من سفر المنفي .. حتي إذا كان الإسلام حلاً.. فإن المسلمين العرب هم المشكلة د. سعد الدين إبراهيم في شهر مايو 2008، كان الوطن العربي يشهد عدة حرائق، ألا وهي الصراعات المسلحة في لبنان، والعراق، وفلسطين، والسودان، واليمن، والصومال. وفي هذه الصراعات المسلحة جميعاً، استخدم الفرقاء المتقاتلون "الإسلام" كشعار للتعبئة والحشد. إنهم جميعاً مسلمون يحاربون مسلمين. وبعد أن كان بعضهم يرفع شعار "الإسلام هو الحل"، أصبح "إسلامهم هو المشكلة". فبمجرد حصول أي عدد منهم علي السلاح، فإنه يرفعه في وجه السلطة، حتي لو كانت هذه السلطة تحكم أو تتحكم باسم الإسلام أيضاً، علي شاكلة ما رأينا في السنوات الأخيرة بين أنصار بن لادن وتنظيم القاعدة من ناحية، والسلطة في المملكة العربية السعودية، من ناحية أخري، أو تفجيراتهم في المغرب، التي يحكمها ملك باسم الإسلام، ويلقب باسم "أمير المؤمنين". أي كل منهم يقتل مسلمين آخرين باسم الإسلام. وإطلالة سريعة علي ما تطالعنا به وسائل الإعلام تؤكد كيف أصبح لفظ "الإسلام" ومشتقاته لعبة في أيديهم، فهناك، مثلا: الاخوان المسلمون، مصر، والجهاد مصر، الجماعة الإسلامية، مصر، كتائب الرحمن، مصر. حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين، حركة الجهاد الإسلامي، في فلسطين. حزب الله، لبنان، فتح الإسلام، لبنان، الجماعة الإسلامية أيضاً في لبنان. الحوثيون الزيديون، في اليمن، حزب تجمع الإصلاح الإسلامي في اليمن. المحاكم الإسلامية، في الصومال. جبهة العمل الإسلامي في الأردن، حزب التحرير الإسلامي في الأردن. - العدل والمساواة، في السودان، حزب الجبهة الإسلامية في السودان. - القاعدة الإسلامية في المغرب العربي، العدل والأحزاب في المغرب، حزب العدالة والتنمية في المغرب. حركة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر، الكتائب الإسلامية المسلحة في الجزائر. - القاعدة في بلاد الرافدين (العراق)، حزب الدعوة "الإسلامية" في العراق، جيش المهدي في العراق، جيش "بدر" في العراق. والشاهد هو أن كل من حاول استخدام الدين لإضفاء الشرعية علي نفسه، وهو يستبد ويتسلط علي عباد الله في وطنه، فإنه يفتح باب جهنم علي نفسه، وعلي شعبه، وعلي وطنه، ويسئ للإسلام. ومن ذلك: ما حاوله الرئيس الراحل أنور السادات في سبعينيات القرن الماضي، حينما أطلق علي نفسه صفة "الرئيس المؤمن"، وأدخل تعديلين علي الدستور، ليجعل من "الشريعة الإسلامية" "مصدر للتشريع"، ثم "المصدر الرئيسي للتشريع". ولكن ذلك لم يمنع من يزايدون عليه إسلامياً، إلي أن أردوه قتيلاً، يوم عيد انتصاره (6 أكتوبر 1981)، وكان قاتلوه ينتمون إلي تنظيم أطلق علي نفسه اسم "الجهاد". وما حاوله الرئيس السوداني جعفر النميري، الذي كان قد قاد انقلاباً عسكرياً، استولي به علي السلطة، ثم حينما تزايدت الاحتجاجات علي ممارساته الاستبدادية، قلّد الرئيس السادات، وأعلن "إسلاميته"، وتطبيق الشريعة، ووجد لنفسه مُنظراً إسلامياً إخوانياً، هو حسن الترابي، الذي كفّره مفكرين مسلمين آخرين، وحُكم علي أربعة منهم كانوا يُعرفون باسم "الإخوان الجمهوريين الإسلاميين" بالإعدام، بسبب اجتهاداتهم السلمية في شؤون الدين والدنيا، ثم اختلف النميري والترابي، فوضع النميري، الترابي في السجن. ثم قامت انتفاضة شعبية اقتلعت النميري نفسه من السلطة، فلجأ إلي مصر. وبعد فترة وجيزة تآمر الترابي مع ضباط في الجيش السوداني، باسم "الإسلام"، مرة أخري للانقضاض علي حكومة منتخبة ديمقراطياً، وكانت برئاسة صهره، الإمام الصادق المهدي. وأعلن الترابي وقائد الانقلاب الجديد، العقيد اللواء الفريق عمر البشير، تأسيس الجبهة الإسلامية، وتطبيق "الشريعة" علي كل السودانيين، بما فيهم ربع السكان من غير المسلمين في الجنوب، فاشتعلت حرب أهلية طاحنة من جديد. وحينما شعر مسلمون آخرون الظلم علي أيدي مسلمي الشمال في الخرطوم، كوّنوا تنظيماتهم المتمردة، وأعطوها أيضاً مسميات إسلامية، مثل "العدل والمساواة" في إقليم دارفور. وحدث وما يزال يحدث شيء مشابه في اليمن. فالمتنافسون علي السلطة وجدوا ضالتهم المنشودة في نفس الاستخدام للمسميات والشعارات الدينية، حتي لا يزايد عليهم النظام التسلطي دينياً. فحينما أطلق الرئيس اليمني العقيد علي عبد الله صالح حزباً باسم المؤتمر الوطني، أسس فريق من مناهضيه حزباً معارضاً باسم (المؤتمر الإسلامي للإصلاح). وحينما اشتدت شوكة هذا الأخير أوعز علي عبد الله صالح لأحد الزعامات القبلية، وهو بدر الدين الحوثي، بتشكيل حركة إسلامية من أبناء المذهب "الزيدي"، لموازنة حزب المؤتمر الإسلامي للإصلاح، الذي ينتمي معظم أتباعه للمذهب الشافعي السني، المدعوم سعودياً. ثم شعر بدر الدين الحوثي بالقوة، وبأبعاد اللعبة الدينية التي يستخدمه فيها الرئيس علي عبد الله صالح، تحت غطاء الإسلام. فرفض الاستمرار في دور مخلب القط. وبدأ هو وأبناء قبيلته في شمال اليمن يطالبون بنصيبهم في الثروة والسلطة. أي أنهم يريدون أن يكونوا "شركاء" لا "أجراء" أو "عملاء" عند علي عبد الله صالح. ولما كان هذا الأخير، مثله مثل بقية المستبدين العرب، لا يريد شريكاً ولا حسيباً ولا رقيباً عليه، فقد أمر الجيش بتأديب بدر الدين الحوثي، واشتعلت معارك دامية، قتل في أحدها بدر الدين. ولكن شقيقه استمر في قيادة أبناء القبيلة ضد نظام علي عبد الله صالح. وتوسطت دول شقيقة، مثل قطر، بين الحوثيين والنظام. ولكن بعد أكثر من عام لم تتوقف المعارك بين الطرفين تماماً. ويقال أن بعض قيادات الجيش بدأت بدورها تطالب بثمن لخوضها المعارك نيابة عن علي عبد الله صالح. فما كان من هذا الأخير إلا أن أنشأ قوات خاصة بقيادة ابنه أحمد، موازية للجيش وللحوثيين، وهكذا بدأ السحر باسم الدين ينقلب علي الساحر. أما حزب الله، الذي قال لي زعيمه السيد حسن نصر الله في يناير من العام الماضي (2007) أن أتباعه لن يرفعوا السلاح أو يطلقوا النار علي لبناني أخر، حتي لو أطلق عليهم لبنانيون آخرون النار، فمن الواضح أنه لم يحفظ هذا العهد. فقد أطلق مقاتلون من حزب الله النيران علي لبنانيين آخرين، في معرض محاولة الدولة اللبنانية السيطرة علي شبكة للاتصالات أقامها حزب الله حول مطار بيروت، بدعوي أنها ضرورية لجولات أخري قد تتجدد مستقبلاً مع إسرائيل. أي أن حزب الله الذي خاض مقاومة مشرّفة ضد إسرائيل في الماضي، يريد أن تعترف له الدولة اللبنانية بشرعية أن يكون دولة داخل الدولة. وهو بذلك، بقصد أو بغير قصد، يتصرف مثل أنظمة عربية حاكمة تمارس سلطة مستبدة بدعوي الاستعداد للنضال ضد إسرائيل. رغم أنها لم تحرر شبراً واحداً من فلسطين في الستين سنة الأخيرة. بتعبير آخر، أي أن المطلوب علي لسان حال هؤلاء هو الإذعان لاستبداد الأخوة الأقربون، علي أمل الحماية من استبداد الأعداء الأبعدون. وهكذا تحوّل الشعار الذي رفعه الإخوان المسلمون منذ سنوات أن "الإسلام هو الحل" إلي واقع أن المسلمين الذين مارسوه، أصبحوا هم "المشكلة". فهم حيناً يقاتلون به غير المسلمين، ولكنهم أحياناً أكثر يقتلون به مسلمين آخرين. من ذلك أيضاً أن من قتلهم تنظيم "القاعدة" في بلاد الرافدين من المسلمين العراقيين، يفوق عشرة أمثال من قتلوهم من الأمريكيين الغزاة. فهل من يرفعون شعار "الإسلام هو الحل"، يفعلون ذلك إلي أن يتمكنوا، ثم يمارسون السيطرة والتنكيل بغيرهم من المسلمين وغير المسلمين؟ لا شك أن هناك مسلمين أتقياء مؤمنين يصدقون ويندفعون وراء هذا الشعار الروحاني الجذاب، دون السؤال: أين ومتي حقق مرددوه مجتمعاً بلا مشكلات؟ ولعلهم لا يدركون أن مجتمعاً بلا مشكلات لا يمكن أن يكون مجتمعاً بشرياً. ربما مجتمعاً من "الملائكة" فقط هو المجتمع الوحيد بلا مشكلات. والشاهد هو أن الذين يتلاعبون بهذه الشعارات الدينية، هم العرب دون بقية المسلمين غير العرب. وربما كان ذلك هو السبب أن ثلثي المسلمين في العالم اليوم يعيشون في ظل أنظمة منتخبة ديمقراطياً، أما الثلث الأخير الذي يعيش في ظل أنظمة استبدادية غير منتخبة فهو الثلث الذي يتشكل منه العرب المسلمون. أي أن العرب المسلمين، حتي لو استخدموا شعار" الإسلام هو الحل" فإنه يتحول في أيديهم إلي مشكلة. والله أعلم عن صحيفة الراية القطرية 17/5/2008