خلال تعاقب عقود من نظم الحكم التي حلت علي مصر منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952، عرف المصريون نوعا من الابتزاز يقع عليهم من جانب الحكومات وجهات إدارتها سواء بقانون أو غير قانون!، وظل هذا الابتزاز الحكومي يقع علي المصريين بقوة أجهزة الدولة وقمعها بحيث يمتثل المواطن للابتزاز ويقدم المطلوب منه - سواء كان المطلوب نقديا أو عينيا - بدافع الخوف وحده من التعرض للتنكيل!، وكانت الحكومات المتعاقبة تفرض ما تشاء من رسوم أو ضرائب تذهب إلي خزانة الدولة في بعض منها، أو يذهب بعضها الآخر إلي الجهات مباشرة، حيث تركت الجهات تمول احتياجاتها ومكافآت بعض موظفيها من جيوب المواطنين!، ولست أجد بي حاجة إلي أن الرشوة تفرض علي المواطنين من جانب موظفى جهات الإدارة، كلما كانت للمواطن حاجة في هذه الجهات!، فقد أصبح هذا شائعا في ظل كل الحكومات المتعاقبة وحتي يومنا هذا!، بل أصبح هناك نوع من التبرعات الإجبارية التي لا اختيار للمواطن في قبولها أو رفضها مثل أن تطبع جهات ما يسمي «طوابع معونة الشتاء» مازال يوزع منها حتي الآن في كثير من الجهات علي المتعاملين معها!، مقابل إنهاء خدمات مختلفة واعتمادات لبعض الأوراق!، ويدفع المواطن قيمة حزمة من هذه الطوابع، ولا يملك أن يناقش التواريخ علي هذه الطوابع!، وكيف توزع وقد أصبحت غير صالحة للتوزيع فهي منتهية المدة!، وهذا غير الكثير مما هو يندرج تحت باب «الابتزاز» الذي لا يليق بالحكومة فما البال بالأفراد!. وقد عمدت الحكومة من سنوات طويلة إلي إدراج رسوم نظافة في فاتورة استهلاك الكهرباء!، وهذه تحصل مقابل نظافة الشوارع والمنازل، التي تترحم حتي اليوم علي زمان كانت قمامة المنازل تجمع من المساكن لقاء مبلغ زهيد يدفع شهريا يدا بيد لجامع القمامة، الذي كان حريصا علي الانتظام في القيام بعمله وإلا فقد ما يدفعه سكان أي عقار بشققه ومحلاته التجارية!، وما أن فرضت الحكومة رسوم جمع القمامة علي فاتورة الكهرباء حتي أصبحت القمامة متراكمة في العقارات كما في الشوارع!، ومن يطمع في إجلاء قمامة مسكنه عنه، فليس أمامه إلا أن يدفع صاغرا لمن يجمعها دون أن يعرف ساكن العقار أسباب هذا التحصيل المزدوج من جانب من يجمع قمامة منزله، وفاتورة الكهرباء التي تحمل «الجباية» الثابتة للنظافة، وبعد ثورة 25 يناير 2011 وجدت البعض من المواطنين يلجأ إلي نوع من «الابتزاز» أراه ليس غريبا من مواطنين وراءهم «تراث» من الابتزاز الحكومي الذي طالما تعرضوا له ولا يزال!، فكأن الدور قد جاء علي هؤلاء لممارسة الابتزاز إذا ما تراءي لهم أنهم أصحاب حق لدي الحكومة!، فقد طالعت الأخبار التي أفادت بأن أصحاب «البازارات» التي يستأجرونها في معابد الكرنك الأثرية بالأقصر قد عمدوا إلي إغلاق المعبد في وجه السائحين!، بعد أن تلقي أصحاب البازارات - بعضهم وليس كلهم - إنذارات بالطرد وصدور أحكام قضائية بطردهم لعدم تمكنهم من سداد قيمة إيجارات بازاراتهم!، وأن هناك في الطريق احتمال طرد مستأجري عدد 101 بازار آخر لعجزهم عن دفع الإيجارات بسبب الركود في القطاع السياحي!، مما حدا بهؤلاء المستأجرين إلي أن قرروا إمهال الحكومة لحل مشاكلهم والاستجابة لمطالبهم، وهم يعلقون تأجيل قرارهم بغلق المنطقة أمام السياح منذ يوم الخميس، وتأتي تهديدات غلق معبد الكرنك أمام السياح بعد أيام من إعادة فتح مناطق وادي الملوك ووادي الملكات ومعبد الملكة حتشبسوت أمام السياح بعد إغلاقها من جانب المستأجرين في غرب الأقصر!، وما الذي أراه غير نوع من أنواع الابتزاز!، فما العلاقة بين معابد مصر الأثرية ومناطقها السياحية بنزاع بين مستأجري محلات وجهات حكومية!، وهو نزاع أظن أن تسويته لها سبل أخري غير إغلاق مناطق أثرية يأتي لها السياح من أنحاء العالم!.