استطاعت الدبلوماسية المصرية أن تضرب مثالاً يُحتذى به فى الدفاع عن حقوق الأشقاء العرب فى أزماتهم على مرّ التاريخ، وظهر هذا جليًا خلال الهجمة الشرسة التى شنّها الاحتلال الإسرائيلى مؤخرًا على قطاع غزة، حيث دعّمت مصر فلسطين لإعادة إعمار غزة ب500 مليون دولار، كما أرسلت القوافل الطبية والغذائية إلى الأشقاء عبر معبر رفح البرى، بالإضافة إلى فتح المستشفيات المصرية للجرحى والمُصابين الفلسطينيين، وإرسال سيارات الإسعاف إلى الأراضى المُحتلة. أثبتت الدبلوماسية المصرية دورها الحيوى والهام والمؤثر فى المنطقة والعالم أجمع خلال الحرب على غزة، فقد تمكنت مصر من خلال اتصالاتها فى وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلى والفصائل الفلسطينية، وكذا أرسلت وفودها الأمنية إلى الداخل الفلسطينى؛ لمتابعة عملية وقف إطلاق النار، ومساعيها الدائمة لإيجاد حلول للأزمة الفلسطينية. لم يكن الملف الفلسطينى وحده على رأس اهتمامات الدبلوماسية المصرية، بل كانت الملفات العربية كافة مطروحة على الطاولة، وعلى رأسها الملف الليبى ودور مصر فى تكوين جيش وطنى وبناء دولة مؤسسات ودحر الإرهاب، مرورًا بالملف السودانى، وتدعيم الحكومة الانتقالية ومساندتها لتخطى أزمتها ومساعدة الشعب الشقيق بالإمدادات الغذائية والطبية، وكذا موقف مصر مع الأشقاء اللبنانيين خلال أزمة تفجير مرفأ بيروت، فقد كانت مصر من أوائل الدول التى أرسلت القوافل الطبية والمساعدات الغذائية والدوائية، وهذا ما أكده عدد من وزراء الخارجية السابقين، خلال حديثهم ل«الوفد». حسين هريدي: مصر لديها إدارة مُحترفة هدفها الحفاظ على المصالح المصرية ومن جانبه أشاد السفير حسين هريدى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، بدور مصر فى إدارة ملف السياسية الخارجية، خاصة مساعدة الدول الأشقاء فى أزماتهم، مؤكدًا أن مصر لديها إدارة مُحترفة هدفها الأساسى الحفاظ على المصالح المصرية والأمن القومى المصرى، ونجحت فى تحقيق هذه الأهداف. وأضاف هريدى فى تصريح خاص ل«الوفد»، أن القضية الفلسطينية هى قضية أمن قومى مصرى منذ نشأة الدولة العبرية عام 1948، متابعاً «إسرائيل تقع على الحدود الشرقية لمصر، وهذه الحدود تاريخيا كانت مصدر التهديد الرئيسى لمصر وأمن الوادى، أما فى عصرنا الحالى يُطلق عليه الأمن القومى المصرى، فانخراطنا فى القضية الفلسطينية إذا كان من أجل مساعدة الشعب الفلسطينى لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة فهو فى نفس الوقت دفاعا عن الأمن القومى المصرى، وهذا ما نقوم به ابتداء من عام 2007 مع كل عدوان إسرائيلى على غزة، فقد كانت مصر دائما هى الدولة التى ترعى اتفاق وقف إطلاق النار». وأكد مساعد وزير الخارجية الأسبق أن حل مشكلة القضية الفلسطينية يكمن فى التسوية السياسية من خلال حل الدولتين، كما جاء فى قرار مجلس الأمن 15/15 لعام 2003. أما عن سياسة مصر الخارجية بالنسبة للملف السودانى، فأكد السفير حسين هريدى أن مصر ساهمت مع المجتمع الدولى لمحاولة تخفيف المديونية الخارجية للسودان والتى بلغت 60 مليار دولار، مشيرا إلى أن مصر ساهمت من خلال حصتها فى صندوق النقد الدولى وعن طريق تعاونها مع القوى الدولية. وأشار هريدى إلى أن أمن واستقرار السودان من أمن واستقرار مصر، مؤكدا أن مصر لا تتأخر فى تقديم المساعدات للدول العربية أو الأفريقية على مرّ التاريخ. وعن الأزمة الكبرى «الحرب فى ليبيا»، أكد مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن مصر لديها حدود طويلة مع ليبيا تبلغ 1050 كيلومترا، لذلك فأمن واستقرار ليبيا يصب فى الأمن القومى المصرى، لافتا إلى أن وجود حكومة مُعترف بها دوليا وتتمتع بالشرعية فى الداخل الليبى أمر يمس الأمن القومى المصرى، لذا تعمل مصر دائما مع المجتمع الدولى والأممالمتحدة من أجل تنفيذ كافة القرارات الأممية بالنسبة للأمن الليبى، ونحن فى هذا السياق نُساند السلطة التنفيذية المؤقتة فى ليبيا. وأكد هريدى أن السياسة الخارجية المصرية تستند إلى مبادئ ميثاق الأممالمتحدة والتعايش السلمى بين الدول، منوها بأنه منذ تأسيس الأممالمتحدة ومصر تعمل من خلال إعلاء الأمن والسلام الدوليين. واختتم السفير حسين هريدى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، بأن مصر دولة تحترم القانون الدولى وتحترم مبادئ التعايش بين الدول، وهذه المبادئ التى تستلهمها السياسة الخارجية المصرية. السفير محمد حجازى: الدبلوماسية المصرية تتمتع بثقة عالمية.. ودور مصر تجاه الأشقاء مشرّف كما أضاف السفير محمد حجازى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن مصر لعبت دورا هاما ومؤثرا للتوصل إلى وقف إطلاق النار ومسابقة الزمن لحقن دماء أبناء الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة والضفة الغربيةوالقدس، مؤكدا أن الدبلوماسية المصرية تتمتع بثقة ومصداقية لدى طرفى النزاع فى فلسطين، لذا تم التواصل مع أعضاء الحكومة الإسرائيلية وقيادة حركة حماس وغيرها من الفصائل وبالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، مما أسهم فى التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار. وأشار «حجازى» إلى أن جهود الدبلوماسية المصرية ساندتها اتصالات على مستوى القمة التى أجراها الرئيس السيسى فى باريس مع الرئيس الفرنسى ماكرون وبمشاركة 14 رئيس دولة كانوا مشاركين فى مؤتمرى قمة دعم السودان وأفريقيا، وكذلك التواصل مع العاهل الأردنى عبر الاتصال المرئى، بالإضافة إلى تواصل وزير الخارجية سامح شكرى مع العديد من قرنائه خلال أيام معركة غزة ال10، لتؤكد مصر من جديد جدارة دبلوماسيتها ومصداقية حركتها الإقليمية من أجل استعادة الأمن والاستقرار فى المنطقة. ونوه مساعد وزير الخارجية الأسبق بأن مصر انطلقت بمبادرة خاصة وفريدة من نوعها وهى إعادة إعمار غزة عن طريق مساهمتها ب500 مليون دولار، مؤكدا أن هذا الجهد سيكون له تأثير كبير فى جذب المجتمع الدولى لمرحلة من مراحل بناء وإعمار غزة يُمكن أن نُطلق عليها مرحلة «زرع الأمل.. وخلق فرصة مستقبل للفلسطينيين». وتابع «عملية إعمار غزة بريادة مصرية ستكون مقدمة لترسيخ الوضع الداخلى كى يسوده الأمن والاستقرار، تمهيدا لإطلاق علمية سلام ستكون قريبة من رؤية مصر التى تشاركت فيها مع فرنسا والرئيس محمود عباس، للدعوة إلى مؤتمر دولى للسلام يسعى من أجل تحقيق حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدسالشرقية». وأكد أن مصر لا تتأخر عن مساعدة أشقائها فى كل الظروف والمِحن، فقد قدمت مصر للشعب الفلسطينى وما زالت تُقدم قوافل من الإمدادات سواء فى السلع الأساسية أو الأجهزة الطبية أو الوقود، وكذا تم فتح المستشفيات المصرية للجرحى والمصابين من أبناء الفلسطينيين مع إيفاد عدد كبير من سيارات الإسعاف المصرية إلى غزة. واستكمل «العنف الإسرائيلى غير المسبوق الذى أثبت للعالم أجمع فشل استخدام القوة المفرطة فى قهر إرادة الشعوب، وبات على المجتمع الدولى أن يُشارك مصر فى جهود إعادة إعمار غزة من خلال إنشاء صندوق تديره مصر وتُشرف على إنجازاته، بحيث توفر لها الحماية المتوجبة لتنطلق منها بعد ذلك عملية للسلام تسعى لإقامة حل الدولتين، ولعل المسئولية التى تحملتها مصر تعد مؤشرا لباقى البلدان سواء العربية أو الدولية لتحمل المسئولية أيضاً، كما أنه على المجتمع الدولى أن يتحمل أيضاً مسئوليته الضغط على إسرائيل من أجل إطلاق مسار للتسوية للخروج من المأزق المتكرر منذ عام 2009 حتى الاَن، فإذا لم تجد إسرائيل مخرج للأزمة ستستمر دوائر العنف المغلقة التى لم توفر لهم الأمن المنشود». وتطرق مساعد وزير الخارجية، إلى الملف الليبى، حيث أشار فى حديثه إلى أن المسعى المصرى الدائم لأمن واستقرار المنطقة هو نفسه الذى فرض الأمن نسبيا فى ليبيا، مؤكدا أن التدخل المصرى بقيادة الرئيس السيسى، حينما وضع «خط أحمر» لا يمكن تخطيه التزمت كافة الأطراف المتصارعة فى ليبيا بتنفيذ الأوامر، وهذا إن دلّ فإنما يدل على قوة الدولة المصرية وسياستها الخارجية القوية. وأكد أن دور الدبلوماسية المصرية فى ليبيا يتمثل فى وقف إطلاق النار، وإقامة دولة مؤسسات، وإعادة هيكلة وبناء الجيش الوطنى الليبى مع توفير الدعم اللوجيستى المطلوب، بالإضافة إلى المساعدات المصرية لليبيا سواء الغذائية أو الطبية أو على مستوى التدريبات العسكرية المشتركة. أما عن الملف السودانى، فقد أوضح السفير محمد حجازى أن العلاقات «المصرية – السودانية» متنامية بشكل كبير بين البلدين، حيث شاركت مصر فى آخر مشاهد تعزيز العلاقات خلال قمة دعم المرحلة الانتقالية فى السودان التى أقيمت فى باريس الأسبوع الماضى والذى شارك فيها الرئيس السيسى، لتأكيد دعم مصر ومساندتها للسودان، استكمالا لجهد مصرى متصل على كافة الملفات. واختتم مساعد وزير الخارجية الأسبق أن السودان باتت على مشارف عملية إصلاح اقتصادى، ومصر جزء لا يتجزأ من نجاحها؛ بفضل مشروعات البنية التحتية الكبرى: كالربط الكهربائى والسكة الحديدية وتطوير الموانئ البحرية والنهرية والعمل المشترك من أجل تعزيز القدرات العسكرية بين البلدين.