وزير الأوقاف: نصطف خلف رمزنا الجليل فضيلة الأمام الأكبر شيخ الأزهر    جداول الترم الثاني «أبناؤنا في الخارج» لجميع الصفوف    وزير التعليم العالي يُكرّم سامح حسين: الفن الهادف يصنع جيلًا واعيًا    وزير الخارجية يشارك في افتتاح المؤتمر العاشر لمنظمة المرأة العربية    مستشفى قنا العام تنجح في تنفيذ قسطرة مخية لمسنة    سعر الدولار اليوم يتراجع في 10 بنوك بنهاية تعاملات الاثنين    وزير الاتصالات يغادر إلى طوكيو للمشاركة في فعاليات مؤتمر "سوشي تك"    «التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي» يشارك في معرض أبو ظبي للكتاب    البنك المركزي يطرح أذون خزانة ب 75 مليار جنيه وسعر الفائدة يصل إلي 26.62%    منتدى الأعمال العُماني الروسي يوقع اتفاقيات تعزيز فرص التعاون التجاري والاستثماري    بن غفير: المساعدة الوحيدة التي يجب أن تدخل إلى غزة هي الهجرة الطوعية    إعلام إسرائيلي: الحكومة تقرر عدم تشكيل لجنة تحقيق في أحداث 7 أكتوبر    وزيرا خارجية قطر والعراق يبحثان سبل تعزيز العلاقات الثنائية    مؤتمر إنزاجي: لاوتارو لم يتدرب مع الفريق.. وأخطاء الذهاب كلفتنا 3 أهداف    مصدر من اتحاد الكرة يكشف ل في الجول موقف الأهلي من قيد صفقاته قبل مونديال الأندية    أشرف نصار: اسم طارق مصطفى ارتبط بالزمالك منذ تواجده في البنك.. ومعنديش لاعب استخرج تأشيرة أمريكا    تطورات مفاوضات الزمالك لضم المغربي كريم البركاوي    رئيس الاتحاد الدولي للترايثلون: مصر تستحق تنظيم دورة الألعاب الأولمبية    فريق ملاكمة الناشئين بأسيوط يحصد فضيتين وبرونزيتين في بطولة الجمهورية بالإسكندرية    مراجعات نهائية لطلاب الشهادة الإعدادية بتعليم الوادي الجديد قبل الامتحانات    الأرصاد الجوية : ارتفاع فى درجات الحرارة وشبورة صباحا والعظمى بالقاهرة 32 درجة غدا    لمدة 20 يوما.. علق كلي لمنزل كوبرى الأباجية إتجاه صلاح سالم بالقاهرة    كأنه هو، أحد تلاميذ الطبلاوي يحاكيه في ذكرى رحيله الخامسة بمدفنه (فيديو وصور)    أفضل الخروجات لموعد غرامي.. هذه الأبراج تفضل الأماكن المفتوحة    الشارقة القرائي للطفل يشهد تكريم الفائزين في مسابقة فارس الشعر 2025    مستقبل الذكاء الاصطناعي ضمن مناقشات قصور الثقافة بالغربية    شام الذهبي: الغُناء بالنسبة لي طاقة وليس احتراف أو توجه مهني    مدير التأمين الصحي بالقليوبية توجه بالمتابعة وتطبيق المعايير بشكل صحيح لتحسين بيئة العمل    محافظ الجيزة يوجه بصيانة مصعد فرع التأمين الصحي ب6 أكتوبر    "الغرف التجارية": إصلاحات الدولة تحفز تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة    الإغاثة الطبية بغزة: وفاة 57 طفلا نتيجة سوء التغذية والجوع فى القطاع    العملات المشفرة تتراجع.. و"بيتكوين" تحت مستوى 95 ألف دولار    إحالة المتهم بالتعدى على الطفلة مريم بشبين القناطر للجنايات    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عدة قرى وبلدات جنوب مدينة نابلس    رئيس الوزراء يتابع خطوات تيسير إجراءات دخول السائحين بالمطارات والمنافذ المختلفة    كارول سماحة تقيم عزاء ثانيا لزوجها وليد مصطفى فى لبنان الخميس المقبل    ترامب يرسل منظومتي باتريوت لأوكرانيا.. ونيويورك تايمز: أحدهما من إسرائيل    الهند تحبط مخططا إرهابيا بإقليم جامو وكشمير    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية بوحدات طب الأسرة فى أسوان    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    "وُلدتا سويا وماتتا معا".. مصرع طفلتين شقيقتين وقع عليهما جدار في قنا    جامعة بنها تحصد المراكز الأولى فى مهرجان إبداع -صور    مدرب نيوكاسل: لن ننتظر الهدايا في صراع التأهل لدوري الأبطال    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    جوري بكر في بلاغها ضد طليقها: "نشب بيننا خلاف على مصروفات ابننا"    «الصحة» تنظم دورات تدريبية للتعامل مع التغييرات المناخية وعلاج الدرن    هيئة الرعاية الصحية: نهتم بمرضى الأورام ونمنحهم أحدث البروتوكولات العلاجية    جامعة مايو تفتح ندوتها "الانتماء وقيم المواطنة" بكلمة داليا عبد الرحيم.. صور    "دينية النواب" تناقش تنظيم إصدار الفتوى الشرعية    محمود ناجي حكما لمواجهة الزمالك والبنك الأهلي في الدوري    مروراً بالمحافظات.. جدول مواعيد قطارات الإسكندرية - القاهرة اليوم الاثنين 5 مايو 2025    مصرع طالبة صعقًا بالكهرباء أثناء غسل الملابس بمنزلها في بسوهاج    ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومي    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 .. تعرف عليه    بكام الشعير والأبيض؟.. أسعار الأرز اليوم الإثنين 5 مايو 2025 في أسواق الشرقية    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يتصالح «الإخوان المسلمون» ويتحالفون مع الغرب؟
نشر في محيط يوم 06 - 02 - 2008


هل يتصالح «الإخوان المسلمون» ويتحالفون مع الغرب؟
شاكر النابلسي
لا أحد ينكر أن جماعة «الإخوان المسلمين» الآن في مصر وخارج مصر ومن خرج من عباءتها من الأحزاب الدينية/السياسية الأخرى كحركة «حماس» في غزة، وحزب «العدالة والتنمية» في المغرب، تعتبر من أكبر الأحزاب العربية على الساحة السياسية، بعد أن تهاوى «حزب البعث العربي الاشتراكي» في العراق، وفقد الكثير من قواعده ومصداقيته في أنحاء متفرقة من العالم العربي، نتيجة للممارسات التي يقوم بها في سوريا ضد المعارضة، وما يحدثه من فوضى مدمرة في لبنان وفلسطين والعراق.
فلو فتّش الغرب الآن عن حزب سياسي قوي له تاريخه الطويل منذ نشأته عام 1928، في الإسماعيلية المصرية، يتحدث معه، ويحاوره، ويركن إليه، فلن يجد غير جماعة الإخوان المسلمين، ليس لأنهم هم الحزب المؤهّل للتفاهم والمصالحة مع الغرب، ولكن لأنه لا حزب سياسياً غيرهم في العالم العربي يفوقهم تنظيماً وعدداً (لهم فروع ومكاتب في أكثر من 70 بلداً في العالم) وتأثيراً ومالاً في الشارع العربي، وخاصة الشارع المصري، بعد أن كسبوا 88 مقعداً في الانتخابات التشريعية المصرية الأخيرة، وأصبحوا أقوى قوة سياسية في «مجلس الشعب» المصري، بعد «الحزب الوطني» الحاكم.
الإخوان المسلمون بين الخطاب والتطبيق
تخشى الأحزاب العلمانية العربية - على قلتها وضعفها وتهافتها - وكذلك الغرب من خطاب الإخوان المسلمين السياسي والديني فيما يتعلق بحرية المرأة،وإقامة الخلافة الإسلامية، ومعاملة غير المسلمين (أهل الذمة) كمواطنين من الدرجة الثانية. وهذه النقاط الثلاث في خطاب الإخوان المسلمين هي التي تُخيف العلمانيين العرب كما تُخيف الغرب عموماً وأميركا على وجه الخصوص من تولي الإخوان المسلمين زمام الحكم في أي بلد عربي، وخاصة في مصر. لكن الواقع والتطبيق مختلف عن هذا.
لقد فازت «حماس» في الانتخابات التشريعية في فلسطين بداية عام 2006، وتولّت الحكم لمدة تزيد على عام وكان لها خطابها السياسي/ الديني، فماذا فعلت؟ وماذا حقق الشعب الفلسطيني من هذا الحكم؟ وهل ستحقق «حماس» قيام دولة دينية فلسطينية؟
لقد وقف العرب في التطبيق ضد آمال «حماس» وغاياتها. ووقف العالم في التطبيق من وراء العرب ضد غايات حماس وآمالها. ولم تحقق حماس في غزة غير الفوضى، ومزيد من الجوع، والتشرد، والبطالة، والنقمة من الشعب الفلسطيني في غزة.
صحيح أن «حماس» وخطابها السياسي/الديني ليسا هما السبب الوحيد في كل ما جرى في غزة. ولكن هناك في العالم العربي والغرب منطقاً عاماً يكاد يكون واحداً، وهو انضواء العالم تحت نظام واحد بعد الانفجار المعلوماتي وانتشار العولمة. ولعل هذا ما اسقط الاتحاد السوفياتي ودول الكتلة الشرقية، حين أرادت أن تبتدع في العالم نظاماً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً جديداً مخالفاً للنظام العالمي الرأسمالي الذي يتبنى الديمقراطية والعلمانية والعولمة والسوق الحرة ويأخذ بالحداثة من كافة جوانبها، بل إنه يعيش اليوم عصر «ما بعد الحداثة».
الإخوان والإسلام السياسي
من المعروف أن الإخوان المسلمين عندما نشأوا، كانوا جماعة اجتماعية وليست سياسية. وقد تحولوا إلى السياسة فعلياً في الأربعينيات، عندما أراد الشيخ حسن البنا أن يرشّح نفسه في الانتخابات التشريعية المصرية عام 1942، ولكنه عدل عن ذلك نزولاً على رغبة مصطفى النحاس باشا في ذلك الوقت، مقابل صفقة سياسية خاصة بين حزب «الوفد» وبين الإخوان المسلمين. ومنذ ذلك الوقت أصبح الإخوان المسلمون يلعبون في الملاعب السياسية، فقاموا في 1948 بقتل النقراشي باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك، جزاء ما قام به من اعتقال لزعماء الإخوان البارزين، بعد قيام الإخوان بعدة عمليات إرهابية في أنحاء مختلفة من مصر، وإغلاق مكاتبهم ومصادرة الكثير من وثائقهم وأموالهم. وقد كلفوا عبد المجيد حسن عضو الجماعة بارتداء زي ضباط الشرطة والوقوف على باب المصعد واغتيال النقراشي باشا. وقد تعلّم الإرهابيون بعد ذلك هذه الخطط وراحوا اليوم ينفّذونها في أماكن مختلفة من العراق وأفغانستان ويفخخون السيارات، أو يلبسون الأحزمة الناسفة. ثم تمَّ اغتيال الشيخ حسن البنا في العام الذي يليه 1949، وتتابع مسلسل الاغتيال السياسي في مصر وخارجها.
الإخوان المسلمون وعُصاب الخلافة
في ظني أن الملك فؤاد (1868-1936) ملك مصر (1917-1936)، كان وراء نهوض وتعاظم قوة جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست عام 1928 وكان يطمح في أن يصبح «خليفة المسلمين» بعد انهيار وإلغاء الخلافة الإسلامية في استنبول عام 1924ومن هنا، أطلق الإخوان على أنفسهم «جماعة الإخوان المسلمين»، في ظروف لم يكن فيها المسلمون في مصر مظلومين أو معزولين، لكي يقوموا بتأليف حزب إسلامي يُنصفهم ويُنهي عزلتهم ويرُدَّ لهم حقوقهم. بل إن المسلمين والأقباط كانوا يعيشون في وئام وائتلاف. وكانت «وحدة الهلال مع الصليب» وحدة مصرية حقيقية على أرض الواقع، وليست مجرد شعارات تُطلق. وكان حزب «الوفد» وهو حزب الأغلبية العلماني، يضم قياديين من الأقباط كمكرم عبيد وغيره.
ولكن رغبة الملك فؤاد في إيجاد حزب ديني إسلامي كالإخوان المسلمين، كانت لكي يحققوا هدفه، في أن يصبح «خليفة المسلمين»، ولكي يقفوا كذلك في وجه حزب «الوفد» المتمسك بالعلمانية والديمقراطية والدستور والتعددية والذي بقدر ما كان الملك فؤاد يحب زعيمه (سعد زغلول) بقدر ما كان يخشى منه، ولا يركن إليه.
وقد ساند بعض شيوخ الأزهر رغبة الملك فؤاد بالخلافة الإسلامية. وفيما بعد، ساند الأزهر وعلى رأسه الشيخ محمد مصطفى المراغي الملك فاروق كذلك في رغبته بأن يصبح خليفة للمسلمين. وأصدر شيخ الأزهر فتوى للملك فاروق، يثبت فيها أن الملك فاروق من الأشراف، وأنه من آل البيت، وأن من حقه أن يكون خليفة المسلمين. ووقتها أطلق الملك فاروق لحيته (وكذلك فعل الملك حسين بن طلال في 1991 وأطلق لحيته وأطلق على نفسه «الشريف» بدعم من إخوان الأردن، ثم تراجع). ولازم الملك فاروق الشيخ المراغي كما تقول الباحثة لطيفه سالم في كتابها (فاروق وسقوط الملكية). ولكن قيام الشيخ علي عبد الرازق بنشر كتابه العاصفة «الإسلام وأصول الحكم- 1925» ونفيه لوجود دولة دينية في الإسلام وأن الإسلام دين وليس سياسة، هو الذي وقف عقبة أمام الملك فؤاد، ولولا ذلك لجرت الأمور مجرى آخر.
وظل الإخوان المسلمون في خطابهم السياسي متمسكين بالخلافة الإسلامية إلى هذا اليوم يعرضونها كبضاعة بائرة على كثير من الحكام العرب ولا يجدون لها مشتريا.
«الإخوان» هم اللاعب السياسي الرئيسي
جماعة الإخوان المسلمين، أصبحت الآن بعد هزيمة الأحزاب اليسارية العربية الأخرى، وتفرّق شملها في العالم العربي، هي - أو من خرج من عباءتها - اللاعب السياسي الرئيس على الساحة العربية السياسية في معظم الدول العربية. فجماعة الإخوان المسلمين بدأت عام 1928 دينية للهُدى والنشاط الاجتماعي، وانتهت سياسية تطلب كرسي الحكم. لذا، فقد قال لهم مرشدهم حسن الهضيبي محذراً: «كونوا هُداة لا قُضاة».
وقد لعبت هذه الحركة أكثر الأدوار السياسية أهمية في التاريخ السياسي العربي. فهي التي حاولت إعادة الخلافة الإسلامية متمثلة بالملك فؤاد والملك فاروق بعد سقوطها في تركيا عام 1924 وقرأت القرآن الكريم ورسالة الإسلام قراءة حرفية متعسفة ومتشددة على عكس القراءة العقلانية أو التاريخية. وجاءت ب «إسلام الإخوان»، وهو «إسلام» حرفي وعدمي النزعة، كتبه سيّد قطب من وسط زنازين التعذيب، وكذلك صالح العشماوي وغيرهما في الخمسينيات والستينيات.
وهي جماعة، كانت تبعث على القشعريرة والرعب في نفوس الناس في أوروبا والغرب كله. وكان الغربي غير المسلم، يرى في التسمية ذاتها تهديداً له، كما قال الباحث الفرنسي كزافييه تيرنسيان في كتابه عن الإخوان (Les Fréres Musulmans) (الإخوان المسلمون - باريس 2005).
وهي التي شاركت في مقاومة الاحتلال البريطاني لمصر، وشاركت في الحرب العربية - الإسرائيلية في فلسطين 1948 وهي التي ساهمت فكرياً في قيام ثورة 23 يوليو 1952 وكانت اللاعب السياسي الوحيد على الساحة الأردنية طيلة ثلاثين عاماً (1957-1987). وهي التي وقفت في وجه المدِّ الناصري (1956-1970). ووقفت إلى جانب السادات في رحلة السلام.
وهي التي كانت سبباً في مقتل أكثر من عشرين ألفاً من الأبرياء في مدينة حماة السورية 1982 ووقفت إلى جانب صدام حسين في غزوه الكويت. وهي التي ضمّت تحت جناحيها معظم الجماعات السلفية الدينية «الجهادية»، وتزعمت الفكر السلفي في تكفير الآخر، خاصة في السعودية والخليج. فأصبحت بلاءً بعد أن كانت عزاءً، كما وصفها وزير الداخلية السعودي (جريدة «السياسة» 13/9/2003). وهي التي فرّقت بين المواطن المسلم والمواطن المسيحي في مصر.
ودعا مرشدها العام السابق مصطفى مشهور إلى طرد المسيحيين من الجيش المصري، واعتبار الأقباط «أهل ذمة»، ودبِّ الرعب في قلوب زعماء الأقباط، مما دفعهم إلى مقاومة أي تقارب بين الإخوان المسلمين والإدارة الأميركية.
وحاولت جماعة الإخوان المسلمين الاستيلاء على السلطة من خلال محاولات الاغتيال في مصر وسوريا. وقامت بتجهيل العصر الحديث (سيد قطب : جاهلية القرن العشرين). وأنكرت التعددية والديمقراطية. وقالت بالحزب الواحد (حزب الله).
وأنكرت الانتخابات وأخذت بالشورى. وهي تختار مرشدها العام (الزعيم) ليس بالانتخاب، وإنما بالاستفتاء. وتقف موقفاً معارضاً وقوياً من الانتخابات النيابية. وتنادي بالبيعة على سُنّة السلف الصالح من قبل أصحاب (الحل والعقد) من الفقهاء الذين ينوبون عن الأمة في البيعة، علماً بأن لا أحد أنابهم في ذلك.
وما زال الإخوان حتى الآن في تنظيمهم الداخلي يأخذون بالبيعة، ولا يأخذون بالانتخاب. فالمرشد العام (يجب أن يكون مصرياً. والمرشدون دائماً من مصر، على غرار: الأئمة من قريش) الذي يحكم الملايين من الإخوان في أكثر من سبعين بلداً في العالم، يختاره بالبيعة 15 شخصاً فقط من مكتب الإرشاد بالقاهرة، وهم (أهل الحل والعقد)!
وهذه هي الشورى التي ينادي بها الإخوان المسلمون، والتي لا يُستشار فيها أحد، والتي هي مُعلّمة كما يقول الشعراوي والغنوشي وغيرهما، وليست مُلزمة كالديمقراطية الغربية كما يقول خالد محمد خالد ومحمد الغزالي وجمال البنا وغيرهم. وما زالت بعض حركات الإخوان في العالم العربي تؤمن بالبيعة لا بالانتخابات.
وآخرها كانت بيعة الإخوان المسلمين السودانيين لجعفر النميري في 1989 التي وصفها الشيخ ياسين الإمام أحد قياديي الإخوان بأنها بيعة ك «بيعة الرضوان»، وأنها تستعيد ذكرى السيرة العطرة، ومواقف الصحابة في «بيعة الرضوان» (محمد القدال: الإسلام والسياسة في السودان، ص221).
الإخوان المعتدلون الآن
رغم هذا التاريخ السياسي الدموي لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أنهم في السنوات الأخيرة اتجهوا إلى الاعتدال، بعدما شدد الغرب بكافة أجهزته الرقابة والعقاب للإرهابيين، وأيقنوا أن الاعتدال هو الذي سوف يوصلهم إلى كراسي الحكم بالتعاون مع الغرب، وليس التطرف وأن مفاتيح القصور الرئاسية والملكية أصبحت في يد الغرب.
فلا يعتقد أحدٌ في العالم العربي أنه يمكن الوصول إلى كرسي الحكم دون دعم ومساعدة من الغرب. واستعراض التاريخ العربي الحديث مفصلاً، يتبيّن لنا أن معظم أنظمة الحكم التي قامت في العالم العربي في القرن العشرين، كانت بالتفاهم والاتفاق والدعم الغربي، مرةً من بريطانيا، ومرةً من فرنسا، ومرةً من أميركا.
من خلال هذا التاريخ الطويل الحافل لجماعة الإخوان المسلمين، ومن خلال هذا التأثير الكبير لهذه الحركة على الشارع العربي، ومن خلال الخطوات التي خطتها هذه الجماعة نحو البراغماتية السياسية، فكّر بعض المثقفين الليبراليين ممن لهم صلات قوية بجماعة الإخوان المسلمين وبالإدارة الأميركية كذلك، أن يجمعوا الخصمين على وسادة واحدة (ويا بخت من جمّع راسين بالحلال).
وكان اللاعب الرئيسي في هذا المشهد السياسي الأميركي- الإخواني هو المفكر والناشط السياسي سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون بالقاهرة، والباحث في «معهد وودرو ويلسون» بواشنطن، والمنفي الآن نفياً اختيارياً خارج وطنه، والذي قيل إنه استطاع أن يجمع عصام العريان بمسؤولين أميركيين.
ثم كتب بعد ذلك مقالاً في جريدة «نيويورك تايمز» ونشرته كذلك «الهيرالد تربيون انترناشونال» في 30/5/2005 يُبشّر به بهذه الخطوة، ويدعو إلى دعمها ونصرتها. وما زال يُقنع الإدارة الأميركية بضرورة التعاون مع الأحزاب الدينية الإسلامية التي هي أكثر الأحزاب شعبية وتنظيماً في الشارع العربي، أسوة بالأحزاب المسيحية في ألمانيا (حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي) و(الحزب الديمقراطي المسيحي ) في سويسرا و (الحزب الديمقراطي المسيحي) في إيطاليا.
وهي أحزاب علمانية صِرفة، تأخذ من الدين روحه وبركاته فقط. علماً بأن هذه الأحزاب هي من نتاج الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. وظهرت لاستغلال مشاعر المسيحيين في صراعاتها. وبعد انتهاء الحرب الباردة بدأت هذه الأحزاب بالزوال. فانتهى وجود «الحزب الديمقراطي المسيحي» في ايطاليا، الذي كان من بين أقوى الأحزاب السياسية الأوروبية. وتراجعت قوة بقية الأحزاب المسيحية في أوروبا.
لماذا دعوة الحوار مع الإخوان؟
إن حجة سعد الدين إبراهيم في إفساح المجال للحوار الأميركي مع الإخوان المسلمين لكي يأخذ طريقه، تتركز في سببين رئيسين:
1- من الواضح أنّه يجدر بالغربيين، انطلاقاً من المبدأ والبراغماتية، ألا يخافوا من فكرة السماح لأحزاب دينية بالاضطلاع بدور في الهيكليات السياسية التي تبرز في العالم العربي. وذلك أنّه يجب أن يتمتّع الإسلاميون، بصفتهم مواطنين، بالحقوق الأساسية نفسها التي يتمتّع بها الآخرون. فإطلاق الدعوات لإحلال الديمقراطية في هذه البلدان، وإنكار حقوق مجموعات تريد التنافس بطريقة سلمية على المناصب المختلفة في الوقت نفسه، هو ضرب من ضروب الرياء.
2- أنّ الإسلاميين منظّمون جيداً ويحظون بالشعبية. صحيح أنّ بعضهم أنشأ ذراعاً مسلّحة داخل حركته، هدفها الظاهري مقاومة الاحتلال الأجنبي («حزب الله» في لبنان، و «حماس» و «الجهاد الإسلامي» في فلسطين) أو مواجهة الأنظمة الاستبدادية، لكن في مختلف الحالات، هناك نواة إسلامية معتدلة، وأقلّ عنفاً. ومن شأن استبعاد الأحزاب الدينية من الاتجاه السياسي السائد أن يؤدّي إلى هيمنة الفصائل المسلّحة على حساب الوسط الأكثر اعتدالاً.
ظهور «الإخوان الجُدد Neo-Bros»
ولعل دعوة سعد الدين إبراهيم تلك، جاءت في الوقت المناسب. فقد حصل تطور مهم في الفترة الأخيرة في «الإسلام السياسي» الإخواني. وهذا ما يجعل بعض المراقبين يعتقدون أنهم سوف يشهدون بروز أحزاب إسلامية ديمقراطية بكل معنى الكلمة - كما قال سعد الدين إبراهيم - على غرار الأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية.
ومن هذه الأحزاب جماعة الإخوان المسلمين التي أخذت في الفترة الأخيرة تتبنى ما في البراغماتية السياسية من حداثة وليبرالية، بحيث غدا «الإسلام السياسي» بالنسبة لها عبارة عن قشرة طلاء ذهبية برّاقة لأغراض التسويق السياسي المحلي فقط، وإرضاء لغرائز الشارع العربي الدينية.
في حين أنها قدمت نفسها للعالم الخارجي وللإدارة الأميركية على وجه الخصوص كحزب حداثي ليبرالي، يؤمن بالتعددية السياسية، وينفي مطالبته بإقامة الخلافة الإسلامية أو «الدولة الدينية»، ويطالب بإقامة «الدولة المدنية»، ويريد الوصول إلى الحكم من خلال صناديق الاقتراع، ولا يضع قيوداً على حرية المرأة، وغير ذلك من الشعارات الليبرالية التي تنقل جماعة الإخوان المسلمين من خانة الأحزاب الدينية السلفية المنغلقة والظلامية، إلى خانة الأحزاب السياسية التقدمية والليبرالية.
وهو ما نقرأه من خلال بيانات وتصريحات الجيل الجديد من القياديين الإخوانيين كعصام العريان، ومحمد السيد حبيب، وعبد المنعم أبو الفتوح وغيرهم. وهم الذين يمثلون تياراً سياسياً جديداً نُطلق عليه اليوم «الإخوان الجُدد Neo-Bros» الذين يحاورون الآن «المحافظين الجُدد Neo-Cons».
عن صحيفة الوطن القطرية
6/2/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.