع آخر لرجل أعمال مصرى، أما الدولة فلا مصانع لها لجذب البطالة والأيدى غير العاملة بسيناء. كما أشار إلى خصوبة أراضى وسط سيناء التى تصلح للزراعة، ولكن تظل هذه الأراضى دون استغلال حقيقى من خلال توفير الدولة للمياه والعمل على جذب الاستثمارت. الجانب السياسي: سيناء تمثل بوابة مصر الشرقية التى جلبت أغلب الغزوات أما عن الجانب السياسي يقول د.إكرام بدر الدين - أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة: إن فتح ملف سيناء يعد من أهم الموضوعات المطروحة على الساحة، لأنه متعدد الأبعاد، فمن الناحية السياسية تمثل سيناء أهمية لمصر عبر التاريخ، فهي الجزء الآسيوى لمصر والبوابة الشرقية التى جاءت عبرها كل الغزوات التى تعرضت لها مصر. ويرصد بدر الدين الخصائص المميزة لسيناء والتى يرى أنها ذات طبيعة مميزة، وتحتاج إلى نمط فيه خاص فى التعامل، ومن أهم هذه الخصائص أنها منطقة حدودية تقع على مقربة من إسرائيل، ومن ثم تدخل بها اعتبارات الأمن القومي، بالإضافة إلى التناقض الكبير الذى تشهده سيناء بين الجغرافيا والسكان، فمساحة سيناء تشكل 6% من الإقليم المصري بواقع 61 كم2، إلا أنها تعانى من محدودية للغاية فى تواجد العنصر البشرى - 550 ألف نسمة وفقا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2012. أما عن الخصائص الأخرى يقول د. إكرام: سيناء لا تتأثر بالقواعد والإجراءات التنظيمية للدولة المصرية، بل تتأثر بالاتفاقيات الدولية، ومن ثم يحدث الخلط بين ما هو قومي ووطني وما هو إقليمى ودولي، فحماية سيناء تحققت من خلال السلام والاتفاقية، ومن ثم فتنمية سيناء تأتى عن طريق السلام وليس الحرب. وأشار إلى أن سيناء عانت من مشكلات كثيرة تراكمت عبر عقود، وكان التعامل معها يتم بطريقه خاطئة عن طريق التدخل الأمنى فقط، فلم يحدث دمج حقيقى بين المجتمع السيناوى والوطن الأم - مصر. ويرى د. إكرام أن تحقيق هذا الاندماج يكمن بتطوير المدارس والجامعات والتعليم بشكل عام، بالإضافة إلى الدور المهم الذى تلعبه وسائل الإعلام فى عدم إثارة عوامل الصراع بين أبناء الوطن الواحد، وأن تكف عن تصوير بدو سيناء بأنهم تجار مخدرات وسلاح ليس لديهم انتماء، فضلا عن أهمية دور الأحزاب السياسية فى تركيز جهودها على الأطراف وليس العاصمة والمدن الكبرى فقط، مؤكدًا على ضرورة تعديل الملحق الأمني الخاص بمصر وإسرائيل فيما يتعلق بالمنطقة "ج". - من أهم حلول أزمة سيناء تعيين حاكم مدنى لها. وتقول د. مروة نظير - باحثة بالمركز القومى: من خلال الرصد لعينة من الصحف المصرية - سواء قومية أو حزبية أو خاصة - أرى أن أزمة سيناء تعود لعدة أسباب يربطها خيط مشترك، وهو الإهمال، ومنه تتفرع الأبعاد المختلفة ما بين سياسية ودينية وأمنية وثقافية واقتصادية وقانونية واجتماعية وإعلامية. وأضافت د. نظير: إن البعد السياسي يشمل: إهمال النظام السابق لسيناء، التدخل الخارجي فى شئون البلاد، اتفاقية كامب ديفيد، انشغال المؤسسة العسكرية بالسياسة والصراع على إدارة شئون البلاد. بينما يتمثل البعد الأمني فى تحول سيناء إلى مكان لتجمع البؤر الإرهابية، والبعد الاجتماعي والثقافي كأحد أسباب أزمة سيناء يتمثل فى إهدار حقوق المواطنة لبدو سيناء، وإضعاف الانتماء للوطن والقبيلة خاصة لدى الشباب السيناوى، إضعاف شوكة القبيلة مع أنها تمثل الوحدة الأساسية فى التكوين المجتمعي لسيناء، وضعف شيوخ القبائل فى السيطرة على قبائلهم. وأكدت نظير على أن انتشار الفكر التكفيري بدأ فى ستينيات القرن الماضي ونراه يعود من جديد بتكفير الجيش والشرطة على اعتبار أنهم يحمون دولة الكفار، فى ظل عدم تهيئة الدعاة والأئمة للدعوة فى المناطق النائية وضعف تثقيفهم. أما الحلول السياسية فتتمثل في تعيين محافظ مدني لسيناء مع بقاء أمور الأمن فى يد القائد العسكري للمنطقة، ومنح بدو سيناء المواطنة الكاملة، بما فى ذلك الحق فى الالتحاق بالكليات العسكرية والوظائف الحساسة والتوقف عن اتهامهم بالعمالة للخارج وملاحقتهم أمنيًّا. أما الحلول القانونية التى رصدتها الدراسة فأولى محاورها إعادة النظر فى الأحكام الغيابية الصادرة بحق أبناء سيناء، إيقاف قرار العفو الرئاسي عن المحكوم عليهم ومراجعة قواعد الإفراج أو العفو عن الجهاديين، إصدار تشريع جديد يمنع تمليك الأراضي فى سيناء لغير المصريين، وعلى المستوى الدولي لا بد من الاتجاه نحو إعادة صياغة لاتفاقية كامب ديفيد وخاصة الملاحق الأمنية بما يضمن وجود قوات للجيش المصري فى سيناء بصفة دائمة فى المنطقة "ج" التى تعد أبرز مناطق الفراغ العسكري. - الشق الأمنى: فرص التنمية تتحقق فى حال السيطرة على الانفلات الأمنى والجماعات الجهادية يقول العميد وائل الدغيدى – خبير أمنى بالمخابرات العامة: إن تهميش سيناء جاء مثل تهميش الصعيد والريف وأغلب المحافظات التى تبعد عن العاصمة، وكان يرتبط بالمركزية الإدارية والمالية التى سادت فى المرحلة السابقة، والخروج من هذه الأزمة لن يتحقق إلا من خلال "ثلاثة عين" العمل – العدل – العلم، فالعدل سيحقق الأمن فى هذه المنطقة الحدودية، والقضاء على الأمية والجهل يساعد على هدم الأفكار المتسمة بالتطرف، وسوف يؤدى الأمر بالضرورة إلى الحلقة الثالثة، وهى العمل الذى يحتاج إلى منظومة إدارية ناجحة تساعد على جذب الاستثمارات الزراعية والصناعية والتجارية لتنمية المجتمع السيناوى والمصري بشكل عام. - الشق التنموى. التنمية الاقتصادية.. بحيرة البردويل وزراعات الزيتون من أهم مصادر التنمية الاقتصادية. يختلف د. خيرى حامد العشماوى - أستاذ الاقتصاد الزراعى بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية والمدير التنفيذى لمشروعات التنمية الزراعية الصغيرة بشمال سيناء - مع العميد الدغيدى، مؤكدًا أن التهميش الذى عانت منه سيناء فى الفترة السابقة كان متعمدا، فهناك غياب للإرادة السياسية الهادفة إلى صنع التغيير للأفضل، لأنه بالرغم من أن المشروع القومى لتطوير سيناء بدأ منذ التسعينيات، إلا أن المساحة المزروعة حتى الآن هى 175 ألف م2 فقط من إجمالى 2.6 مليون م2، رغم أن الاستثمارات التى تم توجيهها إلى سيناء لإنشاء ترعة السلام كانت تهدف إلى زراعة 420 ألف فدان، ولكن حتى الآن ترعة السلام لا يوجد بها نقطة مياه واحدة. أشار العشماوى إلى أهمية توجيه الجهود نحو مشروع زراعات الزيتون، لأنه يقابل بمشاكل فى عملية التسويق، لذا لا نستطيع حتى الآن تسويق زيت الزيتون السيناوى عالميا، رغم أنه مطلوب بشدة، وذلك لعدم قدرة مكاتب التمثيل التجارى على القيام بهذا الدور. أما عن بحيرة البردويل يقول العشماوى: أثناء الاحتلال الإسرائيلى كانت بحيرة البردويل تستغل لتصدير الأسماك للخارج، على عكس استخدام مصر للبحيرة بعد استرداد الأرض، فلا يوجد أى اهتمام بذلك الساحل الكبير. - الصندوق الاجتماعى للتنمية. قال د. محمد نادر - مدير التدريب بالصندوق الاجتماعى للتنمية: إن الصندوق يسعى إلى تنشيط المشروعات الصغيرة بالقطاعين الزراعى والسمكى باعتبارها الأكثر إلحاحا على قائمة الخطط التنموية التى تتوجه إلى سيناء نظرا لنتائج النجاح التى تتحقق من خلالهم. وأشار إلى أن الصندوق سيدفع بتمويله نحو مشروعات المرأة السيناوية التى تتميز بخصوصية وتنوع فى منتجها السيناوى الذى يحظى بإقبال عالمى. - الرؤية الجنائية والاجتماعية. ترى د. عزة كريم - أستاذ علم الاجتماع والمستشارة بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية - أن المشروعات التنموية التى أقامتها الدولة بشمال سيناء كانت تقليدية ولم تراعى خصوصية المجتمع السيناوى وتقاليده وقوانينه العرفية، فالقانون الوضعى يجرم المخدرات، ولكن القانون العرفى يحمى الشخص الذى يزرع أو يتاجر بالمخدرات. وأشارت إلى أن هذه الأسباب هى التى فسرت لنا نتائج الدراسة الميدانية التى قمنا بها عام 2000 حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لمجتمعات منشأ النباتات غير المشروعة، وتهدف الدراسة إلى وضع سياسة تنموية تحد من التعامل مع الزراعات غير المشروعة لضمان مصدر دخل اقتصادى دائم يدفع أهالى سيناء إلى تعديل سلوكهم والاتجاه بعيدًا عن زراعة المخدرات. وأضافت: هذه الظروف الاقتصادية الطاحنة التى يعيش تحت وطأتها المجتمع السيناوى كانت دافعًا كبيرًا لزراعة المخدرات باعتبارها مورد أساسى للدخل. وأشار د. عبد السلام محمد - باحث بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية – إلى أن المركز يهتم بالملف السيناوى منذ عام 1986، ولكن المشكلة تكمن فى صانع القرار الذى لا يستند إلى أى رؤية علمية فى طرح خطط التنمية بسيناء، ودائما نجده يستند إلى فكر تنموى قائم على رؤية أحادية وليس رؤى علمية، حتى الأجهزة الأمنية شديدة العمق بسيناء لا تستند إلى العلم فى مواجهة مشاكلها الأمنية. وأضاف عبد السلام: إن المركز لا يهتم بالتركيز على إبراز خصوصية المجتمع السيناوى بل يهتم بإبراز التشابهات بين المجتمع السيناوى والمصرى عموما، بالإضافة إلى خلق حلول غير نمطية تشترك فيها من أرض الواقع القبائل والحركات للوصول إلى اتفاقات حول خطط التنمية. وأرجع محمد أسباب عرقلة خطط التنمية بشمال سيناء رجال الحكم المحلى، لأنهم ساهموا فى خلق هوة ثقافية واجتماعية بين المجتمع السيناوى وباقى أجزاء الوطن جراء تلك النظرة المتعالية ضدهم، والتى تدعمها فى نفس الوقت ممارسات قوات الأمن ضدهم، ليكون الملاذ الوحيد لتحقيق التنمية بشمال سيناء هو الاعتماد على الدراسات العلمية التى يقوم بإنجازها كل من مركز البحوث الجنائية ومركز بحوث الصحراء. - أهالى سيناء: لا وجود للدولة، وغياب تام للبينة الأساسية - ضرورة مراجعة الملحق الأمنى لاتفاقية السلام لسد الانفلات الأمنى بالمنطقة "ج" - أزمة سيناء لن تحل إلا بحاكم مدنى، ومنح البدو حقوقهم فى المواطنة الكاملة - هناك تهميش متعمد من الأنظمة الحاكمة لشمال سيناء - ضرورة التوقف عن البلطجة الإعلامية وتشويه صورة البدو - صانع القرار يعتمد على رؤية أحادية فى توجيه خطط التنمية بسيناء دون أى منهج علمى وسيكون مصيرها الفشل