ما هذا التجبر من اللصوص.. بل ما هذا التدني في غياب سلطة الدولة في مواجهة لصوص الكهرباء، الذين يتآمرون علي كل المصريين؟ هي في رأيي ضعف السلطة ان لم يكن غيابها، وعدم قدرتها علي حماية شبكة ومنشآت الكهرباء.. وهو أمر وصل إلي حد سرقة ابراج الضغط العالي الناقلة للكهرباء من محطات التوليد إلي محطات المحولات.. إلي المشتركين.. ياه! حقاً إنهم جبابرة.. فقد تمادي اللصوص، وإذا كان فرعون يتحجج بأنه تفرعن لانه لم يجد أحداً يردعه.. فإن اللصوص تمادوا عندما لم يجدوا من يستعمل معهم الشومة ليردعهم ويصقف رقابهم ويعيدهم إلي الجحور أو إلي السجون، وسبحان مغير الاحوال. زمان، كان لصوص الكهرباء بسطاء.. يلجأ إلي سرقة لمبة لتنير له حجرته ليلاً، أو يلجأ إلي سرقة التيار من الكوفريه لينير عربة الكشري أو عربة حمص الشام.. أو يشغل مكنة صنع الفشار أو غزل البنات.. كانت عمليات بسيطة تجري في الخفاء من اجل قروش معدودات، أو لمواجهة صعوبات توصيل التيار لأي سبب من الاسباب.. الآن تغيرت الظروف.. وتغير اللصوص.. وتغير الهدف.. مثلاً بسبب ارتفاع اسعار النحاس والألومنيوم.. والحديد.. اتجهت العيون وأيدي اللصوص إلي سرقة هذه المواد، سواء كانت في كابلات كهرباء تحت الارض أو كابلات تمد قطارات المترو بالكهرباء المحركة لها.. وبدونها تتوقف قطارات المترو وكم توقفت بسبب هذه الجريمة الكبري.. وبسبب البحث عن مواد خام، لتجار الخردة، اتجهت عيون وأيدي اللصوص إلي كابلات الكهرباء يقطعونها .. ويسحبونها.. ويحملونها معهم إلي التجار أو إلي مصانع وأفران صهر هذه المعادن.. خصوصاً وقد انخفض حجم الواردات من هذه المواد لأسباب عديدة من الخارج.. إلي أن فوجئنا بتصاعد عمليات السرقة.. ولعل اكثرها جسارة تقطيع قضبان خط سكة حديد سيناء، بعد أن مددناها، وبعضها ذهب لاستخدامها في حفر الانفاق عبر الحدود.. أو ذهب إلي مصاهر الحديد والصلب، تماماً كما حدث من تفكيك وتقطيع قضبان خط سكة حديد أبو طرطور، بعد توقف هذا المشروع العظيم.. وكما تم بيع قطعة اساسية من الكوبري المعدني القديم أمام مدينة دمياط.. ليذهب إلي تجار الخردة!! ولكن أخطر عمليات السرقة هو ما يتم هذه الايام، فالسرقة تمتد الآن إلي قطاع الكهرباء.. ولم تعد متوقفة علي سرقة الكابلات، بل إلي الابراج المعدنية الحاملة لهذه الكابلات، وآخرها ما حدث من سرقة اعمدة وأبراج وكابلات خط كهرباء اسوان - شلاتين. والمشكلة هنا تكمن في اثر هذه السرقات علي استمرارية خدمة الكهرباء علي مستوي الجمهورية، لأن السطو علي كابلات وأبراج الضغط العالي يمكن ان ينتج عنه خروج محطات التوليد نفسها عن الخدمة، وخروج محطة كبيرة يتبعه بالتالي خروج العديد من المحطات، وهذه عمليات تتم «بإرادة» الكهرباء حتي لا تخرج كل المحطات إجباراً ورغماً عن.. الكهرباء، وإذا حدث وخرجت محطة توليد كبيرة عن الخدمة فسوف يتوالي خروج غيرها من المحطات تباعاً وحتي نتمكن من اعادة تشغيل هذه المحطات.. نحتاج إلي وقت طويل يبدأ بتبريد التوربينات وعدة عمليات معقدة.. اي قد تستغرق هذه العمليات عدة ساعات، وتخيلوا حدوث ذلك في شهر اغسطس - وهو اكبر شهور ذروة الاحمال في مصر بسبب الحر والرطوبة.. أو تخيلوا حدوث ذلك في فترة ذروة الاستهلاك من مغرب الشمس، وحتي منتصف الليل، وكم من اللعنات سوف تنزل علي رؤوس كل مسئولي الكهرباء. وليس ذلك مقصوراً علي توقف خدمات الكهرباء.. ولكن يمتد إلي قطاع مياه الشرب لأن معظم المساكن تستخدم الموتورات لرفع المياه من الدور الارضي إلي الادوار العليا، ولكم ان تتخيلوا نقص الكهرباء والمياه معاً فماذا لو حدث ذلك في شهر.. رمضان؟! ان لجوء وزير الكهرباء إلي الجهات الامنية حاليا لانقاذه من هذه الورطة له ما يبرره.. وقديما كانت عندنا شرطة خاصة للكهرباء، ولكن كان عملها مقصوراً علي عمليات السرقة البسيطة، مثل تركيب عدادات غير قانونية او سرقة سلك كهرباء أو التحايل علي العدادات لتقليل قيمة الفواتير.. الآن نحتاج إلي «قوات مسلحة» لحماية محطات التوليد والمحولات.. ويمتد نشاطها إلي خطوط نقل الكهرباء.. بكل درجات الجهد الخاص بها.. حتي نصل إلي خطوط نقل الضغط العالي.. لمواجهة عمليات قطع الكهرباء عنها ثم سرقة الكابلات.. واخيراً سرقة الابراج نفسها.. وأتساءل كيف يجرؤ لص علي ذلك لاننا نعرف ان الاقتراب - مجرد الاقتراب - من مجال هذه الخطوط يحول اي جسم يقترب منها إلي قطعة من الفحم.. فما هي هذه الجرأة لكي تجري عمليات السرقة بهذا الشكل الفج، اللهم إلا اذا كانت تتم بالاتفاق مع بعض العاملين لقطع التيار عن المنطقة المطلوب سرقتها.. وإن كنت أستبعد ذلك بالمرة.. وتبقي القضية الأخطر.. وهي ضرورة تغليظ عقوبات التعدي علي خطوط نقل الكهرباء ومحطاتها.. وان تصل إلي حد الاعدام لما تسببه هذه العمليات من توقف هذه الخدمات الحيوية للصناعة والزراعة والاستهلاك المنزلي.. وأن يتم التعامل مع جبابرة اللصوص بكل عنف .. مهما كانت النتيجة.. نقول ذلك لأننا نعلم ان كثيراً من هذه العمليات تجري وتتم تحت حماية عصابات مسلحة بالاسلحة الآلية.. التي تباع الآن مثل بمب العيد وضرب الجيش عيني عينك.. ان أخطر ما نواجهه الآن هو ضعف الدولة.. وهو الضعف الذي يسمح باستمرار الاعتداء علي ممتلكات الدولة.. وانا لن استعمل هنا تعبير «غياب سلطة الدولة» رغم ان ذلك هو التعبير الأكثر تعبيراً عن هذا الواقع المؤلم.. ولا يكفي ان تستنجد الدولة بالمواطنين ليساعدوها في مواجهة هذه المشكلة لان المواطن لن يتحرك اذا وجد الشرطة لا تتحرك.. ولن يتحرك المواطن الا اذا وجد الدولة تستعيد هيبتها.. وتستعيد سلطتها.. وأرجو ان يتم ذلك سريعاً قبل ان نفاجأ بهجمات علي محطات الكهرباء نفسها.. فإن انشاء محطة واحدة يحتاج إلي مئات الملايين.. وإلي سنوات عديدة.. نحن لا نتحمل غياب الكهرباء خلالها.