"ما يحدث في مصر يستفزني بشدة".. هكذا بادرني بقوله عندما طلبت منه موعدا لإجراء هذا الحوار. كان غاضبا بشدة لأنه يشاهد في "أواخر العمر" - حسب قوله - مؤسسة القضاء تهوي من عليائها إثر هجمة شرسة تستهدف النيل من شموخها واستقلالها، قال لي: إن مصر تذهب الي المجهول بعد أن تم ضرب أعمدتها الرئيسية وعلي رأسها القضاء، وهي في حاجة أن تذهب الي المعلوم. هذا الحوار مع المستشار مقبل شاكر رئيس نادي القضاة السابق، هو «مرثية موجعة» لآلام «البيت» الذي «سكن فيه» حوالي 50 عاما، منها 40 عاما كاملة في نادي القضاة. «ما يحدث في مصر استفزني وبشدة»!! هكذا بدأ المستشار مقبل شاكر رئيس نادي القضاة السابق كلامه معي عندما طلبت تحديد موعد لإجراء هذا الحوار.. هو رجل خبر القانون والقضاء طيلة 50 عاما، منها 40 عاما في نادي القضاة وقال في حواره ل«بوابة الوفد» إنه في أواخر العمر مثل المستشارين أحمد مكي وزير العدل ومحمود مكي نائب رئيس الجمهورية وحسام الغرياني رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان ولهذا طالبهم بالمحافظة علي تاريخهم ونقائهم وسمعتهم لأن الأداء - كما يراه - لم يعد طيبا وأن القضاء تتم عليه هجمة شرسة الآن تريد النيل من استقلاله وشموخه. سألته: ما الذي يستفزك تحديدا؟ - كنت لا أوافق علي الظهور في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة منذ فترة طويلة وكنت في باريس عندما تمت الإقالة الأولي للمستشار عبدالمجيد محمود، فاستفزني هذا الحدث بشكل كبير جدا بصرف النظر عن مقام المستشار محمود إنما منصب النائب العام منصب قاض جليل لا يجب أن يعزل طبقا للمادة 168 من الدستور وطبقا لمواد قانون السلطة القضائية لا يوجد قاض قابل للعزل علي الإطلاق، إذن قرار عزل النائب العام ليس قرارا باطلا إنما هو قرار معدوم لأنه صدر ممن لا يملك علي ما لا يملك، ويذكرني هنا حكم محكمة النقض عندما أصدرت حكمها في مذبحة القضاء عام 1969 والتي عزل فيها عبدالناصر 137 قاضيا من قضاة مصر العظام، وكان عماد الحكم أن القرار معدوم وتمت إعادتهم للقضاء وبالتالي قرار إقالة النائب العام الأول والثاني كلاهما قرار معدوم يخالف قواعد الدستور ومن ثم استفزتني الواقعة. إذن ماذا يمثل هذا القرار المعدوم؟ - طالما أنه قرار معدوم فيمثل اعتداء علي سيادة القانون والدستور وقانون السلطة القضائية وعلي دولة القانون واعتداء علي الحريات والديمقراطية. وأين تكمن أزمة السلطة القضائية؟ - أولا هذه ليست أزمة بل كارثة أن يتم الاعتداء علي القضاء وقانون السلطة القضائية وعلي القواعد الدستورية بهذا الشكل الغريب وغير المسبوق في العالم كله، أن يعزل النائب العام ثم يتم التراجع عن العزل نتيجة للثورة التي حدثت في القضاء المصري فتضع اللجنة التأسيسية قانون تفصيل للنائب العام بتحديد مدته ب4 سنوات بعد عزله وعودته، ولم يكن هذا النص موجودا ولكنهم ابتدعوه ثم بعد ذلك يصدر الإعلان الدستوري المخالف للقواعد الدستورية بتحديد مدته 4 سنوات ويتم عزله ثانية، ليس هذا فحسب بل إن الإعلان الدستوري سحب اختصاصات المحاكم علي مختلف أنواعها من الدستورية الي مجلس الدولة وتم تحصين قرارات الرئيس ضد الأحكام وتم عزل القضاء الذي من المفترض أن يكون صاحب الحكم بين الناس لينصف المظلوم وتعيد له حقه حتي لو كانت الدولة هي الطرف الآخر فخط الدفاع الأخير للمواطن هو القضاء.. لقد تم تجميع السلطات كلها في يد الرئيس فلم نر نظاما استبداديا فعل هذا فكيف يمكن أن يسمح بأن يسلب اختصاص القضاء؟! وكيف يسمح لبعض المأجورين بمحاصرة المحكمة الدستورية العليا ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي وكيف يتم الاعتداء علي المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة الذي يمثل رمزا وقيمة في تاريخ مصر لأنه دافع عن الحريات والديمقراطية.. ما يحدث لا يمثل دولة القانون بل إنه يدل علي نظام عصابي. هل يحق للنيابة العامة رفض التعامل مع النائب العام بحجة تدخله في سير التحقيقات؟ - المستشار طلعت إبراهيم رجل له قيمته ولكنه للأسف جاء الي منصب النائب بقرار ظالم عشوائي لا أساس له ولا يسانده قانون ولا تشريع ولا دستور ولهذا فإن وجوده غير شرعي في منصب النائب العام رغم أنه هو قامة قانونية لها احترامها ولذلك فإن وكلاء النيابة لم يكن في إمكانهم إلا أن يعتصموا لأن المسألة أصبحت بشعة جدا بعدما رأوا أن علي رأس النيابة العامة إنسانا جاء بطريقة غير شرعية ومخالفة لأي قاعدة دستورية في العالم، ثم ما حدث مع من قبض عليهم أمام الاتحادية في مظاهرة سلمية من المأجورين القتلة الذين اعتدوا عليهم وعذبوهم وسلموهم للنيابة العامة فتكتشف النيابة حقيقة الأمر وتفرج عنهم وهناك من يصدر إليهم تعليمات بحبس المجني عليهم فكيف ذلك؟ وينبغي أن ندرك أن دولة الظلم ساعة ولكن دولة الحق الي قيام الساعة. ماذا تريد جماعة الإخوان المسلمين من القضاء بعد وصولها الي السلطة؟ - لا أعرف ولكن هناك محاولة شاذة وغريبة للاعتداء علي كل المقدسات في هذا البلد وأول هذه المقدسات هو القضاء متمثل في سلب اختصاصات القضاء ومنعه من أن ينظر في القضايا والحكم فيها وبمحاصرة المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة وضرب الناس المسالمين وسحلهم وإطلاق الرصاص عليهم في مظاهرات سلمية فهذه كارثة. هل الاستفتاء باطل بالنسبة التي تم الانتخاب بها؟ - طبقا للمادة 60 من الإعلان الدستوري ينبغي أن من يصوت علي الدستور (50٪+1) ومن صوتوا جاءوا بنسبة 30٪ إذن فالاستفتاء باطل وللأسف الشديد لم يتطرق أحد الي هذا البطلان. لكن توجد 50 دعوي قضائية تطالب ببطلان الاستفتاء فهل من الممكن بطلانه؟ - لا أستطيع أن أتطرق الي أمر يعرض أمام القضاء ولكن سوف تحكم المحكمة بصحيح القانون وبما يمليه عليها ضميرها وإنما بقاعدة عامة هذا دستور باطل لأن نسبة الحضور كانت 30٪ فقط. أين العوار الذي تراه في الدستور الجديد؟ - هذا دستور مليء بالعوار وإلا فأين القواعد السليمة في الدستور، مثلا المادة الأولي مليئة بالعوار وهي التي تتحدث عن الهوية المصرية والتي أصبحت هوية إسلامية عربية أفريقية آسيوية ألم يعرفوا أن مصر أقدم دولة وحضارة في العالم ولا يمكن أن تكون هويتها بهذه الطريقة وأيضا نص المادة المتعلقة بتحديد مدة النائب العام وكذلك تحديد عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا وتشكيل محكمة علي هوي السلطة لتنفيذ ما يريدون وهذا انتهاك لأبسط قواعد استقلال القضاء في العالم، فلماذا لم توضع هذه القواعد في القوانين وأثبتوها في الدستور وإذا كانوا يريدون التخلص من بعض أعضاء الدستورية العليا كان عليهم أن ينتظروا حتي سن المعاش لهؤلاء الأعضاء ولا يسري بأثر رجعي فهذه مخالفة لقواعد دستورية. هل تري أن هذه نصوص انتقامية؟ - نعم بل وتصفية للحسابات من نفوس موتورة تتصرف بما في داخلها من غضب علي أناس يؤدون دورهم عندما أصدروا حكما ببطلان مجلس الشعب وكان الحكم عنوانا للحقيقة ومطابقا لصحيح القانون ولكنهم يريدون عدم حل مجلس الشوري واللجنة التأسيسية وقد حكم في عصر مبارك بحل مجلس الشعب مرتين واستجابت الدولة لأنه ينبغي أن تحترم الدولة القانون إذا كانت دولة وليست عصابات فهل مصر العظيمة يحدث فيها ما يحدث الآن؟! لكن الحكمين اللذين أشرت إليهما الآن أحدهما كان يخص برلمان 1984 وتم حله في 1987 ثم برلمان 1987 وحل في 1990 ولم يكن بها تعجل كما حدث في 2012؟ - إذا كانت المحكمة أمامها قضية جاهزة وسوابق جاهزة فماذا يعطلها؟ ثم انها قضية كانت تهم مصر كلها والمفترض أن يتم شكرها علي سرعة الفصل وليس التنكيل بها وتصفية الحسابات. هل تري مواد متفجرة في الدستور؟ - العوار كثير.. لكن ما يعنيني هو النصوص المتعلقة بالقضاء والمحكمة الدستورية العليا والنصوص الخاصة بالنائب العام والتي لم يكن يجب أن تذكر في دستور دولة عريقة مثل مصر. يوجد اتهام للدستورية العليا بأنها معادية لثورة يناير؟ - هذا قول باطل لا أساس له من الصحة لأن أي محكمة لابد أن تكون متجردة ومحايدة والعدالة معصوبة العينين ولا فرق بين مواطن وآخر الكل سواسية أمام القانون الذي تطبقه المحكمة. هل المحكمة الدستورية العليا استسلمت للحصار والإرهاب وأجلت النظر في بطلان مجلس الشوري واللجنة التأسيسية؟ - لا أستطيع أن أعقب علي هذا لأني لا أعرف الظروف والملابسات التي تتعرض لها. هل يجوز للدستورية العليا نقل جلساتها في مكان آخر في محيط العاصمة؟ - حتي لو كان يجوز كيف تحصل علي ملفات القضايا وهي محاصرة بهؤلاء؟! يوجد اتهام للقضاء بممارسة العمل السياسي؟ - القضاء محظور عليه العمل بالسياسة أو ممارستها لأن الصفة الأساسية في القاضي أن يكون متجردا ومحايدا فإذا مارس السياسة يفقد تجرده وحياديته وبالتالي هيبته علي المنصة،ولهذا لا يستطيع أحد لا يعجبه حكم المحكمة أو لم يكن علي هواه أن يقول: هذه سياسة لأنها تحكم بصحيح القانون وتطبق أحكامه بالقواعد الدستورية والقانونية. بماذا ترد علي من يطالبون بتطهير القضاء؟ - تطهير في إيه؟ هذا عبث واعتداء علي استقلال القضاء والدستور والقانون لأن القضاء هو الجهاز الوحيد في مصر الذي يطهر نفسه لأنه بمجرد أنه يوجد قاض يجلس علي «قهوة» يتم نقله الي وظيفة أخري إذن فالقضاء يطهر نفسه أولا بأول طبقا لقواعد قانون السلطة القضائية وطبقا لقواعد مجلس التأديب والصلاحية. القضاء هو المؤسسة الوحيدة في مصر الذي يحتفظ بنقاء ثوبه كما هو أبيض وأي نقطة سوداء تلصق به تزال فورا. البعض يقول: إن في مصر قضاة مستقلين ولا يوجد قضاء مستقل؟ - أولا جميع القضاء مستقل ولا يوجد شيء في القضاء اسمه تيار استقلال وإلا كان هناك تيار احتلال ولا سلطان علي القضاة إلا ضميرهم والقانون دون فصال وسفسطة، والذين أطلقوا علي أنفسهم تيار استقلال كانوا يمارسون عملا سياسيا ومع ذلك لم يحدث أن انحازوا الي هذا أو ذاك وكانوا يعتصمون في الطرق العامة وضد النظام السابق ومع هذا لم يمسهم أحد أو يعترضهم أحد احتراما لمؤسسة القضاء ودولة القانون. سيادة المستشار.. يوجد أحد القضاة في 2005 تم الاعتداء عليه في الشارع؟ - نعم أعرف هذه الواقعة جيدا ولم يكن أحد من الداخلية يعرف أنه قاض وعندما عرفوا حقيقته اعتذروا له في مكتبي حينما كنت رئيسا لمحكمة النقض وهو قبل الاعتذار وكان سيادة المستشار محمود محمد حمزة. جريمة الاعتداء علي المستشار أحمد الزند تعتبر رسالة لإرهاب القضاء؟ - طبعا هي رسالة لإرهاب القضاء ولكنه لن يرهب وسيزداد صلابة وسيؤدي دوره علي أكمل وجه ولن ينال أحد من قضاء مصر الشامخ العظيم. هل أصبح القضاء في حاجة ماسة الي شرطة قضائية تتبع وزارة العدل؟ - نعم وهذه توصيات نادي القضاة وجمعياته العمومية ومؤتمر العدالة بأن توجد شرطة قضائية متخصصة لأمن المحاكم وأمن القضاة وتنفيذ الأحكام التي يتم التراخي في تنفيذها الآن. ما المطلوب من المجلس الأعلي للقضاء حاليا؟ - المطلوب منه أن يقف موقفا حازما للدفاع عن القضاء واستقلاله وأن يتضامن مع زملائه ومع نادي القضاة الأم ونوادي أندية القضاة بالأقاليم والتي تحرص علي استقلال القضاء. سيف البطلان موجه الي مجلس الشوري الآن.. هل هذا سيجعله يعجل بالقوانين والتشريعات؟ - لا تعليق لديّ في هذا الموضوع فلننتظر ما يحدث مستقبلا. ما الفرق بين مذبحة القضاء 1969 وبين ما يحدث للقضاء الآن؟ - أولا مذبحة القضاء عام 1969 كانت كارثة بكل المقاييس لأن أفضل قضاة مصر تم عزلهم من مناصبهم وكان هذا عدوانا علي السلطة القضائية واستقلال القضاء ولكن الحمد لله تمت عودتهم خلال حكم السادات عندما أصدرت محكمة النقض حكما بانعدام هذا القرار وما يحدث الآن أسوأ كثيرا من مذبحة القضاء 1969 لأنها كانت عدوانا مباشرا علي القضاة ولكن ما يحدث حاليا هو عدوان علي القضاء نفسه من سلبه لولايته واختصاصاته ومنعه من أداء واجباته والحكم في القضايا ومحاصرة المحكمة فمع أن مذبحة القضاء كانت كارثة حقيقية لكنها كانت أهون مما يحدث للقضاء الآن. الشرطة تم الاعتداء عليها والجيش تكال له الاتهامات والقضاء تتم مهاجمته فأين مقومات الدولة؟ - ليست هناك دولة بعد أن تم ضرب المؤسسات الرئيسية بما فيها الداخلية والجيش والقضاء ويكال لها الاتهامات جميعا من خلال نظام عصابي محض. ماذا تقول للمستشار أحمد مكي وزير العدل؟ - المستشار أحمد مكي رجل قضاء وقيمة كبيرة وذو تاريخ مشرف ولهذا أقول له وللمستشار حسام الغرياني والمستشار محمود مكي جميعا هذا الكلام وأرجو منهم وهم جميعا مثل حالاتي في أواخر العمر أن يؤدوا رسالتهم علي أكمل وجه لأن الأداء لم يعد طيبا وينبغي أن يحافظوا علي تاريخهم ونقائهم وسمعتهم!! وماذا تقول للرئيس محمد مرسي؟ - أرجو منه أن يكون رئيسا لمصر وليس لجماعة تحكم وما أقصده هو مصر بفصائلها المختلفة والمتوحدة دائما ومصر القيمة لأنه حرام ما يحدث وينبغي أن نحافظ علي الوطن والشعب ووحدته لأننا جميعا مصريون فما يحدث لا يرضي أحدا وهذا عيب كبير وخطأ جسيم في حق مصر وشعبها. مصر إلي أين؟ - مصر رايحة الي المجهول، أو أصبحت الي المجهول ونرجو أن تعود الي المعلوم. بطاقة شخصية * المستشار مقبل شاكر من مواليد مايو 1939 * حصل علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة 1959 * عين بالنيابة العامة 1959 * قاضيا بالمحاكم الابتدائية 1971 ثم رئيسا لها في 1974 * مستشارا بمحاكم الاستئناف 1980 * مستشارا في محكمة النقض 1983 ونائبا لرئيسها عام 1988 * عضو مجلس إدارة نادي القضاة 1963 وسكرتيرا عاما 1968 وأمينا للصندوق 1969 ووكيل أول للنادي 1983 * رئيس نادي القضاة منذ 1991 وحتي 1998 * عضو اتحاد القضاة العالمي ومجموعته الافريقية * عضو فخري في جمعية القضاة الأمريكية * اشترك في إنجاز اتفاقية التآخي بين محكمتي النقض بمصر وفرنسا * رئيس محكمة النقض الأول 2001 * رئيس محكمة القيم العليا 2001 * رئيس محكمة النقض 2006