* وراء كل امرأة تجلس في محاكم الأسرة حكاية * زوجة تشعل محاكم الأسرة ب15 قضية ضد زوجها * ربة منزل تستغيث: زوجي حول حياتنا إلى جحيم لم تعرف حياتهم يوما الرأى والرأى الآخر، وعاشوا محاطين بأسوار تعصب شركاء حياتهم الدينى والسياسى، خاضعين لمعتقداتهم المتشددة، ومتخذين من الصمت والصبر ملاذا لهم من العقاب، وعندما أعلنوا عصيانهم وجهروا برفضهم للأفكار المتشددة كان الضرب والتكفير وملاحقتهم بوابل من القضايا فى انتظارهم، ففى عرف المتعصبين الصواب هو ما يرون والمبررات دائما جاهزة وإذا خالفتهم بت فى معسكر الأعداء، وحل عليك غضبهم.. سجلات ودفاتر محاكم الأسرة مليئة بالقضايا التى كان للتعصب سواء الدينى أو السياسى دور فيها وخلال السطور التالية نرصد بعضا منها. "قتل وتكفير" على بعد أمتار من قاعة المداولة بمحكمة الأسرة بمدينة نصر، جلس "مدحت"، صاحب ال 41 عاما، بثياب سوداء متواضعة، صامتا، يوارى حزنه وندمه على تحمله 7 سنوات لامرأة باردة القلب- بحسب روايته- خلف ابتسامة باهتة، ظل المهندس الزراعى لساعات يتصفح وجوه الحاضرين بإمعان، محدثا نفسه: "يا ترى أى منهم حرمته زوجته من رؤية أولاده 11 عاما؟! من فيهم ذاق مرار الحسرة على وليدة لم تكمل شهرها الثانى بسبب إهمال أمها واستهتارها؟! ومن منهم كفر؟ هل وصلت إلى هنا لأننى لم أفعل مثل باقى الرجال؟! ولم يخرجه من دوامات تساؤلاته سوى صوت الحاجب يخبره بتأجيل دعوى زيادة نفقة الصغار التى حركتها ضده طليقته ضمن 15 دعوى. يقول الزوج الأربعينى فى بداية حديثه ل"صدى البلد": "تزوجتها بعدما رشحتها لى إحدى معارفنا، وقالت عنها إنها فتاة متدينة، وعلى خلق، حافظة لكتاب الله ولا تترك فرضا، تبات ليلها فى طاعة الرحمن، وترتدى النقاب منذ أن كانت فى الثالثة عشرة من عمرها، وتربت فى المملكة العربية السعودية ودرست العلوم فى جامعة الأزهر، فتغاضيت عن الثلاث سنوات التى كانت تفرقها عنى، وحدثت نفسى بأن الزوجة لا يعيبها أن تكبر زوجها، وأن الفوز بذات الدين رضا من الله ورزق يجب أن أحمده عليه، واهما بأنها ستطبق شرع الله وستضعنى تاجا على رأسها، وتحملت أنا تكاليف الزواج، وتأثيث منزل الزوجية كاملا، ولم أكلفها مليما واحدا، ولم يمر شهر حتى تمت مراسم الزفاف، وخلال هذه الفترة لم أرها سوى مرة واحدة فقط الرؤية الشرعية، فلم أتمكن من التعرف حتى على بعض من ملامح طباعها إلا بعد أن أغلق علينا باب واحد". يبتسم الزوج الأربعينى نصف ابتسامة وهو يتابع روايته حكايته: "وقتها فقط اكتشفت شخصيتها القاسية الباردة، وأدركت أن المظاهر خادعة وأن الدين ليس نصوصا ومحفوظات وإنما معاملة، ولأننى تربيت على مبدأ إذا وجدت سمًا فى الكأس عليك أن تتجرعه حتى نهايته تحملت، وصرت أمنى نفسى باليوم الذى تعود فيه لرشدها، وتعيد حساباتها، وتكف عن إهمالها لى ولبيتها، وياليتنى ما صبرت، فكان جفاؤها وبرودها يزدادان كل يوم عن سابقه، لا أتذكر أنها ألقت على مسامعى طوال 7 سنوات قضيناها سويا تحت سقف بيت واحد كلمة طيبة، ويوم أن غازلتنى قالت لى: "أتمنى لك الخير فى الدنيا" فقط، حتى أمها كانت لا تزورها إلا بعد إلحاحى عليها رغم أنها سيدة عجوز لا تسمع ولا تتكلم وتحتاج لمن يرعاها". يتوقف الزوج عن الكلام فجأة ويطلق ضحكة ساخرة ثم يواصل حديثه وهو يعبث بلحيته التى غزاها الشيب: "حولت حياتنا إلى جحيم بإهمالها، وبسببها تركت عملى كمهندس زراعى وتفرغت لتربية الصغار الذين لا ذنب لهم سوى أننى أسأت اختيار والدتهم، وترتيب المنزل وكى الملابس وتحضير الطعام بينما هى غارقة فى سبات عميق لا تبالى حتى بأطفالها، ويشهد الله أننى لم أهنها يوما أو أسبها أو طالتها يدى رغم أفعالها واستهتارها، حتى جاء اليوم الذى عدت فيه إلى البيت بعد عناء الركض بحثا عن مصدر رزق، لأجد جثة ابنتى التى لم تكمل شهرها الثانى مدفونة بين ضلفتى سرير قابع فى غرفة مظلمة ونوافذها مغلقة بإحكام تركتها فيها أمها حتى تتمكن من استكمال نومها بعيدا عن صراخها، فلم أحتمل وهرعت إلى المطبخ والتقطت منه سكينا كانت ملقاة أمامى، وأقسمت أن أقتلها كما قتلت الصغيرة بإهمالها لكنى تراجعت فى آخر لحظة، وطلبت من أشقائها أن يأخذوها بعيدا عن البيت، لا أعلم كيف طاوعها قلبها أن تترك الوليدة بمفردها وتغلق منافذ الهواء، أى نوع من الأمهات". يقبض الزوج على حافظة المستندات التى سيقدمها للمحكمة فى دعوى زيادة نفقة أولاده وكأنه يخشى أن تهرب منه وهو يقول: "دفنت الصغيرة بعد نجاح مساعى عدم إخضاعها لمشرط التشريح، وظلت زوجتى فى بيت أهلها وأنا مع الطفلين، ولأجلهما قررت أن أتحامل على ألمى وأنزع من رأسى تفاصيل الليلة المشئومة، وأعيدها للمنزل، وبالفعل ذهبت إليها برفقة الصغيرين لكن شقيقها رفض أن يفتح لى الباب، فلم أيأس وكررت الأمر أكثر من مرة، وصرت أترك لها الطفلين لعلها تراجع نفسها، لكن فى كل مرة كانا يعودان وعيونهما ممتلئة بالدموع، وحينما أسألهما عن السبب يقولان إن والدتهما تردد دائما: "إنى وجدّتهما كافرين"، ظل الحال على ما هو عليه لشهور حتى قررت زوجتى أن تضم الطفلين إلى حضانتها، وفوجئت بقوة تقتحم البيت محاولة أخذ الطفلين منى، وعندما قاومتها حررت ضدى محضر مقاومة مهام ضبطية قضائية وحجزت على أثره". يظل الزوج الأربعينى محافظا على ابتسامته الحزينة: "أمطرتنى بعدها زوجتى بوابل من القضايا تعدى عددها ال15 قضية، تنوعت مابين نفقات بأنواعها وحبس وأجر مسكن وحضانة وتبديد منقولات زوجية وطلاق للضرر، وعندما رفضت دعوى الطلاق طلبت الخلع ليُرفض هو الآخر بسبب كذب ادعاءاتها عن مقدم الصداق، وفى النهاية طلقتها غيابيا، فى المقابل أقمت دعوى رؤية، لكنها لم تكن تلتزم بمواعيد الرؤية، فحركت دعوى لإسقاط الحضانة عنها لعدم تنفيذها أحكام الرؤية، 11 عاما لم أر فيها أولادى، سامحها الله حرمتنى من أن أمارس أبوتى، وعندما وصل الصغيران للسن القانونية التى يحق لى أن أضمهما فيها لحضانتى حركت دعوى بذلك". ينهى الزوج روايته بنبرة مجروحة: "لكن كالعادة اختلقت زوجتى واقعة كى تتحايل على الدعوى، وادعت أن ابنى تم القبض عليه فى اعتصام رابعة، وبعد بحث لشهور فى الأقسام والسجون عنه اكتشفت كذبها، وفوجئت به يقف أمام القاضى ويقر هو وشقيقته برغبتهما فى مواصلة الحياة مع والدتهما، حينها اسودت الدنيا فى وجهى وأدركت أن كل ما فعلته من أجلهما ذهب سدى وأنه ليس للرجل أى حقوق فى محاكم الأسرة". "بما لا يخالف شرع الله" فى طرقة طويلة قابعة بمحكمة الأسرة بمدينة نصر، متخمة بالمتنازعين، جدرانها مشققة، دهانها متساقط، تنتصب فى نهايتها أبواب خشبية متهالكة تقاوم السقوط، تتحايل على ظلامها بمصابيح إضاءتها خافتة، وعلى جانبيها تنتشر، وسط هذا المشهد الفوضوى وقفت الزوجة الثلاثينية فى ثياب سوداء متواضعة ونقاب حريرى يخفى ملامح وجهها الحزين، قابضة بيد على حافظة مستندات باهتة اللون تحوى أوراق دعوى الطلاق للضرر التى أقامتها ضد زوجها المتشدد- بحسب وصفها- لتهرب من سجنه الذى قضت فيه ما يقرب من 14 عاما من عمرها، وباليدى الأخرى تطوق طفلها صاحب ال10 سنوات فى انتظار بدء جلستها. تقول الزوجة فى بداية روايتها ل"صدى البلد": "أعمانى حبه عن تحذيرات أهلى والمقربين لى من الزواج به، فلطالما قالوا لى لا تنخدعى بجلبابه الأبيض القصير ولحيته الطويلة، وكلمات الوعظ التى لا يخلو منها حديثه، ولا تظنى أنه رجل تقى ورع، يخاف الرحمن، ويقيم حدوده، وسيصون عشرتك ويحفظ كرامتك، بل سيحول حياتك إلى جحيم بتشدده وبتحريمه حتى ما حلله الله، لكنى كنت بلهاء، مسلوبة العقل، واهمة أننى سأتزوج ولياً من أولياء الله الصالحين، سيأخذ بيدى إلى الجنة، قلبه رحيم، ولسانه عطر، ويسير على نهج الصحابة، لأدرك أن المظاهر خداعة، وأن الدين ليس نصوصا ومحفوظات ولحية وسواك وسبحة، وعلامة سجود تعلو الجبين، إنما معاملة". تتعالى نبرة الحسرة فى صوت الزوجة وهى تواصل حكايتها عن تفاصيل زواجها التعس: "وأيقن أن هذا الرجل الذى كان يدعى التقوى فى حقيقته إنسان همجى، غليظ القلب، شتام وسبيله الوحيد للتفاهم والحوار هو اللكمات والركلات وتعذيب جسدك الهزيل، ويعتبر امرأته جارية خلقت لخدمته وتلبية رغباته وحاجاته فقط دون الاكتراث لمشاعرها أو حرمة جسمها، ليس لها ثمة حقوق، مالها ماله، ويحق له أن يجردها من مصوغاتها ويسلبها مرتبها، ويرغمها على ترك عملها وقتما يشاء، ثم يكف عن الإنفاق عليها هى وأطفالها رغم يسر حاله ورواج تجارته، وإذا أعلنت تذمرها أو طالبته بنفقاتهم يقذفها بسيل من الشتائم ويعتدى عليها بالضرب، مستغلا خوفها على مستقبل الصغار". ترتب الزوجة الثلاثينية نقابها الحريرى وهى تقول: "14 عاما عشتها معه فى سجن، ففى بيته كان كل شىء ممنوعا ومحرما، التليفزيون والأغانى حتى التنزه وأعياد الميلاد، بل وصل تشدده إلى أنه بات يضرب ابنته التى لم تبلغ عامها الثالث عشر بعد لرفضها ارتداء النقاب، أى أب هذا وأى عاقل يفعل ذلك بطفلة، وأعترف أننى كثيرا كنت أخالف أوامره وأسمح للصغار بمشاهدة التلفاز واللعب وسماع الموسيقى فى الخفاء حتى لا يشعروا بالحرمان، فما ذنبهم أن تسلب طفولتهم بسبب تعاليم وأفكار متشددة من رجل كان ماهرا فى تطويع الشرع لخدمة رغباته ومصالحه فقط، فقد تزوج عليّ دون علمى بدعوى أن التعدد مباح شرعا، وحاول إجبارى على العيش مع ضرتى تحت سقف بيت واحد، وحينما رفضت صار يرغمنى على زيارتها ويتعمد إهانتى وضربى أمامها، ويتركنى بالشهور وحيدة، وهى الأخرى كان حالها لا يقل سوءا عن حالى، فكانت تضرب وتهان وتصمت". ترتكن الزوجة برأسها إلى جدار متهالك وهى تنهى روايتها: "وفى آخر مرة لنا معا لم أتحمل أن يعتدى علىّ أمامها ونفضت عنى قهر 14 عاما وخلعت عنى ثوب الصمت وسببته أمامها، فهجم علّ حتى كادت روحى تغادرنى بلا عودة، فتركت له البيت وعدت إلى بيت أهلى ولأول مرة حررت ضده محضر ضرب وأرفقت به تقارير طبية بالإصابات المنتشرة بجسدى، وطلبت منه أن يطلقنى وديا لكنه رفض ليس حبا فيّ بل خوفا من أن يرد لى حقوقى، فهذا الرجل لا يعرف الحب أبدا حتى بلده دائما كنت أشعر أنها يكرهها ويكفر من فيها، فطرقت أبواب محكمة الأسرة وأقمت ضده طلاقا للضرر بعد أن دمرنى وسلبنى كل شىء وخسرت وظيفتى بسببه وطالبت أيضا بنفقة للصغار". "الكرباج هو الحل" بجسد عليل يقاوم السقوط، ووجه متورم ومشوه الملامح، يختلط لونه الخمرى بالزرقة، وينطبع على جبينه آثار "علقة ساخنة"، وقفت الأستاذة الجامعية ذات ال43 عاما أمام أعضاء مكتب تسوية المنازعات الأسرية بمحكمة الأسرة بزنانيرى، تعدد بصوت وهن وعين دامعة أسباب طلبها الخلع من زوجها الأستاذ الجامعى الذى أعماه تعصبه السياسى- حسب تعبيرها- وراح يضربها بالكرباج جزاء رفضها للمشاركة فى أى فعاليات مطالبة بعودة المعزول محمد مرسى لاعتلاء كرسى الحكم، وتأييدها للرئيس عبد الفتاح السيسى، لتنتهى بذلك زيجة دامت لأكثر من 16 عاما، وأثمرت عن إنجاب طفلين بسبب خلاف سياسى. بوجه تسكن قسماته الدهشة والحسرة على حياة زوجية هدمت بسبب السياسة ونبرة تلمح فيها الفزع مما حدث، تقول الزوجة: "لم أتخيل يوما أن تنتهى زيجتى المستقرة أو كما كنت أحسبها بهذه الطريقة، وأن يعمي تعصب زوجى السياسى لجماعة الإخوان بصره ويذهب بصيرته لهذا الحد، وأن يحوله من أستاذ جامعى مثقف، ومسئول عن تخريج أجيال، إلى شخص همجى فكره متحجر، يضرب ويسب ويخون كل من يختلف معه سياسيا، أو يرفض الخضوع والتسليم بمعتقداته، وحتى الآن لم أستطع أن أستوعب أن بيتى الذى حافظت على استقراره لأكثر من 16 عاما قد هدم بسبب عدم تقبل زوجى لرأى آخر غير رأيه، وأن جزاء رفضى لعودة المعزول مرسى والمشاركة فى فعالياتهم هو الكرباج". تصمت الزوجة الأربعينية فجأة، وتزيح أكمام ثوبها الذى يشبه ثوب الحداد، لتكشف عن آثار الإصابات التى ألحقها بها زوجها بسبب جهرها بكره المعزول، ثم تكمل: "هذه عينة بسيطة مما أصاب جسدى من الضرب، وما يداريه ثوبى أشد وأقسى، فتقريبا لا يوجد به مكان خال من كدمة أو كسر، فكل مناقشة سياسية كانت لابد أن تنتهى ب"علقة ساخنة"، دون أن يراعى زوجى عشرتى ومكانتى الاجتماعية وسنى، لا يزال صوت ضربات الكرباج المتلاحقة على ظهرى والتى طغت على لعناته وسبابه لرفضى المشاركة أنا وولداي فى اعتصام رابعة ترن فى أذنى، وعلى أثرها لازمت الفراش لشهور حتى يلتئم جرحى، لكن جرح كرامتى ظل ينزف وتدهورت حالتى النفسية، فتركت البيت واستأجرت شقة لأعيش فيها مع ولديّ لأنى خفت أن يصابا بداء التعصب الذى تملك من أبيهما بعد اعتصامه فى رابعة". ترتب الزوجة الأربعينية هندامها حتى لا تؤذى جسدها المنهك أكثر من ذلك فيكفيه ما به، ثم تختتم حديثها قائلة: "كان من الممكن أن ألقى به فى السجن بسبب ما ألحقه بجسدى من إصابات ولدى تقارير طبية تثبت ذلك، لكننى رفضت خوفا على مستقبل ولدىّ، وحتى لا يأتى اليوم الذى يعايرانى فيه بأن أمهما سجنت والدهما، حاولت أن أنهى الزواج بهدوء وطلبت منه أن يطلقنى لكنه عاند، فطرقت أبواب محكمة الأسرة لرفع دعوى خلع تخلصنى من معاناتى، وأحتسب سنوات كفاحى معه وحبى له عند الله".