مع رصد آلاف الانتهاكات التي شابت المرحلة الأولى من الاستفتاء على الدستور، طالبت جبهة الانقاذ الوطني ومعظم المنظمات الحقوقية في مصر، اللجنة المشرفة على الانتخابات باعادة المرحلة الاولى من الاستفتاء. وقد بلغت الشكاوى خلال عملية التصويت نحو 7 آلاف شكوى و1500 محضر رسمي تلقتها لمنظمات الحقوقية المختلفة، هذا فضلاً عن اقامة دعويين قضائيتين امام محكمة القضاء الاداري للطعن على الاستفتاء، كما حذرت منظمات المجتمع المدني من تكرار مأساة انتخابات ديسمبر 2010 الماضي التي حدثت فيها العديد من التجاوزات وتم تزويرها واعترض عليها الجميع وكانت سبباً في اندلاع ثورة يناير، وسقوط نظام مبارك. بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، يقول: الدستور تم طرحه للاستفتاء رغم اعتراض العديد من القوى السياسية على الطريقة التي تم بها تشكيل الجمعية التأسيسية، وقد طالبت المنظمات الحقوقية بإعادة الاستفتاء في المرحلة الاولى، وهذا القرار في يد رئيس الجمهورية والهيئة المسئولة عن الاستفتاء، فالمنظمات الحقوقية في ديسمبر 2010 الماضي عقدت مؤتمراً صحفياً بمركز القاهرة لحقوق الانسان، أكدت وقتها أن الانتخابات كانت مزورة وطالبت الرئيس مبارك باعادتها، لكن للأسف لم يستمع الى هذه الطلبات، وبعدها اندلعت ثورة 25 يناير، وتم حل مجلس الشعب، فالرئيس مبارك في هذا الوقت اعتقد أن طلباتنا بحل المجلس نوع من التسلية، حيث قال «خليهم يتسلوا» لكننا هذه المرة نأمل أن يكون الرئيس مرسي مختلفاً وليس بنفس الطريقة، وأن يتم النظر بجدية في تقارير المنظمات الحقوقية، وتتم اعادة المرحلة الاولى من الاستفتاء، فنحن نسعى لتلافي الانتهاكات الجسيمة التي حدثت في المرحلة الاولى واذا لم تتم الموافقة على الاعادة سنأخذ خطوات في اطار دورنا كمنظمات حقوقية محايدة. تربص.. وانقسام الدكتور محمد كمال القاضي، استاذ الدعاية السياسية بجامعة حلوان، يقول: ارى أنه لابد من التريث في اصدار الدستور، فالنظام الحاكم يرى أن الدستور هو الاساس للمؤسسات الاخرى رغم أنها يمكن أن تقوم بعملها بدون دستور، وسواء كانت النتيجة ب «نعم» أم «لا»، فإن الامر لن يختلف في ظل انقسام المجتمع المصري الى فريقين كلاهما يتربص للآخر، هذا فضلاً عن محاصرة المحكمة الدستورية، ومدينة الانتاج الاعلامي وقصر الرئاسة، والأمر أصبح خطيراً ويتطلب اجتماع العقلاء من الجانبين، فلا قيمة للدستور سواء كانت النتيجة «نعم» أو «لا» في ظل هذا المناخ، لأننا يجب ان نتفق أولاً، فالانقسام الطائفي أشد خطورة من الانقسام الجغرافي، فاذا تم تقسيم مصر فلن نتمكن من استردادها مرة اخرى، لأن أي دولة في العالم مكونة من أرض وشعب ونظام حاكم ونحن الآن نعاني من انقسام شعبي، ونظام حاكم متردد في اتخاذ قراراته، فكيف سيصدر هذا الدستور؟ دستور باطل أحمد عودة، نائب رئيس حزب الوفد، يؤكد على أنه طالما لا يوجد اشراف قضائي كامل على عملية الاستفتاء على الدستور، فان التزوير وارد بل هو واقع لا محالة، لأننا لا نطمئن على النتيجة الا مع وجود قاض على كل صندوق وليس كما حدث في المرحلة الأولى من الاستفتاء على الدستور الباطل والمشوه، حيث إن 90٪ من القضاة رفضوا واعتذروا عن الإشراف القضائي وتمت الاستعانة ببعض موظفي الدولة من غير القضاة للاشراف على اللجان الانتخابية، ولذلك فنحن لا نأمن من العبث والتلاعب والتزوير في نتيجة الاستفتاء، واذا كانت بعض المنظمات الحقوقية او جمعيات حقوق الانسان قد اثبتت بعض اوجه القصور والخلل بل والتزوير المتعمد، فإن هذا من شأنه التشكيك في النتيجة النهائية، وبالتالي فإن طلب الاعادة يكون مقبولاً، وإذا كانت الدولة تقلل من النفقات فإن الحق أحق أن يتبع خاصة وأننا نقع دستور مصر. مضيفا: كنا نتمنى أن يكون الدستور القادم لمصر بعد الثورة دستوراً سليماً صحيحاً مبرءاً عن القصور والخلل والعيوب اي غير معيب، وألا يكون عرضة للتزوير ومحلاً للتشكيك. لجان بلاقضاة ويرى وحيد الأقصري، أستاذ القانون ورئيس حزب مصر العربي الاشتراكي، أن ما تم يوم الاستفتاء على هذا الدستور يعبر عن هيمنة تيار الاسلام السياسي عليه بصورة غير شرعية، وللأسف الشديد كانت هناك سلبيات كنا نتوقعها ولكن ليس بهذه الصورة، فقد كانت هناك كشوف تصويت غير مختومة وكانت هناك لجان بلا قضاة فضلاً عن انتحال موظفين صفة القاضي في عدد من اللجان الانتخابية وأيضا لم يتمكن بعض الناخبين من التصويت بسبب منعهم قهريا من قبل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين أو بوجود الطوابير الوهمية وتباطؤ المشرفين علي لجان الاستفتاء وتأخر بداية التصويت ما أدي الي انصراف الكثيرين. كما كان هناك منعا للمراقبين الحقوقيين التابعين للمنظمات الأهلية من الرقابة أو متابعة سير العملية الانتخابية في العديد من اللجان. وأضاف الأقصري: المجلس القومي لحقوق الإنسان منح تأشيرات لأعضاء حزب الحرية والعدالة للدخول الي لجان الاستفتاء والغرز ولم يمنحها للمنظمات الحقوقية والأهلية وأيضا كان هناك مشرفون ملتحون داخل اللجان يقومون بمساعدة رؤساء اللجان في عملية التصويت والفرز وغير ذلك السلبيات التي تؤدي الي بطلان هذا الاستفتاء فضلا عن أن النتيجة المعلنة بنسبة 57٪ ب«نعم» لا تعبر إطلاقا عن توافق الشعب علي هذا الدستور ولا يمكن أن يكون هناك دستور يتوافق عليه الشعب يقل المؤيدون له علي نسبة الثلثين علاوة علي أن هذا الاستفتاء باطل من الأساس لأنه صدر عن جمعية غير قانونية «باطلة» لأن أسباب الحكم الصادر من القضاء الإداري أكدت بطلان تشكيل الجمعية التأسيسية السابقة، الذي أصبح الحكم فيها نهائيا «باتا» مشيرا الي استمرار ذلك التشكيل المخالف للحكم كما أن التصويت بعدد 85 شخصا علي مواد الدستور في تلك الليلة المشئومة يعد باطلا. وكان يجب أن يكون التصويت بمشاركة المائة عضو، أى بكامل تشكيل الجمعية التأسيسية. وأشار «الأقصرى» إلى أن غياب الإشراف القضائى الكامل على عملية الاستفتاء على الدستور أدى إلى بطلانها وللأسف الشديد نحن أمام وعد لرئيس أكد فيه أن الاستفتاء لن يجرى على الدستور إلا بعد التوافق عليه من جميع القوى السياسية الوطنية والثورية، لكنه حدث عكس ذلك، كما رأينا جميعاً. كما أننا طالبنا أن يتم الفرز من دوائر تليفزيونية خارج اللجان الانتخابية ولم يحدث هذا، وهو ما أدى إلى التزوير.. وهذه الأسباب وغيرها كفيلة ببطلان هذا الاستفتاء لأن ما بنى على باطل فهو باطل، موضحاً إلى أن الاستفتاء على الدستور كان استسلاماً للأمر الواقع والذى فرضوه علينا، كما كان يفرض الاستعمار هذا المبدأ على الشعوب المستعمرة لجعلها تستسلم للأمر الواقع. وأضاف «الأقصرى» قائلاً: إذا كانوا هم يريدون أن يجبروننا على الرضوخ لإرادتهم، فالعيب كل العيب أن نتراجع عن موقفنا ومبادئنا تحت ضغط الأمر الواقع. ويشير «الأقصرى» إلى أن المخلصين لن يرضخوا لأى رشاوى، مؤكداً أن طلب مؤسسة الرئاسة من القوى السياسية الوطنية تقوم بترسيخ أعضائه لكى يتم تعيينهم فى مجلس الشورى لأن من يرضخ يكون خارج الصف الوطنى ويعمل على تغليب المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن. وأكد الدكتور صفوت جرجس - مدير المركز المصرى لحقوق الإنسان - أن هذا الاستفتاء الذى بدأ مرحلته الأولى يوم السبت الماضى يتصف بعدم الشرعية نظراً لغياب الإشراف القضائى الكامل على عملية التصويت والفرز، ناهيك عن أن الجمعية التأسيسية «باطلة» فى تشكيلها. وأوضح الدكتور «جرجس» أن هناك كثيراً من التجاوزات شابت العملية الانتخابية بدءاً من توجيه القضاة للناخبين وهيمنة تيار واحد على اللجان الانتخابية من قبل جماعة الإخوان المسلمين الذراع السياسية لحزب الحرية والعدالة، بخلاف الدعاية الانتخابية المخالفة للقانون، وحث الناخبين على التصويت بنعم، لهذا يجب إعادة الاستفتاء باعتباره دستوراً دائماً ينبغى أن يكون بعيداً عن أى شبهات.