ما إن اقتربت منه وهو يتابع أسعار الخضراوات والفاكهة في الشارع لمعرفة رأيه في ارتفاع الأسعار حتي انفجر الرجل المسن، وقال: دي أيام سوداء، والأوضاع الاقتصادية سيئة. لم أستطع أن أكمل حواري معه فهو مثل ملايين المصريين.. وسينفجر في أي أحد يقف أمامه. هكذا كانت البداية، فالارتفاعات الرهيبة في أسعار السلع الأساسية والغذائية أصابت الشارع بالحزن، بالإضافة إلي اختفاء بعضها من الأسواق، خصوصاً في شهر سبتمبر الأسود، كما يسميه البسطاء الآن، بعدما وصلت معدلات التضخم وارتفاع الأسعار إلي مستويات رهيبة وغير مسبوقة علي الإطلاق ويكفي أن ترتفع أسعار الطماطم بنحو 200٪ عن سعرها خلال شهر رمضان، والبامية إلي 200٪، والفاصوليا والخيار وباقي الخضراوات والفاكهة بنسب لا تقل علي 200 و300٪. وبحسب خبراء اقتصاديين فإن ما نعيشه من أزمات في السلع الأساسية للمواطنين يعتبر كارثة بكل المقاييس، فبعد شهر الظلام الأعظم وانقطاع الكهرباء خلال شهر رمضان الماضي وانفجار أزمة الوقود واختفاء البنزين والسولار، وتراوح سعر أنبوبة البوتاجاز ما بين 50 و100 جنيه في العديد من المحافظات، وبالرغم من ذلك لا يجدها المواطن، ثم ارتفاع فاتورة الكهرباء لشهري أغسطس وسبتمبر 2012.. وتأكيد وزير الدولة والمرافق عبدالقوي خليفة أن زيادة تعريفة المياه أصبحت ضرورة بعد رفع الحكومة يدها عن دعم الشركة القابضة للمياه بنحو 18 مليون جنيه يومياً - أي نحو 540 مليون جنيه في الشهر - حتي بدأت الشركة تتحمل رواتب الموظفين وتكلفة شراء الشبة والكلور وهو ما لن يستمر. فتراكم هذه الأزمات مؤشر أن القادم سيكون أصعب بكثير، خاصة أن نظام الرئيس مرسي وحكومة الدكتور هشام قنديل لم يبدأوا حتي الآن في تنفيذ إجراءات وشروط صندوق النقد الدولي للحصول علي القرض البالغ 4.8 مليار دولار، والخطوة الأولي فيه رفع الدعم عن الطاقة بنحو 25.5 مليار جنيه طبقاً لمسودة حكومية رسمية. وبحسب الأرقام الرسمية لشهر أغسطس - نتيجة سبتمبر لم تظهر بعد - فيؤكد اللواء أبوبكر الجندي - رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء - أن معدل التضخم زاد في أغسطس بنسبة 1.2٪ مقارنة بشهر يوليو، أي أن التضخم والغلاء يزيدان شهرياً والسبب الارتفاع الكبير في أسعار الطماطم والخضراوات نتيجة لارتفاع أسعار الخضراوات بنسبة 12.2٪ وفي مقدمتها الطماطم بنسبة 20٪ والخيار 23.7٪ والفاصوليا الخضراء 42.5٪ والبطاطس 7.4٪ ثم زيادة في البيض بنسبة 8.6٪ والأسماك والمأكولات البحرية 2.5٪ واللحوم والدواجن 1٪ والمشروبات 2٪، مع الملاحظة أننا نتكلم عن أسعار رمضان، كما يشير اللواء أبوبكر الجندي إلي أنه في الفترة من يناير 2012 إلي أغسطس 2012 ارتفع معدل التضخم بنسبة 8.5٪. ويري الخبير الاقتصادي الدكتور شريف دولار أن أسباب ارتفاع الأسعار وزيادة نسب التضخم إلي هذه المستويات غير المسبوقة متعددة، منها أن النمط الاقتصادي الذي كان يطبق قبل الثورة مازال مستمراً، وما كان يعمله مبارك ونظيف يكرره هشام قنديل وحكومته، كما أن فتح باب التجارة الداخلية علي مصراعيه أدي إلي هذه الأزمة الخطيرة بعدما أصبحت السلاسل التجارية والهايبرات الضخمة هي التي تستورد السلع الغذائية وتحدد أسعارها وهي المتحكمة في السوق، كما أن تدهور الأمن والانفلات الأمني تسبب في إحداث هدر كبير جداً للسلع والمنتجات. وأشار «دولار» إلي أن موجة الارتفاع الحالية في الأسعار تشبه تماماً ما حدث في عام 2007 أيام حكومة الدكتور أحمد نظيف، مشدداً علي أن ارتفاع الأسعار شيء طبيعي ويتم علي فترات لكن هذا يقابله ارتفاع حقيقي في مستوي المعيشة ومستوي الدخل. ولفت «دولار» إلي أن أهم شيء يجب أن تعلمه الحكومة الحالية أن النهج والسياسات الاقتصادية التي تمت قبل الثورة لا يمكن أن تستمر بعد الثورة لأن المصريين خرجوا بمئات الألوف إلي الشارع يطالبون بالعدالة الاجتماعية والنهج الذي اتبعه مبارك وحكوماته كان نهجاً استبدادياً وغير مبني علي توازنات، والسياسة الاقتصادية الناجحة هي التي تقوم بإحداث التوازنات في الاقتصاد، وهذا غير موجود حالياً، لافتاً إلي استمرار دخول وخروج الأموال بهذا الشكل وإقامة بورصة مفتوحة لا تخضع لأية ضوابط سيسبب أزمات داخلية واضطرابات عنيفة لأن الناس لا تستطيع تحمل عدم القدرة علي توفير الغذاء لأولادها أو متطلباتهم الأساسية. وطالب شريف دولار حكومة د. قنديل بخلق توازن بين الاستثمار الأجنبي والمحلي وفتح الباب أمام المولات التجارية الضخمة، في الوقت نفسه إتاحة الفرصة أمام الجمعيات التعاونية الاستهلاكية لتستعيد دورها وضبط التجارة الداخلية، أما الاستمرار في سياسة النيوليبرالية، ورفع يد الدولة عن إدارة الاقتصاد القومي وتحرير الاقتصاد وتحرير القطاع المالي والخصخصة ستؤدي إلي إفلاس مصر مثلما حدث مع باقي دول العالم التي اتبعت سياسات صندوق النقد الدولي. وحذر الدكتور حمدي عبدالعظيم - الخبير الاقتصادي - من تبني الإخوان المسلمين نفس سياسات الحزب الوطني السابق وهي الاعتماد علي الخارج والاعتماد علي القروض كوسيلة سهلة للخروج من الأزمة الحالية، مشيراً إلي أن الإخوان يضحون بالبعد الاجتماعي في سبيل تحقيق إنجازات وهمية علي الورق بتدني معدل التضخم وهو ما لم يستطيعوا تحقيقه، وكل المؤشرات تؤكد أن معدل التضخم وصل إلي نحو 13٪.. وهو ما أدي إلي هذه الموجة من ارتفاع الأسعار بشكل غير مقبول، فلابد من استراتيجية محكمة للتحكم في الأسواق وضبط أسعار السلع الأساسية والغذائية. وشدد «عبدالعظيم» أن المواطن البسيط لن يستطيع أن يتحمل تبعات هذه السياسة الاقتصادية التي بدأت برفع الدعم عن الطاقة حتي يتم توفير مبالغ من الإنفاق العام وتقليل العجز والديون الداخلية وهي نفس السياسات السابقة وإن كانت تطبق مع الحزب الوطني السابق بحذر شديد، أما الإخوان فيطبقونها بجهل وتعال. ويشاركه في الرأي الدكتور رشاد عبده - رئيس المنتدي المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية - وأكد أن التصريحات التي صدرت عن رئيس الوزراء هشام قنديل التي قال فيها إن الحكومة كانت ستقوم بالإصلاحات الاقتصادية وستلغي الدعم حتي قبل التفكير في قرض صندوق النقد الدولي، بما يعني أنها كانت مصرة تماماً علي هذا وهو ما يدفع للتساؤل إذا كانت حكومة قنديل ستلغي الدعم عن الطاقة والخبز ووسائل المواصلات العامة والخاصة، فلماذا قامت الثورة؟ وأكد أن ارتفاع مستويات التضخم ومع مؤشرات تقول: إنها ستصل إلي قرابة ال 20٪ بنهاية العام، فنحن أمام أوضاع مأساوية، والمصيبة أن الحكومة تتفرج علي الأزمات وحتي بعد انفجارها لم نلمس حتي الآن أي تدخل جاد لضبط الأسعار وتقليل مستويات التضخم.