تساءلت مجلة "فورين بوليسى" الامريكية عما اذا كان الربيع الفلسطينى قد بدأ دون ان يشعر احد؟!. وقالت المجلة فى تقرير مطول تحت عنوان " الربيع الفلسطينى"، ان الاسبوع الماضى كان اسبوعا عاصفا، حيث انتشرت الاحتجاجات في أنحاء الشرق الأوسط، وخرجت الحشود الغاضبة إلى الشوارع في مصر وليبيا، وانتقلت بعد ذلك إلى اليمن، وتونس ولبنان والسودان، للاحتجاج على الفيلم المعادي للإسلام. وكان المتظاهرون فى كل مكان موحدى الهدف، فهم ليس فقط هاجموا البعثات الأميركية في القاهرة وبنغازي، ولكن تم مهاجمة السفارة الألمانية في السودان وأحرقت مطاعم "كنتاكي فرايد تشيكن" الامريكية في لبنان. وقالت المجلة انه وسط هذه الضجة، غاب عن المشهد الاعلامى موجة من الاحتجاجات التي وقعت لسبب أكثر واقعية، حيث تظاهر محتجون في مختلف أنحاء الضفة الغربية في وقت سابق من الاسبوع الماضى مما أثار تكهنات بأن الربيع العربي قد وصل أخيرا الى فلسطين. ففي الأيام الأخيرة، خرج الفلسطينيون الى الشوارع فى بيت لحم والخليل ورام الله، ولأول مرة لا يحتج ويتظاهر الفلسطينيون ضد الاحتلال الإسرائيلي ، بل انهم ينددون بزعمائهم. واشارت المجلة الى انه بينما تشتعل الاحتجاجات الفلسطينية، هناك ثمانية أشياء يجب ان نعرفها: ازمة اقتصادية 1. الوضع الاقتصادى: فقد بدأت الاحتجاجات الأولى كرد فعل غاضب على ارتفاع أسعار الوقود في المنطقة ، ولكن كما تلاحظ صحيفة "واشنطن بوست"، فأن المتظاهرين مستاؤون ايضا من ارتفاع تكاليف السلع الأساسية، بما في ذلك منتجات الألبان وغاز الطهي، التي يتم استيرادها من إسرائيل أيضا وتباع بأسعار مماثلة لتلك التي تباع بها فى اسرائيل، على الرغم من أن متوسط الدخل في الضفة الغربية أقل بكثير من متوسط الدخل فى اسرائيل. ويشعر الفلسطينيون بضغط اقتصادي، وفى إشارة احتجاج واحدة ،علق احد المتظاهرين قائلا:" فقط في فلسطين: طقس الخليج، وأسعار باريس، وأجور الصومال" . وفي الوقت الذى يعانى فيه الاقتصاد الفلسطينى، تراجعت المساعدات الخارجية بشكل كبير،عقابا على محاولة الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" اعلان قيام دولة من جانب واحد في الأممالمتحدة، حيث حجبت الولاياتالمتحدة 200 مليون دولار من المساعدات. الدول العربية، وفي الوقت نفسه لم تفى الدول العربية بتعهداتها، ونتيجة لذلك، تواجه السلطة الفلسطينية أزمة مالية، مع ديون بقيمة 1.5 مليار دولار وعجز نقدي قدره 500 مليون دولار. وقد أجبرت هذه المصائب المالية الحكومة على تأخير دفع الرواتب لبعض الموظفين المدنيين البالغ عددهم 153 الف موظف ، في عدة مناسبات خلال الأشهر القليلة الماضية ،إضافة إلى الاتهامات على نطاق واسع بالفساد والمحسوبية في أوساط النخبة الحاكمة. تعثر السلام 2. الامر الثانى مرتبط بالسياسة: فالاوضاع الاقتصادية التى فجرت الاحتجاجات هي نتاج الإحباط السياسي. فقد خرجت الاحتجاجات الأخيرة ضد بروتوكول باريس، وهو الاتفاقية الاقتصادية التى وقعت كملحق لاتفاقات "أوسلو" ، وتربط الاقتصاد الفلسطيني بإسرائيل. وفي رفضهم للاتفاق، على الرغم من الفوائد الملموسة جدا من التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، يظهر الفلسطينيون كم هو الأمل قليل لديهم في "إطار أوسلو". وفي الوقت نفسه، يرفض الرئيس الفلسطينى "محمود عباس" التفاوض مع الإسرائيليين إلا إذا تم تجميد كامل لإقامة للمستوطنات ، وهو ما يرفضه رئيس الوزراء الاسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، ورغم ان القيادة الفلسطينية تعهدت بإحياء سعيها لإقامة الدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة، ورغم ان العائد المرجح من تلك الخطوة هو " وضع العضو المراقب فقط في أحسن الأحوال"، الا ان اهتمام العالم بالقضية الفلسطينية تراجع، خصوصا فى ظل وجود اهتمامات وقضايا اخرى مثل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والمخاوف الاقتصادية العالمية، والتهديدات الإيرانية النووية. ومع ذلك يدرك الفلسطينيون جيدا ان مشاكلهم تبدأ في الداخل، فالانقسام بين قيادة "فتح" في الضفة الغربية و"حماس" في غزة لا يزال يقوض مفهوم الهوية الوطنية الفلسطينية. وقد تسبب هذا الصراع الداخلي مرارا فى منع اجراء الانتخابات ، ولكن هذا لايمنع ان سكان الضفة الغربية يدركون تماما حقيقة " أن حكومتهم الفاسدة تجاوزت مدة الصلاحية الخاصة بها". اهدار الفرص 3. الامر الثالث ان السلطة الفلسطينية في مرمى الهجوم : وهذا هو التحدي الأكبر الذى تواجهه السلطة الفلسطينية الداخلية منذ قيامها قبل 18 عاما ، فلا يمكن للفلسطينيين أن يتجاهلوا حقيقة أن حكوماتهم بددت الفرصة تلو الأخرى، فمنذ فشل الرئيس السابق "ياسر عرفات" فى صنع السلام مع رئيس الوزراء الاسرائيلي "ايهود باراك" في قمة كامب ديفيد عام 2000 ، والانهيار الغامض لمحادثات عام 2008 بين "عباس" ورئيس الوزراء الاسرائيلي "ايهود اولمرت"، كل هذه المحاولات كانت من الممكن ان تضع حدا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. تفكيك السلطة وكان من المفترض دائما أن تكون السلطة الفلسطينية ، هيئة مؤقتة لتمهيد الطريق لقيام دولة فلسطينية حقيقية، الا انه في غياب عملية السلام، فقد فقدت السلطة سبب وجودها، وهذا هو السبب في ان البعض يطالبون بتفكيك السلطة الفلسطينية. واذا كان المنتقدون يرون ان تعاون للسلطة الفلسطينية الاقتصادي والأمنى مع إسرائيل ، لم يؤدي إلا إلى مصلحة الإسرائيليين ، واذا كانت إسرائيل تقدم مجموعة من الخدمات الأساسية للسلطة الفلسطينية ، الا ان هناك حقيقة وهى " أن السلطة الفلسطينية لم تتحمل جميع مسؤوليات الحكم". وتواجه السلطة الفلسطينية مزاعم متزايدة بالفساد ، حتى قبل فترة طويلة من الاحداث الاخيرة التى اشتبكت فيها قوات الأمن التابعة للسلطة مع الجماهير المحتجة. ولا يمكن ان تكون السلطة الفلسطينية ، الا نموذج من الاستبداد العربي – كما كان الحال لنظام "حسني مبارك" السابق فى مصر. مأزق عباس وفياض 4. الامر الرابع ان رئيس الوزراء "سلام فياض" في مأزق: فهو واحد من أكثر الشخصيات ارتباطا مع السلطة الفلسطينية ، فهذا المسؤول السابق بالبنك الدولى، اصبح محبوبا من الغرب لجهوده الرامية إلى مكافحة الفساد وزيادة الشفافية في رام الله ، الا ان ذلك لم يشفع له عند الفلسطينيين المتظاهرين الذين طالبوا باستقالته وهتفوا ضده . ورغم ان "فياض" وعد بالتنحي إذا كان ذلك مطلب حقيقى للجمهور" إلا ان رحيله سيكون خسارة للحركة الفلسطينية ،لأنه لا يزال بين الرهانات الأفضل للسلطة الفلسطينية لتفعيل الإصلاح السياسي والاقتصادي. ومع ذلك ، هناك العديد من الخصوم السياسيين الذين يعادون "فياض" كونه مستقلا ولم ينضم لحركة "فتح" ، بمن فيهم "محمود عباس" ، كما ان حقيقة ان لديه علاقات قوية مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل لا تكسبه شعبية فى الشارع. وشكك بعض الفلسطينيين فى ان يكون بعض رموز "فتح" ، هم الذين حرضوا على المظاهرات "فياض"، خصوصا ان العناصر الموالية لفتح كانت متواجدة فى المظاهرات بقوة ، ويقال ان عضوى اللجنة المركزية لحركة فتح "محمد اشتية" ومدير المخابرات السابق في السلطة الفلسطينية "توفيق الطيراوي" من بين المحرضين على التظاهر. 5. الامر الخامس ان "محمود عباس" في مأزق أيضا: فإذا كان رموز وقيادات "فتح" وراء الاحتجاجات المناهضة ل "فياض"، فأنهم يلعبون بالنار، فإذا كان "فياض" هو الهدف الحالى، يمكن أن يكون "عباس" الهدف المقبل ، حيث ان هناك محتجون بالفعل يطالبون باستقالة الرئيس. لقد حاول "عباس"، استباق الاحتجاجات عندما اعلن في وقت سابق : "إن الربيع الفلسطيني قد بدأ." ، لكن سفره الأخيرة إلى الهند وسط هذه الاضطرابات يؤكد افتقاره التام لاحترام الرأي العام. ومن الجدير بالذكر أن ولاية "عباس" انتهت رسميا في يناير 2009. حماس وغزة 6. الامر السادس أن غزة آمنة ... حتى الآن: ففى يوم 3 سبتمبر، قام شاب في قطاع غزة بحرق نفسه، فى محاكاة للشاب التونسي "محمد البوعزيزي" التاجر، الذي حرق نفسه واطلق شرارة الربيع العربي في أواخر عام 2010. فقد نقلت وكالة الانباء الفلسطينية" معا" عن القيادي في حركة حماس "موسى أبو مرزوق" قوله إن الاحتجاجات في الضفة الغربية قد تمتد بسرعة إلى غزة، ولكن حماس نفت ذلك ، ولكن حتى اذا اندلعت احتجاجات من المعارضة القليلة فى غزة ، فأن حماس يمكن ان تسحقها. وفي الوقت نفسه، فأن حماس تراقب الضفة الغربية بفارغ الصبر، فمنذ فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في عام 2006، يعتقد قادتها أنهم الورثة الشرعيين للسلطة الفلسطينية، ومن هنا فإن الاضطرابات الحالية، ناهيك عن الهجوم على قيادة السلطة الفلسطينية، تصب فى مصلحة " حماس ". 7. الامر السابع ان اللاعنف يتحول إلى العنف: فقد أحرزت المقاومة الشعبية غير العنيفة في السنوات الأخيرة مزيد من النجاح فى تحدى إسرائيل ، والان يوظف الفلسطينيون هذه التكتيكات ضد السلطة الفلسطينية. ففي حين تميزت الأيام القليلة الأولى من الاحتجاجات إلى حد كبير ، باضرابات فى قطاع النقل والتظاهر السلمى، الا ان بعض المتظاهرين نسوا روح "غاندي" و"مارتن لوثر كينج"، في إحدى المظاهرات يوم 10 سبتمبر، حيث حطموا النوافذ وحاولوا اقتحام مبنى البلدية في مدينة الخليل قبل ان يشتبكوا مع الشرطة، مما ادى الى اصابة ثمانين شخصا في تلك الاشتباكات. 8. الامر الثامن "انتفاضة على الداخل " ... حتى الان: " مع مزيد من الاحتجاجات المخططة في جميع أنحاء الضفة الغربية، فأن الربيع الفلسطيني لا يظهر أي علامات على التراجع. وعلى الرغم من الغضب ضد الإسرائيليين هو موضوع مشترك ولا خلاف عليه ، الا أن الاحتجاجات تبدوا في المقام الأول ضد السلطة الفلسطينية، وهذا ما جعل المحلل "ديفيد بولوك" يطلق عليها "انتفاضة الداخل"، وليس "انتفاضة" ضد إسرائيل. اسرائيل القاسم المشترك ولكن بطبيعة الحال، يمكن أن يتغير الوضع ، فى اى لحظة ، فإذا وقعت اى اعتداءات إسرائيلية ووقع ضحايا فلسطينيين ، فأن هذا ربما يؤدي بسرعة الى جولة جديدة من العنف وانتفاضة ضد اسرائيل. ومما لاشك فيه ان القيادة الفلسطينية ترحب بهذه الفرصة لإطلاق العنان للحشود الغاضبة على اسرائيل وإعادة توجيه الغضب في أماكن أخرى بعيدا عن الغضب على السلطة الفلسطينية. فالغضب في إسرائيل هو القاسم المشترك الأدنى في الشارع الفلسطيني. ولكن هذا لا يعني أن الناس في الضفة الغربية لا يريدون اصلاح اوضاعهم الداخلية ، فقد يكون ذلك هدفا اقل اهمية من الهدف الاسمى وهو الغضب على اسرائيل ، لكن هذا لا يمنع ان الفلسطينيين لديهم مؤهلات الربيع العربي.