في تاريخ كل شعب أيام فاصلة تحدد حاضره.. وترسم فيها مستقبله.. ويوم انتخاب الحكام، أو إقرار الدساتير من هذه الأيام الفاصلة.. فالدستور تسير عليه الأمة لعشرات، وربما مئات من السنين.. وهكذا يوم الاستفتاء علي مشروع الدستور المصري. واذا كانت المرحلة الاولي من هذا الاستفتاء جاءت بنتيجة لم يتوقعها الحاكم ولا النظام الحاكم كله.. وإن اعتبرها الشعب مؤشراً عظيماً لانها أعلي نسبة رفض في تاريخ الانتخابات والاستفتاءات المصرية.. فالذين قالوا لا في المرحلة الاولي هم حوالي 47٪ من سكان مصر.. رغم ان معظم سكان المدن حيث الطبقة الواعية.. وكذلك معظم المدن العمالية حيث الذين يدافعون عن لقمة عيشهم.. هؤلاء وأولئك تصدوا للسلطان وقالوا: لا. نقول: فاجأت نتيجة المرحلة الاولي السلطان الذي توقع ربما كما توقع كل ديكتاتور سابق لمصر أن يحصل النظام علي 99٪ فهكذا عودنا السلطان منذ أول استفتاء علي انتخاب أو «اختيار» رئيس الجمهورية أو حتي كما حدث في الاستفتاء علي دستور 1971 ولكن الشعب نهض واستيقظ.. وهكذا الشعوب تتطور. فإذا كانت كل الدساتير السابقة- حتي دستور 23 ودستور 1930- صدرت منحة من الحاكم حتي وإن أعدتها لجنة تم اختيارها من رجالات الامة إلا أنه عمل بفكرة الاستفتاء منذ دستور 1956 ثم دستور 71.. فلما أصبحنا عام 2012 تطورت الطريقة.. بل تعود الشعب علي أن يقول رأيه.. إما نعم وإما لا. ولما تيقين الشعب- في المرحلة الاولي- من أن مشروع الدستور المعروض عليه لا يعبر عن حلم الشعب.. قالت هذه النسبة الكبيرة وهي حوالي 47٪ قالت لا.. وهذا دليل علي أن وعي الامة يتزايد استفتاء بعد استفتاء. ورغم ان هذه النسبة تعتبر انتصاراً للشعب.. إلا أن الامل يتجدد غداً عندما يذهب باقي من له حق التصويت الي لجان الاستفتاء ليكملوا منظومة الديمقراطية الحقيقية. ويقول الناس ان المرحلة الاولي- التي جرت يوم السبت الماضي- انه حدثت بها تجاوزات عديدة لصالح السلطان ونظامه.. منها «تعمد» إطالة مدة انتظار الناس أمام لجان التصويت حتي يمل الناس من الانتظار فيغادروا اللجان دون أن يقولوا رأيهم.. وقد حدث ذلك كثيراً، وبالذات أمام اللجان التي اكتشف فيها رجال السلطان أن الامور داخلها لا تجري علي هواهم.. بعد أن دفعوا هم «جماعتهم» الي الذهاب مبكراً بل دفعوا رجالهم من الساعات الاولي ليقولوا رأيهم.. ثم تعمدوا إطالة زمن الانتظار.. وأعلم أن كثيراً من المصوتين غادر مقار اللجان دون أن يدلوا بأصواتهم.. وبالذات في المناطق المثقفة أو في المناطق العمالية التي تفهم جيداً ما يجري.. ولهذا فإن النتائج الأولية التي أعلنت لم تعلن بالضبط عدد الذين لم يدلوا بأصواتهم. ويقول الناس أيضاً انهم شاهدوا «لعبة الورقة الدوارة» في كثير من اللجان.. ولهذا نجد أن هناك «من نجح» في الوصول الي الصندوق فوجد أمام اسمه في الكشوف من صوت نيابة عنه.. وقد اكتشفت سيدة هذه اللعبة فحررت محضراً في الشرطة بالواقعة. ويقول الناس أيضاً ان كثيراً من اللجان تعطلت عند كل صلاة.. إذ توقفت عملية التصويت خلال صلاة الظهر ثم صلاة العصر.. فصلاة المغرب.. بحجة ان أعضاء اللجان كان عليهم أن يؤدوا فريضة الصلاة.. ولم يسأل واحد منهم وماذا عن الآلاف من الناس الذين وقفوا في الطوابير انتظاراً.. أليسوا أيضاً أغلبيتهم مسلمين؟! أم ان الهدف هو تطفيش «المصوتين» قبل أن يتمكنوا من الادلاء بصوتهم. ولقد كشف الاعلامي الناجح الاستاذ جابر القرموطي في برنامجه المشهور «مانشيت» حكاية وجود دفاتر كاملة من بطاقات ابداء الرأي ليست بدون رقم مسلسل.. أو بدون ختم عليها.. فمن أين جاءت هذه الدفاتر.. ومن ارتكب هذه الجريمة ومن يقف وراءها.. وهل يكفي ذلك لكي يعترف النظام انه وراء محاولات تزوير النتيجة، خشية من أن تأتي النتيجة مخيبة لآمال السلطان وجماعته. إذن أمام الشعب غداً أن يتصدي لكل ومثل هذه المحاولات الدنيئة لتزوير الانتخابات.. ولكن يبدو ان «الاخوان» الذين سبق أن ارتفع صوتهم «في الماضي» منددين بمثل هذا التزوير.. يبدو انهم يزاولون نفس ما كانوا منه يشتكون. وهكذا السلطان عندما يجلس علي كرسي الحكم! حتي وإن عاني في الماضي من محاولات الإقصاء!. الامل- كل الامل- أن يواصل الشعب حلمه في رفض مشروع الدستور حتي تأتي النتيجة النهائية رافضة.. لتؤكد انه لا يجوز أن ينفرد فصيل- دون باقي فصائل الامة- بإعداد الدستور الدائم للبلاد. ويا سلام لو جاءت النتيجة النهائية بالرفض. هنا يتجدد الامل في اعداد مشروع جديد للدستور تضعه الامة كلها.. خصوصاً ونحن نري ألا تقل نسبة الموافقين عن ثلثي من لهم حق التصويت.. أما حكاية ال«50٪» زائد واحد فهذه هي الكارثة بعينها. غداً هو الامل لكي يرد الشعب اللطمة لمن يحاولون تزوير ارادته ولا يكفي أن يعترض أحد بعدم الذهاب.. بل يجب أن يعلن الكل رأيهم.. وهذا هو أمل كل المصريين.