تخطو خطواتها الثقيلة، بجسدها الذي يقاوم السقوط، وهيئتها المرتبكة، ووجهها العابس، إنها "سماح" ذات ال32 ربيعًا مرتدية عباءة سوداء، وتردي فوقها شال كحلي، وحجاب حريري وردي اللون، وتطفي على بهتان وجهها بأحمر خدود، وتحيط عينيها بخط أسود رفيع لعلَّها تخفي علامات الحزن التي أذهبت بريقهما، أمام أعضاء مكتب تسوية المنازعات الأسرية بمحكمة الأسرة بزنانيري، تطلب بصوت تخنقه الدموع الخلع بعد زواج دام لأحد عشر عامًا، ذاقت فيهم مرارة القهر والكذب والخيانة -حسب روايتها- ووجع الخداع، وقسوة الإهانة والتعذيب. "تحديت أهلي وعاديتهم من أجله، ضحيتُ بحلم الأمومة، ورضيت بعقمه وعقده النفسية، وغفرت له ذلَّاته، وكنت على استعداد أن أدفع حياتي ثمنًا لراحته، وفي النهاية أذاقني من كأس الخداع والخيانة، ودمَّر حياتي ومستقبلي".. بهذه الكلمات استهلت سماح حديثها. وبصوت خافت تعتريه الخيبة ويتلون بنبرات الحسرة والندم تتابع الزوجة الثلاثينية روايتها: "كان إلزامٌ عليَّ أن أعي جيدًا بأنني أُسطِّر بيدي شهادة شقائي، حين وافقت على الزواج من رجل يكبرني ب20 عامًا، وتحديت الجميع من أجعله، وتغاضيت عن عمره، ولكن الربيع والخريف لا يمكن أن يتفقا ولا يلتقيان يومًا، لكنني انخدعت بكلامه المعسول وحنيِّته المزيَّفة، فجعلني أقنع نفسي بأن الشباب شباب القلب، لكن يبدو أنني كنت مخطئة، فالصبغة مهما طالت مدة بقائها تزول لتعري العمر وتزيح الغيمة عن بصرك، وتتركك للندم يعتصرك". تشرد الزوجة الثلاثينية ببصرها للحظات وكأنها تسترجع ذكرياتها المؤلمة ثم تكمل روايتها: "ظننتُ أنني سأقضي معه أحلى أيام حياتي كما وعدني لكن منذ أول يوم وطأت فيه قدماي بيته ذُقت لوعة الجسد، وكان دائمًا يبرر عجزه بالإجهاد، لكن الأمر زاد عن حدِّه فطلبت منه أن يعرض نفسه على طبيب فلم أعد أطيق الوضع، وأهله بدأوا يتساءلون عن أسباب تأخر الإنجاب، لأكتشف أنه عقيم، كتمت ألمي بين ضلوعي ورضيت بما قسمه لي ربي، وطردت أحلام الأمومة من ذهني، واكتفيت بحبي له، ساءت حالة زوجى النفسية، ووقفت إلى جواره وتحملت عصبيته وثورانه كل حين والآخر، لكنه لم يقدِّر وقفتي لجواره". ينتفض جسد الزوجة الثلاثينية فتصمت عن الحديث لتبتلع ريقها الذي جفَّ من الألم والمرار ثم تردف: "عقم زوجي لم يكن الصدمة الأولى التي أتلقاها خلال الاحد عشر عامًا مدة حياتي معه، فبعد سنة واحدة فقط من زواجي به اكتشفت أنه تزوج قبلي من امرأتين وطلقهما، وخانني وأنا لا أزال على ذمِّته، وهذا ما روته لي أخته الصغرى، والذي استوقفني وأثار دهشتي أنه لم ينكر الواقعة عندما واجهته، بل أقرَّ بها، وبكى بدموع التماسيح وترجَّاني لأسامحه فسامحته في النهاية، لأنني كنت متيَّمةٌ به، كان دائمًا يلعب على أوتار حبي له، حتى عندما علمت بخيانته لي لم أتخذ موقفًا صارمًا ضده، واكتفيت بتركي للبيت، كان عليَّ أن أقتله كما قتلني بالبطيء". "هذه المرة لن أسامحه، ولن أتراجع وسأخلعه مهما حدث ومهما ترجَّى وبكى حتى ولو كلفني الأمر حياتي، فلم أعد قادرة على تحمِّل الذل والإهانة والكذب أكثر من هذا، وكل ما أتمناه أن يساعدني الله على تجاوز تلك المحنة التي حوَّلتني إلى حُطام امرأة، لم يعد لها رغبة في الحياة أو مخالطة الناس، وأن يتركني زوجي في حالي، فلا أعرف ماذا أفعل لكي أهرب من ملاحقته المستمرة لي؟، وصل به الأمر إلى مطاردتي في عملي، فتقدمتُ باستقالتي لأخلص من مضايقاته، ألم يكفيه أنه دمَّر حياتي الماضية هل يريد أن يدمر مستقبلي أيضًا؟".. بهذه الكلمات الحاسمة القاسية اختتمت الزوجة المعذبة روايتها.