حينما قامت ثورة 25 يناير 2011، سعدت كثيرا لأني كنت اشاهد وقتها علم مصر، يرفرف خفاقا في كل مكان، تحمله النساء، ويحمله الرجال وحتي الأطفال أيضا، وكان أغلب السكان يعلقونه علي شرفات منازلهم، وفي ميدان التحرير تطوع البعض من شبابنا باعتلاء أعمدة الإنارة ممسكين بعلم مصر، كي يكون عاليا خفاقا في ميدان الثورة. هكذا كان ميدان التحرير بالقاهرة، وكانت أيضا كل ميادين التحرير في باقي مدن وقري مصر. تمسك شعب مصر بالعلم معناه حبهم للبلاد وتمسكهم بالوطن والذود عنه بكل غال ونفيس. ولكن أحزنني كثيرا.. ما شاهدته يوم الجمعة الماضي، بميدان التحرير في الموعد الذي كان محددا للمطالبة بتطبيق الشريعة الاسلامية. فقد حشدت بعض الجبهات الاسلامية اعدادا غفيرة بميدان التحرير. ومع الاسف الشديد، قد حمل هذا الحشد الرايات السوداء وقليلاً من الاعلام الخضراء التي تنتمي للمملكة العربية السعودية. أما علم مصر فكاد أن يختفي تماما بينهم في ميدان التحرير، ميدان شهداء مصر الثورة. في الحقيقة، أنا لا أعلم بالضبط لأي جماعة أو فئة أو بلد ينتمي هؤلاء الذين حملوا تلك الرايات السوداء. إني اعلم أن هذه الرايات كان يحملها رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم في غزواته. وقد قال لي البعض من الأصدقاء أن هذه الرايات خاصة بتنظيم القاعدة في أفغانستان. وهنا يأتي السؤال، هل هؤلاء الذين حملوا الرايات السوداء التي ملأت ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي ينتمون لتنظيم القاعدة؟؟ وأين كان كل هؤلاء قبل وأثناء ثورة يناير، التي لم نشاهد فيها علما أسود واحدا؟؟ ولماذا ظهروا مرة واحدة وفي هذا التوقيت بالذات؟؟ وأين كانوا مختفين قبل ذلك؟؟ أو بالأحرى من أين أتوا إلي مصر؟؟. وإذا افترضنا أن الرايات السوداء هذه تشير إلي تنظيم القاعدة، فما معني أن ترفع إلي جانبها الأعلام الخضراء الخاصة بالمملكة العربية السعودية؟؟ وهل من حملوا الاعلام الخضراء من اتباع اصحاب الفكر الوهابي بالمملكة العربية السعودية؟؟ وما هي إذن علاقة انصار تنظيم القاعدة، بأنصار المذهب الوهابي؟؟ حتي لو افترضنا أن المنتمين لتنظيم القاعدة والمذهب الوهابي قد انضموا إلي بعضهما البعض، أليسوا هم قبل كل شيء مصريين ومن المفترض ألا يغيب بينهم علم مصر؟؟ هل يريد هؤلاء ان يقولوا انهم لا ينتمون إلي مصر وأن ولاءهم الاول والاخير لتنظيم القاعدة في افغانستان والمذهب الوهابي في المملكة العربية السعودية؟؟ أمور كثيرة نريد أن نفهمها.. ثم ما موقف جماعة الاخوان المسلمين من كل هذا. هل تلك الجماعة تشارك هؤلاء الرأي؟؟ هل يؤيدون فكرهم المتشدد في تطبيق الشريعة الاسلامية، بالمعني الذي تتحول فيه مصر من الدولة المدنية كما كانت في الماضي إلي الدولة الدينية؟؟ أنا أعرف ان الاخوان المسلمين ينتمون إلي الفكر الاسلامي المعتدل ولا يؤيدون التشدد الديني الملحوظ هذه الأيام. هل يا تري سوف نشاهد صداما في الايام القادمة بين جماعة الاخوان المسلمين وبين انصار تنظيم القاعدة والفكر الوهابي؟؟ وإذا ما حدث مثل هذا الصدام، هل سيؤدي بنا في المستقبل إلي تقسيم مصر؟؟ وبذلك نكون قد حققنا اهداف امريكا واسرائيل في المنطقة العربية، التي تهدف إلي تكسير عظام شعوب المنطقة وتقسيم اراضيها إلي دويلات ضعيفة؟؟ أعود فأقول.. لقد سعدت جدا بما شاهدته في بداية ثورة 25 يناير، حينما كان علم مصر خفاقا في كل انحاء البلاد، كما سعدت أيضا حينما كنت أري المسلم والمسيحي معا يدا واحدة ضد النظام الفاسد، واسعدني كثيرا موقف جيشنا المشرف بانحيازه لشعب مصر، مدافعا عن حقوقه ومؤيدا لمطالبه. لكن، ماذا حدث لنا الآن؟؟ إلي أين نحن ذاهبون؟؟ لقد بدأ البعض منا يتحسر ويندم علي عهد حسني مبارك، خوفا ورعبا من المستقبل الأسود، الذي لوحت له تلك الرايات السوداء التي انتشرت أخيرا في ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي، المسماة بجمعة تطبيق الشريعة الاسلامية، والتي من المتوقع أن يتم الحشد لها مرة أخري غدا . وفي المقابل هناك دعوات اخري نادت بها الجبهات المدنية، للمطالبة بالحشد لمليونية أخري ردا علي مليونية تطبيق الشريعة الاسلامية. فماذا يعني هذا كله؟؟ هل نحن قادمون علي ما هو أسوأ فعلا من صدام بين افراد الشعب المصري. أتمني من جيشنا العظيم - كما عهدنا منه - أن يكون حاميا ومدافعا عن جبهتنا الداخلية، كما هو مكلف بحماية الجبهة الخارجية. فمصر قد يصل الحال بها إلي الصدام الشعبي الذي يؤدي للانقسام والتشتت والتشرذم، إن لم نعد مرة اخري كما كنا في بداية الثورة، لا نري إلا علم مصر، خفاقا عاليا في كل بقاع الوطن.