وزيرة الهجرة: نستعد لإطلاق صندوق الطوارئ للمصريين بالخارج    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الاثنين 6 مايو 2024    استقرار أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الإثنين بالتزامن مع شم النسيم    البحيرة: رئيس كفر الدوار يتابع الاستعدادات لبدء تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء    نصائح للمواطنين لتفادي مخاطر قطع الكهرباء على الأجهزة الكهربائية.. فيديو    عاجل| المخاطر الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط تقفز بأسعار النفط عالميا    يلين: معدلات التضخم تحت السيطرة، وهذا أكبر تهديد للاقتصاد الأمريكي    مصدر مطلع: البيت الأبيض متخوف من تأثير عملية كرم أبو سالم على صفقة الرهائن    حزب الله اللبناني يقصف مقر قيادة فرقة الجولان الإسرائيلية بعشرات الصواريخ    الرئيس الصيني يلتقي ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية في باريس    أوكرانيا: تدمير 12 طائرة مسيرة أطلقتها روسيا خلال 24 ساعة    نجم الزمالك يطالب بإقالة جوميز.. تفاصيل    محمد هاني يعود إلى تشكيلة الأهلي أمام الاتحاد السكندري    جدول مباريات اليوم.. مباراتان في الدوري المصري.. قمة السعودية.. وختام الجولة في إنجلترا    شم النسيم.. سيولة مرورية بميادين القاهرة والجيزة    بالفيديو.. مدير عام حدائق الحيوان: إقبال جماهيري كبير مع بداية يوم شم النسيم    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    قبل الامتحانات.. ما مصادر التعلم والمراجعة لطلاب الثانوية العامة؟    "ماتنساش تبعت لحبايبك وصحابك".. عبارات تهنئة عيد الأضحى المبارك 2024 قصيرة للأحباب    لمواليد برج العذراء والجدي والثور.. ماذا يخبئ مايو لأصحاب الأبراج الترابية (التفاصيل)    مع الاحتفال بشم النسيم.. «الصحة» تحذر المواطنين من تناول الفسيخ والرنجة    في يوم شم النسيم.. رفع درجة الاستعداد في مستشفيات شمال سيناء    فيلم السرب يواصل تصدر شباك التذاكر.. حقق 4 ملايين جنيه في 24 ساعة    تحذير: احتمالية حدوث زلازل قوية في الأيام المقبلة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 6 مايو    وسيم السيسي يعلق علي موجة الانتقادات التي تعرض لها "زاهي حواس".. قصة انشقاق البحر لسيدنا موسى "غير صحيحة"    موعد وقفة عرفات 1445 ه وعيد الأضحى 2024 وعدد أيام الإجازة في مصر    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    أحوال جوية غير مستقرة في شمال سيناء وسقوط أمطار خفيفة    حمادة هلال يكشف كواليس أغنية «لقيناك حابس» في المداح: صاحبتها مش موجودة    أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير    «القاهرة الإخبارية»: 20 شهيدا وإصابات إثر قصف إسرائيلي ل11 منزلا برفح الفلسطينية    «بيتمشى في الملعب ومعندوش قلب خالص».. ميدو يفتح النار على نجم الزمالك    إلهام الكردوسي تكشف ل«بين السطور» عن أول قصة حب في حياة الدكتور مجدي يعقوب    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    من بلد واحدة.. أسماء مصابي حادث سيارة عمال اليومية بالصف    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. مجدى عاشور مستشار مفتى الجمهورية : الإسلام لا يعرف الوصاية
نشر في الوفد يوم 10 - 03 - 2021

فتوى بتحريم الانتماء للإخوان.. و«أولاد البنا» يتخذون الدين وسيلة للمناصب السياسية
«حروب الجيل الخامس» تهدف إلى زعزعة استقرار المجتمعات وهزّ ثقة المواطنين فى رموز الدول
مرصد عالمى لرصد ظاهرة «الإسلاموفوبيا».. وبرنامج لتدريب الأئمة على الفتوى
إطلاق تطبيقات للفتوى بأجهزة الهواتف الذكية ووحدة للرسوم المتحركة رداً على الفتاوى الشاذة
لابد من سن تشريع قانونى ينظم عملية الفتوى بالتعاون مع الجهات المختصة
يجب التعامل مع التراث بدون تهويل أو تهوين.. والنقد البنّاء يبنى ولا يهدم
الشائعات تثير البلبلة بين الناس.. والاستماع لها سمة المنافقين وضعاف النفوس
يتميز الدكتور مجدى عاشور مستشار مفتى الجمهورية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية بأنه داعية مستنير وفقيه بالغ الحجة، اتخذ من الدعوة سبيلا للتيسير بعيدًا عن التعسير، وهو فى الوقت ذاته صاحب فكر إسلامى معتدل ورؤية إسلامية صادقة ترجمها فى مؤلفاته وأبحاثه وبرامجه.
نال برنامجه الأشهر «دقيقة فقهية» استحسان الجميع، كما أسهم فى إيصال العلوم الفقهية إلى عقول البسطاء من الناس عبر كتاباته ولعل أبرزها كتاب «أصل سيدنا النبى مالوش زى» الذى يؤكد أن هذه المقولة هى حقيقة ومبدأ وقاعدة ومنطلق وفلسفة، محاولاً فى هذا العمل توجيه الشباب وأبناء الوطن إلى القدوة الحقيقية حينما يفتقدون القدوة.
يسعى مستشار مفتى الجمهورية إلى أن يتناول القضايا الفقهية بطريقة سهلة التناول فى العرض والمعالجة والخلاصة، مما جعله صاحب منهج ربانى يمتلك رصيدًا فى قلوب القراء والمشاهدين لبساطة أسلوبه وسلامة منهجه.
«الوفد» التقت الدكتور مجدى عاشور أمين الفتوى بدار الإفتاء، وهذا نص الحوار.
من خلال خبراتكم الدعوية.. ما أبرز التحديات والمخاطر التى تواجه الأمة الإسلامية وما السبيل للخروج من أزماتها؟
عند التأمل فيما تواجهه الأمة من تحدياتٍ نجد أنها ليست كلها جديدة تمامًا، فقد بدأ بعضها فى الظهور فى العقود والقرون الماضية، وبعضها حدث مؤخرًا، ويمكن أن أجملها فى تحديات داخلية أربعة، هي: التسطيح الثقافى والدينى، والإرهاب، التراجع الحضارى، أما التحديات الخارجية فتتلخص فى ظاهرة «الإسلاموفوبيا» بمعنى: الخوف من الإسلام فى بلاد غير المسلمين خاصة بلاد الغرب، وصدام الحضارات، والعولمة.
وفى رأيى أن السبيل المختصر فى الخروج من هذه الأزمات داخلية وخارجية يكون فى عزيمة الأمة وتوفر إرادتها القوية للحياة، فليس أمام المسلمين أفرادًا ودولًا خيار غير خيار العلم والعمل والتقدم ومشاركة الأمم الأخرى فى مسيرة الحضارة والعمران!
الرئيس «السيسى» دعا فى أحد خطاباته إلى تصحيح صورة الإسلام فى الخارج، فماذا قدمت دار الإفتاء من أجل توصيل رسالة الإسلام الصحيح؟
لا شك أنها مبادرة ضرورية تظهر عمق وعى القيادة السياسية بطبيعة التحديات الراهنة وجسامتها، ولذا حرص فضيلة المفتى الدكتور شوقى علام على تصحيح صورة الإسلام فى الخارج وأولى هذا الملف أهمية كبيرة، انطلق منها من ضرورة تحسين صورة الإسلام والمسلمين بالعمل قبل القول وتعزيز التواصل مع المجتمعات المسلمة مع بذل جهود متنوعة لمعالجتها ومواجهة الظواهر السلبية التى تعوق حياتهم كالإسلاموفوبيا وخطابات الكراهية تجاههم وفق صحيح الإسلام وسماحته.
وتظهر جهود دار الإفتاء فى هذا الاتجاه من خلال عقد فضيلة المفتى اللقاءات والمقابلات مع أولى الرأى والمسئولين فى البلدان المختلفة، وإنشاء المراصد المتخصصة لرصد مستجدات الأحداث والقضايا التى تطرأ على أحوال المسلمين فى الخارج، ثم إصدار الأحكام الشرعيَّة التى تراعى تعايش هؤلاء واندماجهم مع مجتمعاتهم، ومما يذكر فى ذلك مبادرة دار الإفتاء بإنشاء أول مرصد عالمى لرصد ظاهرة الإسلاموفوبيا من أجل تحليل الأحداث والأسباب والنتائج الكائنة مع هذه الظاهرة باعتبارها تمثل الوجه الآخر لظاهرة التطرف الدينى.
كما يتم تقديم كل أشكال الدعم العلمى والشرعى من خلال برنامج تدريب الأئمة والمتصدرين للفتوى على مهارات الإفتاء، فضلًا عن التدريب العملى على كيفية إنشاء مؤسسات إفتائية لتكون الفتوى دائمًا تحت أيدى المتخصصين ذوى المنهج الحضارى الوسطى المعتدل، وبعيدًا عن تسلط ذوى الأفكار الشاذة والمتطرفة.
كيف تواجه دار الإفتاء ظاهرة فوضى الفتاوى وهل آن الأوان لقانون ينظم عملية الفتوى؟
لا شك أن الفتاوى التى تصدر عن غير القائمين بالفتوى تثير البلبلة فى المجتمع، وتساعد على إشاعة الفرقة والاختلاف واختلاط المفاهيم والأمور الشرعيَّة.
من أجل ذلك كله يستدعى النظرُ والعقل والعلم والحكمة والواقع قصرَ الفتوى على أهلها، المشهود لهم بالكفاءة والجدارة؛ تحقيقًا للأمر الوارد فى قوله تعالى: «وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أولى الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» (النساء: 83).
والملاحظ فى الآونة الأخيرة أن هناك يقظة فى مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية خاصة مجلس النواب الذى بادر فى اقتراح ودراسة تشريع ينظم عملية الفتوى، ونتضامن معهم فى هذه المبادرة والتى تقضى بضرورة عمل لائحة ميثاقِ شرفٍ للفتوى تتضمن الأُطُرَ القانونيةَ والإجرائيةَ للتصدِّى لفوضَى الفتاوى، وإصدار ما يلزم من تشريعات تنظم عملية الفتوى، بالتعاون مع الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية والجهات المختصة، ولا شك أن هذه مبادرة نادت بها عدة مؤتمرات دولية آخرها مؤتمر دار الإفتاء المصرية العالمى الأول المنعقد فى أغسطس عام 2016م.
لكن البعض يرى أن قصر الفتوى على أشخاص بعينهم هو نوع من الوصاية مرفوض فكيف يمكن الرد على هذا الطرح؟
من الأمور البديهية أن الإسلام لا يعرف الوصاية ولا يصح اتهامه بالحجر على الرأى؛ لأنه دين لا يعتبر حرية الرأى حقًّا مباحًا من حقوق الإنسان فقط بل هو من الواجبات الشرعيَّة ما دام جاء وفق ضوابطه المنهجية كالتحرى فى مقدماته وفى مسالكه وإرادة النفع العام ومراعاة الصدق فيه والحسنى فى الدعوة والإقناع.
بالإضافة إلى أن حرية الرأى والتعبير مكفولة لأفراد المجتمع بموجب الدستور والقانون، ومثل هذا القانون إذا روعيت فيه الضمانات والضوابط التى نص عليها العلماء فيمن يحق له التصدر للفتوى لا يكون فيه نوع وصاية ولا يحد من حرية الرأى والتعبير بقدر ما يُعَظِّم الاستفادة من هذا المجال الحيوى وعدم استخدامه فى الهدم والتجريح أو لأجندات خاصة أو رؤى قاصرة.
هل تسعى دار الإفتاء لإيجاد صيغة مشتركة مع وسائل الإعلام لضبط الخطاب الإعلامى؟
هناك تواصل مستمر ومثمر مع وسائل الإعلام بصورها المختلفة فيما يخص الخطاب الإفتائى التى تعبر عنه دار الإفتاء المصرية، وفى ضوء ذلك تتم الاستعانة بعلماء دار الإفتاء المصرية فى برامج متنوعة عبر الوسائل الإعلامية المختلفة.
هل حققت دار الإفتاء نجاحًا ملموسًا فى مواجهة الفكر المتطرف إلكترونيًا وكيف ترى تأثير وسائل التكنولوجيا والتواصل الاجتماعى فى تضليل فكر الشباب؟
لا يخفى أن تأثير هذه الوسائل واسع، ولذا تقوم المؤسسات المختلفة ببذل جهود مضنية للتصدى لهذه المشكلة الخطيرة، وإن كانت تلك الجهود قطعت شوطًا كبيرًا فى سبيل التصدى لتلك الفوضى، إلا أنه ينتظرهم المزيد.
وفى هذا الإطار قدمت دار الإفتاء المصرية عددًا من المبادرات الرائدة كمؤسسة دينية، حيث تم عمل دورات للباحثين وأمناء الفتوى على مهارات التواصل، وتم أيضاً تطوير أدوات التواصل فى إدارات دار الإفتاء الشرعية كإدارة الهاتف، والفتوى الإلكترونية والفتوى الشفوية وفق التقدم التكنولوجى المعاصر، كما تم إطلاق البوابة الإلكترونية والبث المباشر لعددٍ كبيرِ من علمائها عبر منصة الفيس بوك بصورة يومية، وإطلاق تطبيقات للفتوى على أنظمة «أندرويد»، و«آى أو إس» لأجهزة الهواتف الذكية.
كذلك استحدثت دار الإفتاء وحدة إدارية تقوم على إنتاج الرسوم المتحركة «موشن جرافيك» للرد على الفتاوى الشاذة والآراء المنحرفة بأسلوب سلسٍ ومبسطٍ يجذب انتباه جميع الفئات العمرية، وعلى المستوى الخارجى.
هل يمكن فى رأيكم وضع رؤية حضارية للاختلاف البشرى بصفة عامة، ونظرية لإدارة الخلاف الفقهى فى الفكر الإسلامى بصفة خاصة؟
بخصوص الرؤية الحضارية للاختلاف بين البشرية بصفة عامة لا بد أن تنطلق من ضرورة توجيهه ليكون اختلاف تنوع وتعدد وإثراء، وليس اختلاف تناقض وصراع وعنف وإراقة دماء.
وذلك من خلال مراعاة مقتضيات الدائرة الواسعة التى تجمع كل إنسان فى محيطها بناء على الهوية الإنسانية بما تحويه من فطرة وقِيَم، فإن كان شريكا معنا فى الوطن فسوف تتداخل دائرة ثانية تقرِّبه منا وهى «دائرة المواطنة والهوية الوطنية» بما فيها من وطن ولغة وعادات وثقافة مشتركة، وإن أضيف إلى ذلك كونه من ذوى الديانات السماوية زادت دائرة أخرى من القواسم المشتركة وتوطدت العلاقة واللُحْمَة معه وصار يجتمع معنا فى أشياء من الأمور الدنيوية ومثلها من الأمور الأخروية، ولكل من هذه الهويات المتداخلة حقوق ومسئوليات يجب مراعاتها عند التعامل فى داخل الوطن وخارجه.
إن من مظاهر رحمة الله تعالى بالخلق أن نوَّع فى خَلْقهم البيولوجى العضوى، كما قال سبحانه: «وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ أن فِى ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ» (الروم: 22)، وكذلك من رحمته سبحانه اختلاف العقلاء منهم فى التفكير والمنهج والاعتقاد والديانة، وفيه قال تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ
النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (هود: 118، 119)، وهذه سُنَّةٌ كونية ربانية يقوم عليها الكون، وهى سنة حاكمة ودائمة فى الخلق إلا أن يشاء ربى شيئا، ومن ثم يجب التعامل مع هذا القانون الربانى بإيجابية، وبما ينفع الخلق ويهذب النفس ويدعو إلى التعايش والتعاون والتكامل فيما فيه مصلحة هؤلاء العقلاء على الأقل فى الدنيا والأكمل فى الدنيا والآخرة.
كما أن ديننا الحنيف لا يُكْرِه أحدًا على الدخول فيه، حيث يقول تعالى: «لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَىِّ» (البقرة: 256)، بل أُمِرْنا أن نكرم اللاجئ إلينا وأن نكون ملاذًا له، وإن شاء عرضنا عليه ديننا ليتعلم شيئا جديدًا لم يصل إلى مسامعه قبل ذلك، دون جَبْرٍ أو إكراه، فإن وَجَدَ فيه بُغْيتَه دخل فيه، وإلا فلنتركه وما يريد، مع اصطحابه حتى يصل إلى المكان الذى يأمن فيه على نفسه وكرامته وماله، وهو ما جاء مُحْكَمًا وفى غاية الوضوح والنقاء فى قوله تعالى: «وَإِنْ أحد مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ» (التوبة: 6).
أما النظرية الكلية لإدارة الخلاف الفقهى فى الفكر الإسلامى بصفة خاصة فالأمر فيها أوسع وأرحب، إذ إنها تدور حول «القطعيات»، و«المتغيرات»، وهذه المتغيرات هى الدليل القاطع على مرونة الشريعة الإسلامية وصلاحها لكل زمان ومكان ولكل الأشخاص والأحوال، وهى مدخل للتعامل مع الواقع والتفاعل معه ومسايرة مقتضيات ومعطيات كل عصر بما لا يخل بالهوية المتمثلة فى الثوابت الدينية والوطنية، والتى يمكن أن نسميها بلغة العصر «النظام القانونى والآداب العامة».
والاختلاف فى هذه المتغيرات هى ما ورد فى عدم ذمه النصوص الشرعية، قولا كانت أو فعلا، فالقول مثل ما ورد فى بعض طرق الحديث: «اختلاف أمتى رحمة»، وفى رواية: «اختلاف أصحابى رحمة» (رواهما الإمام البيهقي).
وفعلا وتطبيقا كان هذا النوع من الاختلاف فى زمن النبى (صلى الله عليه وسلم) واطلع عليه وأقره فى عدة مواقف منها موقف صلاة العصر فى غزوة بنى قريظة وصيام بعضهم فى فتح مكة، ولم ينكر النبى (صلى الله عليه وسلم) على أى من الفريقين فهمه فدل على أن مثل هذا الاختلاف مشروع.
بمثل هذا الفهم الراقى والحضارى الذى قرره الإسلام بمصدرَى وحيه (القرآن الكريم والسنة الشريفة) وشهد به واقع المسلمين عبر التاريخ، نحافظ على الهوية الدينية والثقافية والوطنية ولا نغيب عن واقعنا والقيام بواجب وقتنا فى بناء الإنسان بل والحضارات، من خلال التعايش السلمى والتكامل الإنسانى.
وهذا هو معيار الاختلاف المحمود وغيره من الاختلاف المذموم، فالأول يبنى ولا يهدم، ويجمِّع ولا يُفَرِّق، ويُعَمِّر ولا يُدَمِّر، ويجعلنا نرتقى فى إدارة اختلافاتنا بما فيه مصلحة الإنسان ولا يخرج عن مقصود الشرع الشريف، ويحقق قوله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ» (المائدة: 2).
كيف ترى الحملة المسمومة ضد السنة النبوية المشرفة؟ وما واجب علماء الأزهر تجاهها؟
هى حملات ليس المقصود الأساسى منها التشكيك فى بعض ثوابت الدين الإسلامى، بقدر ما هى مشكلات فى كيفية ثبوت نص من السنة النبوية، والأكثر فى فهم هذا النص فهمًا صحيحًا، ثم كيفية تطبيق هذا النص على الواقع المتغير، فهى قضية تتعلق ب«بفهم النص».
وواجب العلماء هو تصحيح المفاهيم المغلوطة، ونشر الوعى الصحيح من خلال قراءة ونشر كتب السنة وعلوم مصطلح الحديث وإحياء مجالس الحديث كما هو سابق عهدها، مع ربط ذلك بالمنهج الأزهرى فى كيفية فهم النص وتنزيله على الواقع.
ما أهم الخطوات التى تستند إليها دار الإفتاء فى تجديد الخطاب الدينى وما آليات ذلك؟
تسهم دار الإفتاء المصرية مساهمة جادة فى تجديد الخطاب الدينى من حيثياته المختلفة، خاصة فى مجالات رسالة هذه المؤسسة العريقة، والتى تتلخص فى رفع لواء البحث الفقهى بين المسلمين المعاصرين، ووَصْلِهم بأصول دينهم، وبيان ما التبس عليهم من أحوال دينهم ودنياهم، من خلال الاجتهاد فى بيان أحكام الشرع الشريف فى كل ما استجدَّ على ساحة الحياة المعاصرة.
وهذا يتم عبر مراحل متناسقة: تبدأ بتأهيل الباحثين الشرعيين وأمناء الفتوى من أجل إيجاد علماء جامعين بين علوم الشرع والواقع من خلال التدريب المستمر الراقى على مهارات الإفتاء مناهجه وعلوم الواقع.
ومرورًا بتحديث وسائل دار الإفتاء المصرية فى تلقى الأسئلة والرد عليها مع ملاحظة أن يكونَ ما سبق شكلًا ومضمونًا مناسبًا لمتطلبات الناس ومقتضيات العصر، والتأكيد على المفاهيم الصحيحة، ونشر الوعى الدينى وفق المناهج المنقولة عبر قرون الأمة المتعاقبة خلفًا عن سلف، وتناول موضوعات ومستجدات الناس والعصر.
كما تراعى مبادئ التجديد فى عملية إصدار الفتوى عبر مراحلها المختلفة، سواء فى مراحل إعدادها أو فى المناهج الكامنة وراءها وفق ترتيب منطقى يحول ذلك إلى أمور إجرائية، مع تجديد حكيم للمناهج الموروثة حيث عدم الجمود على رأى واحد، والأخذ بالاختيار الفقهى من بين أقوال المذاهب الأربعة وعلمائها، بل يتوسع فى ذلك أحياناً إلى أقوال مجتهدى الإسلام والمذاهب الأخرى المتبعة لدى الأمة.
ثم إذا لم يوجد بخصوص المسألة المعروضة رأى فى هذه المذاهب، أو كان موجودًا ولكنه لا يتناسب مع الحال، تطرق دار الإفتاء باب الاجتهاد المباشر من الأدلة الشرعيَّة، وذلك بشرط أن تكون النصوص الشرعية تحتمل هذا الاستنباط وفق المعايير والضوابط المعتبرة لدى أهل العلم المعتبرين.
وكل هذه الجهود لإظهار الوجه الصحيح للشريعة الإسلاميَّة التى لا تعرف عنتًا ولا تطرفًا، ومن مقاصدها العليا بل من خصائصها: التيسير على الناس، وهذا ما يتنافى مع منهج المتطرفين الذى يسوده التشدد والتضييق وإيقاع الناس فى الحرج.
وفى هذا الإطار كان برنامج «دقيقة فقهية»، الذى راعيت من خلاله الإسهام فى قضية تجديد الخطاب الدينى، وضبط الخطاب الإفتائى عبر وسائل الإعلام، فقد روعى فى الشكل والمضمون أن يكونا مناسبين لمتطلبات الناس ومقتضيات العصر، مع مراعاة التأكيد على المفاهيم الصحيحة، ونشر الوعى الدينى وفق منهج الأزهر الشريف، وتناول موضوعات ومستجدات فى حياة الناس على مستوى الأفراد وعلى مستوى الشأن العام من الوجهة الشرعية.
كما اهتممت فيه بترسيخ وإشاعة فقه الدولة، بمعنى الحفاظ على المصالح العامة ومقدرات ومكتسبات الشعب المصرى، فقد تكون الفتوى تتعلق بشخص السائل بالنظرة الضيقة المحدودة، لكنها تمس الدولة، فمثلًا فى مسألة تنظيم النسل، قد ينظر السائل أو السائلة أنه ميسور الحال وبصحة جيدة، ويستطيع إنجاب أولاد كثيرة دون مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية من الزواج والإنجاب التى تسعى إلى بناء الأسرة الصالحة القوية، التى هى حجر الأساس فى تحقيق عمارة الأرض بشريعة الله سبحانه وتعالى، وبناء الفرد الصالح القادر على البناء والعطاء، وفى ذلك أخرج الإمام مسلم عن أبى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): «الْمُؤْمِنُ الْقَوِى خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ».
ومن هذا المقصد العظيم فى نظام الأسرة يمكننا أن نتوصل إلى ضرورة الحرص على سلامة النسل من المرض، واتخاذ التدابير والاحتياطات التى تضمن خروجه سليمًا معافىً صحيح النفس والبدن، وهى أمور تلقى بأعبائها على الدولة ومواردها لا على الفرد، سواء من جانب الرعاية الصحية والتعليم والدواء والإسكان ونحو ذلك، كما تعرضه فى الوقوع فى ضرر ومشقة حالة الإخلال بحقوق من سيعولهم من الأبناء مستقبلًا، والله تعالى لا يرضى أن يضار والد ولا والدة بسبب ولدها، قال الله تعالى: «لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا
مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» (البقرة: 233).
الدولة تتجه إلى نشر الوعى للعمل على تنظيم الأسرة فى ظل تزايد عدد السكان، فهل تنظيم الأسرة يتوافق مع الشرع؟
جهود الدولة فى هذا الإطار هى جهود رائدة ومتسقة مع مقاصد الإسلام والأحكام الشرعيَّة، فمحاولات تنظيم النسل أمر متوارث مارسه الصحابة رضى الله عنهم، حيث انحصرت وسائلهم فى تحقيق ذلك غالبًا فى طريقة واحدة، تعرف ب«العزل»، وهى طريقة تتحقق بقذف الزوج النطفة بعيدا عن رحم زوجته عند شعوره بالإنزال أثناء المعاشرة الزوجية بغرض عدم حصول أسباب الحمل بصورة مبكرة من خلال منع التقاء منى الزوج ببويضة الزوجة.
وفى ذلك حديث جابر بن عبدالله رضى الله عنهما قال: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِى اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، فَلَمْ يَنْهَنَا» (متفقٌ عليه).
كما ورد إرشاد النبى (صلى الله عليه وسلم) بعض الصحابة إلى استعمال العزل من باب الأخذ بالأسباب وكوسيلة من وسائل منع الحمل حيث قال (صلى الله عليه وسلم) له كما ورد فى صحيح مسلم: «اعْزِلْ عَنْهَا أن شِئْتَ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا».
كيف يتم إعداد جيل قادر على مواجهة الآراء والفتاوى الشاذة والمتطرفة؟
لعل أولى خطوات إعداد جيل قادر على مواجهة هذه المشكلة الخطيرة تكمن فى نشر المعرفة الصحيحة، وهذا يستوجب تكاتف الجهود بين الأسرة والمؤسسات والمجتمع حتى نجنب هذه الأجيال الأسباب الداعية للتطرف والشذوذ.
كما أن حالة الضبابية التى يعيشها عدد كبير من الشباب تعتبر قضية خطيرة جدًا، ومعالجتها تحتاج إلى تكامل الأدوار بين الأسرة والمجتمع وبين مؤسسات التعليم والثقافة والمؤسسات الدينية والإعلام، مع إحياء دور القدوة فى النفوس فضلا عن ضرورة تناول أسباب هذه المشكلة بالدراسة والبحث؛ للخروج بنتائج رصينة مبنية على دراسات عميقة ومؤصلة بلغة سهلة وميسرة مع تضمينها فى الخطط والاستراتيجيات للمؤسسات المختلفة ونشرها عبر الوسائل المختلفة، وعلى الأخص الدراما وأدوات التواصل الاجتماعى.
عدد كبير من المثقفين اتهموا كتب التراث بالتسبب فى أزمات كبيرة ونشر الفكر الظلامى مطالبين بتنقيحها وإعادة قراءتها فهل تؤيد ذلك؟
عالجتُ هذه القضية المحورية بتناول الآراء والمنطلقات المختلفة فى النظر للتراث فى مقال لى تحت عنوان «التراث بين التهويل والتهوين»، ولا شك أن التراث فى استخدام العلماء مصطلح يطلق على ما عدا القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، أى يقصدون به ما هو منتج بشرى حتى ولو كان فهمًا لتفسيرِ آيةٍ أو معنًى لحديثٍ نبوى.
ورأيى الذى أعتقده هو أنه لا نهوِّل فى تلقيه ليصل إلى حد القداسة، ولا نُهوِّن منه إلى درجة التسطيح أو عدم الالتفات، فضلا عن الطعن فيه وازدرائه، والتعرض لمن حملوه بالنبذ والتنابز.
ولا بد فى هذا المجال الشائك من اتباع منهج أهل العلم الصحيح؛ فإنهم يُخضِعون كل شىء لمعايير العلم وقواعده وضوابطه، فما وافقها قبلوه واستفادوا منه وبنوا عليه بما يناسب وقتهم ومقتضى حالهم ومصالحهم بما لا يخالف شرعًا ثابتا قطعيا، وما كان غير ذلك احترموه ولم يسفهوه، وقد لا يأخذون به لاختلاف سياقه الذى كان فيه مع ما يعيشونه، ولأن مآلات فعله قد تضر فى هذا الوقت ولا تنفع، وهم فى الوقت ذاته يحترمون أصحاب هذا التراث غير الملائم لهم الآن؛ لأنهم بذلوا جهدهم عن علم فى وقتهم، فقاموا بما نسميه «واجب الوقت»، وفارق كبير بين «واجب الوقت» الذى يرتبط بزمانه ومكانه وشخصه وحاله، و«واجب كل وقت» الذى لا يتغير بتغير هذه الجهات الأربع المذكورة.
وبهذا المعنى احترم علماء الخلف علماء السلف وشكروا لهم جهدهم وما بذلوه فى سبيل إقامة دنياهم بحقائق دينهم بما فيه من قيم وأخلاق تُوَرَّث لكل جيل.
وبالتالى فإن التعامل الصحيح مع التراث لا يكون بقداسة ولا بدناسة، ولا بتهويل أو تهوين، ولا بتفخيم أو تحقير، وإنما بالاحترام والتوقير والنقد البنَّاء الذى يبنى ولا يهدم، ويعمِّر ولا يخرِّب ويدمِّر.
وللعقلاء والعلماء فى ذلك منطلقات وقواعد يسيرون عليها، مثل: قول الإمام الشافعى رضى الله عنه: «رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب».
ما أهم المبادرات التى أطلقتها دار الإفتاء مؤخرا لمواجهة التطرف والقضايا المستجدة؟
تواجه دار الإفتاء المصرية الفكر المتطرف والتيارات المتشددة عبر أدوات متنوعة ووسائل مختلفة، من أهمها: بيان الحكم الشرعى فيما يهم المسلمين فى الداخل والخارج وتبصير عامة الناس بالحقائق الشرعيَّة فى كافة أمورهم خاصة الموضوعات التى يثيرها أهل التشدد كمسائل المواطنة والاحتفال بالمناسبات الدينية والوطنية ومرتكزاتهم الفكرية عبر البرامج التليفزيونية والموسوعات والإصدارات المطبوعة والمقالات والبيانات الصحفية والمؤتمرات والندوات والمحاضرات فى مختلف المحافل المحلية والعالمية.
بالإضافة إلى تنظيم عدة دورات لبرنامج «تفكيك الفكر المتطرف» بالتعاون مع عدد من سفارات الدول الأجنبية بمصر حضرها عدد من طلاب تلك الدول، وإطلاق المؤشر العالمى للفتوى كأول مؤشر من نوعه مَعْنى بمعرفة ما يدور فى فلك الخطاب الإفتائى العالمى وفق أهم وأحدث وسائل التحليل الاستراتيجى.
فتاوى حروب الجيل الخامس مصطلح جديد صدر عن دار الإفتاء، ماذا يعنى هذا المصطلح؟ وما أهم دلالاته؟
ما يطلق عليه «حروب الجيل الخامس» يستخدم الوسائل التكنولوجية لنشر الشائعات والفتاوى المتشددة والمتطرفة بهدف زعزعة أمن واستقرار المجتمعات فى مختلف دول العالم.
وفى هذا الفضاء الواسع تم استخدام الفتاوى الدينية كسلاح مباشر لقلب الحقائق وهز ثقة المواطنين فى مؤسسات ورموز الدول، وطبعًا يكون ذلك متاحًا بلا قيود ولا يوجد بها محظورات، وبعيدة عن الرقابة بشكل كبير.
فالمقصود من هذا المصطلح الجديد تلك الفتاوى الشرعية التى تستخدم عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة بهدف قلب الحقائق الشرعيَّة ونشر التطرف والتشدد سواء كانت فى المجال السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى.
وأبرز دلالاته تتلخص فى إصرار جماعات العنف والتطرف على الدخول للناس من منظور دينى فى مختلف القضايا مع التركيز على الشباب بصورة كبيرة من خلال استخدام مواقع السوشيال ميديا بشكل كبير، وتبتكر يوميًا تطبيقات ومنصات جديدة تلجأ لها للتمكن من ذلك.
الشائعات تدمر مجتمعات كيف يمكن لمؤسسات المجتمع مواجهة خطرها وماذا عن رأى الإسلام فيها؟
الشائعات هى الأخبار مجهولة المصدر ذات طابعٍ يُثير الفتنة ويُحْدِث البلبلة بين الناس، وفعل هذه الأمور والاستماع إليها من شأن المنافقين أو ضعاف النفوس، فضلا عن كون ذلك داخلًا فى نطاق الكبائر والمحرمات كالكذب وترويج الباطل بما يهدد أمن المجتمع وسلامته، لما ورد موقوفًا على أبى الدَّرْدَاء رضى الله عنه: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَشَاعَ عَلَى رَجُلٍ كَلِمَةً وَهُوَ مِنْهَا بَرِيءٌ لِيُشِينَهُ بِهَا فِى الدُّنْيَا؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أن يُدِنيَهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِى النَّارِ».
وتتلخص سمات المواجهة الناجعة والتعامل الأمثل معها فى أن يحسن المرء الظن بغيره، وأن ينزه آذانه عن مجرد الاستماع إلى مثل هذه الأخبار، مع عدم نقلها، أو الخوض فيها، امتثالا لقولِه تعالى: «وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أن نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ».
كيف يمكن مواجهة الفكر المتطرف لدى الشباب خاصة أن هناك من يستخدم بعض النصوص لتضليلهم؟
يمكن ذلك من خلال عدة محاور: المتابعة والرصد لهذه الأفكار والآراء خاصة التى تُحدث بلبلة فى المجتمع وتحليلها ومواجهتها وفق المنهج العلمى الصحيح؛ بقصد تنقية وتصحيح وتصويب الساحة الدينية مما أصابها من ظواهر التكفير والتطرف وتطويع الآراء الدينية لخدمة أهداف خبيثة؛ خاصة المسائل التى تتعلق بالهوية المصرية، وهى نحو 250 مسألة، ومن أبرزها التشكيك فى أفضيلة الجيش المصرى والصلاة فى آل البيت والأولياء الصالحين العامرة والاحتفال بالأعياد الوطنية والمناسبات الدينية ويوم الميلاد ويوم اليتيم وقضايا المرأة.
- تقدم العلماء المشهود لهم بالوسطية الصفوف فى نشر المنهج الإسلامى الوسطى والبدء فى برامج إعادة تأهيل الشباب الذين سقطوا فى براثن التطرف والعنف، وإعاقة أى عمليات تجنيد جديدة من خلال الحملات التوعوية والبرامج الإرشادية والدروس واللقاءات الدينية.
- إطلاق البرامج الحوارية بين الشباب والمجتمع لتعميق التفاهم وترسيخ التعايش واحترام الكرامة الإنسانية؛ فضلا عن تأهيل وتدريب هؤلاء الشباب من خلال برامج مدروسة ومطورة.
- يمكن أن نستثمر الأصوات ذات النفوذ والاحترام لإطلاق حملات إعلامية اجتماعية واسعة النطاق تستهدف نشر الوعى وترسيخ الثوابت الدينية والوطنية وكشف المستور عن الأعمال والمواقف والمفاهيم المسيئة لهذه الثوابت الراقية.
- دعم البرامج والأفكار الموجهة إلى الشباب والأسرة والمجتمع لإبعادهم عن سمات التطرف أو إعادة تأهيلهم إذا كانوا ممن استدرجوا فى المستنقع، مع مراعاة أن يتم تنفيذها على نحو متوافق مع القوانين والتشريعات المختصة بالموضوع.
وفى هذا الإطار ننصح باتخاذ أساليب وطرق مختلفة لاحتواء الشباب ووقايتهم من مخاطر التطرف والعنف، من خلال الالتزام بتقديم نموذج وسطى للتدين والسعى الجاد فى أن تكون الوسطية ثقافة عامة سائدة وترسيخ واستنهاض مشاعر الترابط بين جميع فئات وشرائح المجتمع، وتوعية المجتمع بأضرار وعواقب التعصب والتشدد وأخذ العبرة من المجتمعات التى تعانى من هذه الآفات الفكرية التى تفتك بنسيجها الوطنى، وتوجيه طاقات الشباب واستثمارها لصالح الوطن والحرص على مشاركتهم لرصد رؤاهم تجاه الوطن، والتواصل مع شباب الجامعات، من خلال إقامة الندوات والمؤتمرات والمحاضرات داخل الحرم الجامعى وفى الدروس الدينية والثقافية، واعتماد الحوار كوسيلة للتغيير.
ما جهود دار الإفتاء فى مراجعة مؤلفات فكر سيد قطب وحسن البنا وغيرها من المؤلفات التى تحمل تطرفا وشططا فكريا؟
تبذل دار الإفتاء جهودا كبيرة فى مواجهة الجماعات المتطرفة والإرهابية عبر آليات متنوعة، ومن أهمها إصدار الكتب الموسوعات التى تهتم بتفنيد المرتكزات الفكرية التى أصل لها هؤلاء وأسسوا عليها فكر هذه الجماعة الإرهابية، ومن ذلك: كتاب «الجهاد حقائق وأباطيل»، و«فقه الجندية»، و«التكفير»، وهى عبارة عن فتاوى فى موضوعات متنوعة تقوم ببيان الرأى الشرعى فى مثل هذه الموضوعات المطروحة.
كما أصدرت دار الإفتاء فتوى مؤصلة انتهت فيها إلى حرمة الانتماء لجماعة الإخوان، وموسوعة «دليل المسلمين إلى تفنيد أفكار المتطرفين»، من أجل تفنيد جميع الفتاوى المتطرفة بشكل أوسع والتى تم رصدها من خلال مرصد الإفتاء ومن خلال الصفحات المتخصصة على شبكة الإنترنت، كذلك أصدرت تقريرًا مهمًّا بعنوان: «جذور العنف عند الإخوان»، ويُعَدُّ كتاب فضيلة المفتى: «التأسلم السياسى.. دراسة تحليلية لعوامل فشل الاستغلال السياسى للإسلام فى الماضى والحاضر» أحدث إصدار فى ذلك، حيث انتهى فضيلته إلى أن حسن البنا وهذه المجموعات تريد الدين وسيلة للوصول إلى المناصب السياسية فحسب.
أخيرا.. ما رؤيتكم لتفعيل توصيات مؤتمرات الأمانة العامة لدور الإفتاء؟
تولى دار الإفتاء المصرية تفعيل توصيات مؤتمرات الأمانة العامة لدور الإفتاء اهتمامًا خاصًا لتكون واقعًا محسوسًا من خلال الإدارات واللجان العلمية والإدارية المتخصصة، وما من مؤتمر إلا وتم تفعيل توصياته من خلال الكتب والحوارات والمنصات الإلكترونية والتفاعل مع دور وهيئات الإفتاء فى العالم، وهذه هى أولى خطوات التفعيل. وتكتمل الرؤية بضرورة تكاتف المؤسسات المعنية مع الأمانة العامة من أجل تحقيق هذه التوصيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.