هل ستدخل مصر عهد الجريمة المنظمة؟ الشواهد باتت تدل على ذلك، بعد أن كشف مصدر أمنى أن عمليات سرقة كابلات الكهرباء والاتصالات التى شهدتها عدة مدن ومحافظات مصر خلال الفترة الماضية، وراؤها مجموعة من كبار تجار الخردة بمصر. علامات التعجب قد تختفى من على قسمات القارئ عندما يفهم الارتباط بين سرقة كابلات الكهرباء وصناعة تدوير النحاس الخردة وبيعه لبعض دول أوروبا والصين، ثم إعادة تصنيعه فى شكل أجهزة محمول وكمبيوترات وأجهزة كهربائية وإلكترونية، خصوصا بعد الارتفاع الذى يشهده سعر النحاس عالميا فى ذاك الوقت «وصل طن النحاس الأحمر الخردة إلى 37 ألفا، والأصفر إلى 22 ألفا». المهندس محمد حفنى مدير غرفة الصناعات المعدنية، تحدث عن تأثير هذه السرقات على الاقتصاد المصرى بشكل عام، مشيرا إلى أن عمليات سرقة كابلات الكهرباء تسببت فى توقف الإنتاج بعديد من المصانع، التى ترجع فى المقام الأول إلى الانفلات الأمنى وغياب عملية التأمين، هذا إلى جانب خسائر أخرى تتسبب فيها عمليات السرقة، المتعلقة بمعدن النحاس ذاته، الذى يتم استيراده من الخارج، فمصر ليست من الدول المنتجة لهذا المعدن وتعتمد فى المقام الأول على تدوير الخردة، والكارثة الكبرى تكمن فى قيام مجموعة من تجار الخردة بتصدير النحاس الذى يتم استخدام منتجاته فى كثير من الصناعات، رغم الحاجة الملحة إليه، لاستخدامه فى الداخل، وهو ما يؤدى فى النهاية إلى ارتفاع جنونى فى سعره وإقبال اللصوص على سرقته، وأشار إلى أنه لا يوجد فى مصر تشريع يحظر تصدير الخردة أصلا. الجرائم التى ارتكبت مؤخرا كان أخطرها تعرض كابلات الاتصالات بمنطقة مارينا اليخوت المطلة على قناة السويس فى الإسماعيلية للسرقة على يد ثلاثة مسجلى خطر تم ضبطهم وهم يحاولون قطع المحولات المغذية لشبكة الاتصالات بمارينا اليخوت، التى تستخدم فى الاتصال المباشر مع السفن المارة بقناة السويس، وتستمر عمليات سرقة الكابلات فى الصعيد واحدة تلو الأخرى ليصل الأمر إلى قطع الاتصال عن 15 قرية فى الفيوم بعد سرقة غرف الكابلات الرئيسية لسنترال سنورس، ثم تتواصل عربدة لصوص الكابلات لتصل إلى العريش بسرقة كابلات سنترال العريش الرئيسى، نفس الأحداث تعرضت لها مدينة 6 أكتوبر وحلوان والقاهرة الجديدة مؤخرا، وصلت خسائرها خلال فترة العيد الماضى فقط إلى 100 مليون جنيه، بعد سرقة 35 كابلا خلال إجازة العيد، مما أثر على 70 ألف خط تليفونى. لم يكتف اللصوص بكابلات الاتصالات، وامتدت يدهم المخربة إلى أكشاك الكهرباء، بعد أن حوّلوا عديدا من المحافظات إلى ظلام دامس، ليدخل الأمن معهم فى سلسلة من المطاردات. نجحت أخيرا مباحث الكهرباء فى القبض على أخطر لص بمنشأة ناصر، الشهير بالخفاش، الذى حوّل المقابر إلى مخازن للمهمات التى قام بسرقتها وبلغت قيمتها 200 ألف جنيه. الطامة الكبرى كانت عندما حاول مسجلا خطر، هاربان من سجن أبى زعبل، سرقة الوصلات النحاسية للهوائيات الخارجية من السد العالى قبل سقوطهما فى أيدى مباحث أسوان. استفحال الظاهرة أرجعه المسؤولون بتلك الشركات إلى حالة التفكك الأمنى الذى تعانيه البلاد، واستقواء العناصر الإجرامية وأرباب السوابق على رجال الشرطة، بينما صرح مصدر أمنى ل«التحرير» أن هناك أسبابا أخرى ترجع إلى اشتراك العاملين بنفس تلك الشركات فى ارتكاب الجريمة، وأكد أن هناك عمليات مراقبة ومتابعة تتم الآن عبر 27 قسما على مستوى الجمهورية لعدد من تجار الخردة المشهورين وبعض العناصر المشهور عنها الاتجار فى مهمات الكهرباء، وقال المصدر إن أجهزة الأمن نجحت فى ضبط عدد من التشكيلات المتورطة فى ارتكاب هذه الجرائم، لذا فإن مباحث الكهرباء تعمل فى المقام الأول على تجفيف المنبع وهو فى هذه الحالة تاجر الخردة الذى يقوم بشراء المهمات من اللصوص، ومن أجل ذلك نجحت الأجهزة الأمنية فى عمل حصر بكل تجار الخردة على مستوى الجمهورية المشهورين بالاتجار فى المهمات الكهربائية، مؤكدا أن انشغال الأجهزة الأمنية بما يحدث فى مصر دفع بعض أمناء المخازن إلى التجرّؤ على بيع ما لديهم من مهمات بالمخازن، وادعاء سرقتها وقت الثورة.