تاريخ طويل وحافل... تعتبر جماعة الإخوان المسلمين أعرق حزب سياسي عربي - إسلامي موجود الآن علي الساحة العربية. وهم قضوا حتي الآن حوالي 79 سنة (1928-2005) في العمل السياسي - الديني علي الساحة العربية. ومن حيث عدد الأعضاء والتنظيم، تعتبر جماعة الإخوان المسلمين أكبر الأحزاب السياسية العربية في عدد الأعضاء وأكثرها تنظيماً وقوة ومالاً. وهي منتشرة في كافة أنحاء الوطن العربي وبعض دول العالم الإسلامي وفي الغرب عموماً. وجماعة الإخوان المسلمين حركة بدأت دينية للهُدي والنشاط الاجتماعي، وانتهت سياسية للقضاء بين الحاكم والمحكوم. لذا، فقد قال لهم مرشدهم حسن الهضيبي: كونوا هُداة لا قُضاة . وقد لعبت هذه الحركة أكثر الأدوار السياسية أهمية في التاريخ السياسي العربي. فهي التي حاولت اعادة الخلافة الإسلامية متمثلة بالملك فؤاد والملك فاروق بعد سقوطها في تركيا عام 1924. وقرأت القرآن الكريم ورسالة الاسلام قراءة عنيفة متشددة علي عكس القراءة العقلانية أو التاريخية. وجاءت ب إسلام الإخوان وهو إسلام كتبه سيد قطب وصالح العشماوي وغيرهما في الخمسينيات والستينيات. وهي جماعة كانت تبعث علي القشعريرة والرعب في نفوس الناس في أوروبا والغرب كله. وكان الغربي غير المسلم يري في التسمية ذاتها تهديداً له كما قال الباحث الفرنسي كزافييه تيرنسيان في كتابه الجديد عن الإخوان (Les Fréres Musulmans) الإخوان المسلمون، دار فايار، باريس، 2005). وهي التي شاركت في مقاومة الاحتلال البريطاني لمصر، وشاركت في الحرب العربية - الإسرائيلية في فلسطين 1948 . وهي التي شاركت فكرياً في قيام ثورة 23 يوليو 1952 . وكانت اللاعب السياسي الوحيد علي الساحة الأردنية طيلة ثلاثين عاماً، (1957-1987). وهي التي وقفت في وجه المدِّ الناصري (1956-1970). وهي التي وقفت إلي جانب السادات في رحلة السلام. وهي التي كانت سبباً في مقتل عشرين ألفاً من الأبرياء في مدينة حماة السورية 1982. ووقفت إلي جانب صدام حسين في غزوه الكويت. وهي التي ضمّت تحت جناحيها معظم الجماعات السلفية الدينية الجهادية ، وتزعمت الفكر السلفي في تكفير الآخر خاصة في السعودية والخليج. فأصبحت بلاءً بعد أن كانت عزاءً كما وصفها وزير الداخلية السعودي (جريدة السياسة 13/9/2003). وهي التي فرّقت بين المواطن المسلم والمواطن المسيحي في مصر. ودعا مرشدها العام السابق مصطفي مشهور إلي طرد المسيحيين من الجيش المصري، واعتبار الأقباط أهل ذمة، ودبِّ الرعب في قلوبهم، مما دفعهم الي مقاومة أي تقارب بين الإخوان المسلمين والإدارة الأمريكية (انظر مقالات الكاتب المصري- الأمريكي القبطي مجدي خليل، ومعارضته الشديدة لطروحات سعد الدين ابراهيم). وحاولت الاستيلاء علي السلطة من خلال محاولات الاغتيال في مصر وسوريا. وقامت بتجهيل العصر الحديث (جاهلية القرن العشرين - سيّد قطب). وانكرت التعددية والديمقراطية. وقالت بالحزب الواحد (حزب الله). وأنكرت الانتخابات وأخذت بالشوري. وهي تختار مرشدها العام (الزعيم) ليس بالانتخاب، وانما بالاستفتاء. وتقف موقفاً معارضاً وقوياً من الانتخابات النيابية. وتنادي بالبيعة علي سُنّة السلف الصالح من قبل أصحاب (الحل والعقد) من الفقهاء الذين ينوبون عن الأمة في البيعة، علماً بأن لا أحد أنابهم في ذلك. وما زال الإخوان حتي الآن في تنظيمهم الداخلي يأخذون بالبيعة، ولا يأخذون بالانتخاب. فالمرشد العام ( يجب أن يكون مصرياً. المرشدون من مصر، علي غرار شعار: الأئمة من قريش) الذي يحكم الملايين من الإخوان في أكثر من خمسين بلداً في العالم، يختاره بالبيعة 15 شخصاً فقط من مكتب الارشاد، وهم (أهل الحل والعقد)! وهذه هي الشوري التي ينادي بها الإخوان المسلمون، والتي لا يُستشار فيها أحد، والتي هي مُعلّمة كما يقول الشعراوي والقرضاوي والغنوشي وغيرهم، وليست مُلزمة كالديمقراطية الغربية كما يقول خالد محمد خالد ومحمد الغزالي وجمال البنا وغيرهم. ولكن حسن البنا عاد ووافق علي مبدأ الانتخابات ورشح نفسه في العام 1942 للانتخابات، ولكن رئيس الوزراء آنذاك، النحاس باشا رفض ترشيحه، وطلب منه الانسحاب وقَصْرِ نشاطه علي الدعوة الدينية للهداية فقط. فانسحب في صفقة مكاسب سياسية مع حزب الوفد. وما زالت بعض حركات الإخوان في العالم العربي تؤمن بالبيعة لا بالانتخابات. وآخرها كانت بيعة الإخوان المسلمين السودانيين لجعفر النميري التي وصفها ياسين الإمام أحد قياديي الإخوان بأنها بيعة ك بيعة الرضوان ، وأنها تستعيد ذكري السيرة العطرة ، ومواقف الصحابة في بيعة الرضوان (محمد القندال، الإسلام والسياسة في السودان ، ص221). إن جماعة الإخوان المسلمين تُعتبر الحركة الأكثر تأثيراً في السياسة العربية وفي الشارع العربي، بحيث لو أجريت انتخابات تشريعية ديمقراطية وشفافة الآن وفي السابق لفازت هذه الجماعة بالأغلبية. والسبب في ذلك هو فساد الأنظمة العربية، وتحكّم الديكتاتورية الحزبية والعائلية بالسلطة، وعدم ممارسة جماعة الإخوان المسلمين للحكم حتي الآن، وتلوثها بالفساد والتسيّب. ولعل هذا مبعث خوف الحكم في مصر من عدم اعطاء هذه الجماعة التصريح القانوني بإنشاء حزب رسمي بحجة منع اقامة الأحزاب الدينية، وعدم فتح الباب أمام المسيحيين لاقامة حزب ديني قبطي في مصر. التقدم نحو الواقعية السياسية من خلال هذا التاريخ الطويل الحافل لجماعة الإخوان المسلمين، ومن خلال هذا التأثير الكبير لهذه الحركة علي الشارع العربي، ومن خلال الخطوات التي خطتها هذه الجماعة نحو البراجماتية السياسية، فكّر بعض المثقفين الليبراليين ممن لهم صلات قوية بجماعة الإخوان المسلمين وبالإدارة الأمريكية كذلك، أن يجمعوا الخصمين علي وسادة واحدة (ويا بخت من جمّع رأسين بالحلال). وكان اللاعب الرئيس في هذا المشهد السياسي الأمريكي- الإخواني هو المفكر والناشط السياسي د. سعد الدين ابراهيم ، الباحث الآن في معهد وودرو ويلسون بواشنطن، والذي قيل بأنه استطاع أن يجمع عصام العريان (فكَّ الله أسره) قبل سجنه بمسؤولين امريكيين. ثم كتب بعد ذلك مقالاً في جريدة نيويورك تايمز نشرته الهيرالد تربيون انترناشيونال في 30/5/2005 يُبشّر فيه بهذه الخطوة ويدعو إلي دعمها ونصرتها. وما زال يُقنع الإدارة الأمريكية بضرورة التعاون مع الأحزاب الدينية الإسلامية التي هي أكثر الأحزاب شعبية وتنظيماً في الشارع العربي، أسوة بالأحزاب المسيحية في المانيا (حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي) وسويسرا (الحزب الديمقراطي المسيحي) وايطاليا (الحزب الديمقراطي المسيحي). وهي أحزاب علمانية صِرفة، تأخذ من الدين اسمه لا فعله. علماً بأن هذه الأحزاب هي من نتاج الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. وظهرت لاستغلال مشاعر المسيحيين في صراعاتها . وبعد انتهاء الحرب الباردة بدأت هذه الأحزاب بالزوال. فانتهي وجود الحزب الديموقراطي المسيحي في ايطاليا، الذي كان من بين أقوي الأحزاب السياسية الأوروبية. وتراجعت قوة بقية الأحزاب المسيحية في أوروبا. لماذا دعوة الحوار الآن مع الإخوان؟ إن حجة د. سعد الدين ابراهيم في افساح المجال للحوار الأمريكي مع الإخوان المسلمين تتركز في سببين رئيسيين: 1- من الواضح أنّه يجدر بالغربيين، انطلاقاً من المبدأ والبراغماتية، ألا يخافوا من فكرة السماح لأحزاب دينية بالاضطلاع بدور في الهيكليات السياسية التي تبرز في العالم العربي. وذلك أنّه يجب أن يتمتّع الإسلاميون، بصفتهم مواطنين، بالحقوق الأساسية نفسها التي يتمتّع بها الآخرون. فإطلاق الدعوات لإحلال الديموقراطية في هذه البلدان وفي الوقت نفسه إنكار حقوق مجموعات تريد التنافس بطريقة سلمية علي المناصب المختلفة، هو ضرب من ضروب الرياء. 2- أنّ الإسلاميين منظّمون جيداً ويحظون بالشعبية. صحيح أنّ بعضهم أنشأ ذراعاً مسلّحاً داخل حركته هدفها الظاهري مقاومة الاحتلال الأجنبي ( حزب الله في لبنان، الجهاد الإسلامي في فلسطين) أو مواجهة الأنظمة الاستبدادية، لكن في مختلف الحالات، هناك نواة إسلامية معتدلة وأقلّ عنفاً. ومن شأن استبعاد الأحزاب الدينية من الاتجاه السياسي السائد أن يؤدّي إلي هيمنة الفصائل المسلّحة علي حساب الوسط الأكثر اعتدالاً. ظهور الإخوان الجُدد "Neo-Bros " ولعل دعوة د. سعد الدين ابراهيم جاءت في الوقت المناسب الآن. فقد حصل تطور مهم في الفترة الأخيرة في الإسلام السياسي الإخواني. وهذا ما يجعل بعض المراقبين يعتقدون بأنهم سوف يشهدون بروز أحزاب إسلامية ديمقراطية بكل معني الكلمة - كما قال سعد الدين ابراهيم - علي غرار الأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. ومن هذه الأحزاب جماعة الإخوان المسلمين التي أخذت في الفترة الأخيرة تتبني ما في البراجماتية السياسية من حداثة وليبيرالية، بحيث غدا الإسلام السياسي بالنسبة لها عبارة عن قشرة طلاء ذهبية برّاقة لأغراض التسويق السياسي المحلي فقط، وإرضاءً لغرائز الشارع العربي الدينية. في حين أنها قدمت نفسها للعالم الخارجي وللإدارة الأمريكية علي وجه الخصوص كحزب حداثي ليبرالي، يؤمن بالتعددية السياسية، وينفي مطالبتة باقامة الخلافة الإسلامية أو الدولة الدينية ، ويطالب بإقامة الدولة المدنية . ويريد الوصول إلي الحكم من خلال صناديق الاقتراع. ولا يضع قيوداً علي حرية المرأة. وغير ذلك من الشعارات الليبرالية التي تنقل جماعة الإخوان المسلمين من خانة الأحزاب الدينية السلفية المنغلقة والظلامية إلي خانة الأحزاب السياسية التقدمية والليبرالية. وهو ما سوف نقرأه من خلال بيانات وتصريحات الجيل الجديد من القياديين الإخوانيين كعصام العريان، ومحمد السيد حبيب، وعبد المنعم أبو الفتوح وغيرهم في مقالنا القادم. وهم الذين يمثلون تياراً سياسياً جديداً نُطلق عليه اليوم الإخوان الجُدد Neo-Bros الذين يحاورون الآن "المحافظين الجُدد Neo-Cons، ويشهد عليهم ويشجعهم "الليبراليون الجُدد .Neo-Libs فهل سيدخل الإخوان المسلمون القفص الذهبي؟! في المقال القادم نكمل الحديث من خلال شرح أبعاد البرجماتية السياسية الجديدة للإخوان المسلمين ، و ضرورة فن الممكن الآن .