في أزمة السولار والبنزين الطاحنة والمتكررة تحديداً منذ اندلاع الثورة، لم يعد ينطلي علي احد عاقل تبادل الاتهامات بين وزارتي التموين والبترول، وما يقوم به كل مسئول في الوزارتين من توجيه الاتهامات للآخر ، يدخل فقط في باب الضحك علي الناس والاستخفاف بعقولهم، لقد مل الناس ترديد المسئولين بالوزارتين هذه الأسطوانة المشروخة التي لا تجدي ولا تأتي بنفع.. ومازالت الصراحة مفقودة من قبل المسئولين في التعاطي مع الازمات.. وحتي كتابة هذه السطور لا نجد مسئولاً شجاعاً سواء من حكومة قنديل الجديدة أو من الحكومات التي سبقتها يخرج علي الناس باعلان حقيقة ازمة السولار والبنزين، أما تبادل الاتهامات وتحريك الازمة من طرف إلي الآخر، فهذا يشبه جثة القتيل علي الحدود بين محافظتين، وتقوم المحافظة بإلقاء التبعية علي الأخري، وتضيع القضية ولا نعرف القاتل لهذه الجثة!! ونحن من جانبنا لا نلقي التهم علي المسئولين في الوزارتين، وسنعتبر أن الشعب المطحون هو المسئول عن الازمة، فكل المصائب لا تأتي من الحكومة ولا من المسئولين، لكن يبقي أن يخرج علينا مسئول شجاع ويعلن لهذا الشعب حقيقة هذه الازمة، ولدي قناعة كاملة بأن شعب مصر الاصيل لن يتواني لحظة عن المشاركة في ايجاد الحلول، لكن أن نعتبر المصريين أغبياء فهذا مرفوض جملة وتفصيلاً.. ولا يقبله المنطق، فالملاحظة أن كارثة أزمة السولار والبنزين لم تشتعل حدتها بهذا الشكل المخيف إلا بعد الثورة، ورغم خوض مصر حروباً كثيرة لم يشعر المصريون بما يعانونه في هذه المرحلة بالتحديد.. أما الذين يرددون - وعلي رأسهم الدكتور محمد رشاد وزير النقل - بأن سبب الازمة هو عمليات تهريب السولار والبنزين، فهذا منطق معوج يرفضه كل لبيب بالاشارة، ولو افترضنا جدلاً أن هذا حقيقة فأين الجهات المسئولة عن مراقبة عمليات التهريب لتمنع ذلك؟!.. وهل هناك ما يمنع المسئولين لاحكام رقابتهم لمنع تهريب السولار والبنزين ؟! وإذا كانت الدولة عاجزة عن القيام بهذه المهمة، فإن هناك متطوعين من الشعب لا يمنعهم مانع من القيام بهذه المهمة؟!.. والحقيقة المؤكدة في هذا الصدد هي أن الصراحة مفقودة علي الشعب، ويبرر المسئولون كارثة اختفاء السولار والبنزين بأعذار أقبح من الذنب؟!.. فإذا كان هناك أزمة سيولة في العملة الصعبة لاستيراد هاتين السلعتين، فماذا يمنع كشف هذه الحقائق أمام الناس، وإعلامهم بالأمر وعلي المواطنين الترشيد بقدر المستطاع.. ليس عيباً أبداً أن يخرج مسئول شجاع ويعلن الحقيقة، وساعتها سيحترمه المواطنون، لكن تبرير الأمر بأشياء سخيفة ومبررات واهية، تجعل الجميع يستشيط غضباً، ونري ما نراه من طوابير وخناقات واغلاق للشوارع، وتعطيل البشر عن اداء واجبهم!! وهناك من يبرر الازمة بأن وزارة المالية لا تمنح المبالغ المالية المقررة لاستيراد هاتين السلعتين، وإذا كان هذا صحيحاً فلماذا لا تعلن المالية صراحة عن ذلك؟.. هل هذا يقلل من شأنها وقيمتها؟!.. مهما كانت الأسباب يجب أن يتحلي المسئولون بالشجاعة ومصارحة الشعب بالحقائق ومشاركة الناس في اتخاذها يجب أن يكون، إما بالترشيد أو خلافه، لكن التعامل بمنطق أن الحكومة هي وحدها التي تعرف، والشعب تحجب عنه الحقائق، فهذا منطق معكوس لا يفيد الحكومة ولا الناس، ويتسبب في كوارث اخري نحن لسنا في حاجة إليها.. أم أن الحكومة تسعد بهذه المظاهرات والاحتجاجات أمام محطات البنزين. في مصر الديمقراطية الحديثة، يجب التخلي عن العادة السيئة التي تضر أكثر مما تنفع وهي عادة حجب الحقائق عن الناس، وعدم مصارحتهم بالامور، والتمسك بتبادل الاتهامات.. والقاء تبعية كل أزمة علي الفريق الآخر.. نحن في حاجة شديدة لأن نفكر جدياً في ايجاد الحلول لأية أزمة، بدلاً من أن يتكهن المواطنون بخلاف الحقيقة ومنا من يشطح بتفكيره قائلاً بأن الحكومة هي التي تصنع الازمات لإلهاء الناس، وأعتقد أن كل هذه السوءات يجب أن تزول ولا تجد لها ولمروجيها السبيل بعد ثورتنا العظيمة.. وحتي لا نقول إن الثورة خلعت فقط رأس النظام السابق، ولا يزال كل شيء علي طبيعته!!