سيذكر التاريخ بكل فخر وعظمة شباب الإسكندرية الذين سطروا بدمائهم تاريخا من العزة والكرامة بعد أن جادوا بأرواحهم ثمنا لكرامة وحرية الشعب المصري في ثورته ضد القهر والظلم وقد ترك هؤلاء وراءهم أحزانا ودموعا لم تجف لأنهم سقطوا ضحية رصاصات غادرة أطلقت عليهم من أسلحة رجال الشرطة دون تمييز، ودون أي ذنب اقترفوه سوى أنهم دافعوا سلميا عن الحرية وطالبوا بإسقاط النظام. ويبكى " عادل حسين أحمد " بالمعاش والد الشهيد " ايمن " 23 سنة عامل مؤكدا أن نجله دفع حياته من اجل ان يعيش أباه مرفوع الرأس وشقيقاته ومطالبا بحق كل مصرى وكل فقيرفي الحياة الكريمة التي افتقدها المصريون في ظل النظام السابق . ويشير " والد الشهيد " إلى صورة الشهيد ويقول لقد كان إيمن هدية من الله فقد جاء بعد 15 عاما من زواجي لم أنجب سوى ست إناث وكنت طوال تلك المدة أتمنى أن يهبني الله ولدا وعندما تحققت أمنيتي حمدت الله علي نعمته وشكرته لأنه وهبني ابني الذي سيتقبل عزائي ولم أتصور اليوم الذي سأتقبل فيه عزاءه . ويقول نجلى كان يشعر دائما بالظلم فى هذا البلد لأنه اتحرم فيها من التعليم بسبب ظروفنا المادية التى لم تسمح بانه يكمل تعليمه وخرج ليساعدنى فى نفقات الحياة لكى اتمكن من الانفاق على والدته المريضة ولتجهيز شقيقاته اللواتي لم يجف له عرق الا بعد ان تمكن من انه يزوجهم واصبح هو الكفيل بى انا ووالدته المريضة ويعمل ليلا نهارا من اجل تحقيق مطالبنا . وتحدث والد الشهيد عن يوم استشهاد ابنه قائلا : يوم جمعة الغضب كان يتمنى أن يذهب مع الشباب للتظاهر والمطالبة بحقوقنا المهدرة ولكن صاحب العمل رفض منحه إجازة فقرر الذهاب إلى عمله وبعد الانتهاء منه توجه إلى المظاهرة وبالفعل ذهب الى الورشة التى يعمل بها بجوار قسم رمل ثان و سمع صوت اطلاق الرصاص ووجد مجمو عة من الشباب يقومون بالتظاهر والسير من امام القسم ثم فؤجئ بقيام بعض البلطجية يقتحمون القسم واثناء ذلك قام الضباط باطلاق النيران على جميع الشباب المتظاهرين والبلطجية الذين تسللوا داخل المظاهرة لاقتحام القسم مما ادى لاصابة العديد من الشباب و اثناء ذلك حاول إيمن إنقاذ رجل مسن سقط على الارض لاصابته برصاصة لكن ضابط المباحث" وائل الكومى " الذى كان يقف فوق سطح القسم قام بإطلاق الاعيرة النارية على نجلى وعلى جميع المتظاهرين والبلطجية ولم يفرق رصاصه بين طفل وشاب وعجوز ليصيب الجميع وقام على الفور الشباب بنقله للمستشفى . وتحدث بأسي عن رحلة العذاب حتى نجح في العثور على ابنه الشهيد قائلا : ظللت ابحث عنه يومين حتى ان أخبرونى بأن نجلي قد سقط شهيدا فداءً لحرية الشعب المصري . ويصرخ " عبد اللطيف احمد " والد الشهيد " احمد " 22سنة دبلوم حاسب آلى ابنى شهيد لكى يا مصر ارفعى رأسك ابن عمرى دفع حياته من اجل ان تعلوا وترتفع وترفرف اعلامك احمد عبد اللطيف مات جسدا ولكن روحه ترفرف علي اعلامنا فرحانة بالنصر انا لست مجنونا ولكنى بالفعل اقول ما طلبه نجلى فهو يوم جمعة الغضب كان يشعر بأن شيئا ما سيحدث له وهو خارج مع زملائه متوجها للمظاهرة آخر كلمة قالها لى سامحنى يا والدى كنت اريد ان أكمل معك باقى المشوار وتوجه الى المظاهرة بعد ساعة فقط وجدت صديقه يطرق الباب وقتها ليؤكد لي استشهاد ابني. ويؤكد والد الشهيد " محمد رمضان " أصغر شهيد بالإسكندرية طالب بالصف الثالث الاعدادى أن نجله كان يتمنى أن يصبح وكيل نيابة من اجل ان يحقق العدل بين الناس وكان دائما ما يقول إن اول شىء يتمنى تنفيذه هو مطالبة جهاز الكسب غير المشروع بالتحقيق مع مبارك وعز ونظيف وجميع الوزراء ويقول لهم من أين لك هذا ويأخذ من أموالهم ويعطى للغلابة واسد فم كل جائع بمصر واعطى كل متسول واطفال الشوارع واحكم بالإعدام على كل ضابط قام بتعذيب اى مواطن . ويضيف : نجلى منذ صغره مشهود له من الجميع بالذكاء والقدرة على الاستيعاب وكان يستغل ذكاءه بقيامه بالعمل بجوار الدراسة وذلك من اجل ان يساعدنى فى نفقات الحياة لأنه كان يرى امكانات والده لا تكفى احتياجات المنزل. وقص والد الشهيد الطفل قصة استشهاده وفى يوم جمعة الغضب خرج للتوجه الى عمته وهناك تمت اصابته برصاصة قام الاهالى بنقله للمستشفى وظللت ابحث عنه فى كل مكان حتى ان علمت بانه فى المستشفى وعندما توجهت اخبرنى الطبيب ان طفلى مات وطلب منى أخذه بدون شوشرة ولكنى رفضت وطلبت تشريح جثته فى بداية الامر رفض ثم وافق الطبيب الشرعى بعد ان حصل على رشوة 500 جنيه مقابل تشريح جثته وكتابة التقرير الطبى . ويروي عبده مصطفى عبده تفاصيل استشهاد أخيه قائلا "خرجت مع محمد كباقي أبناء جيلنا حاملين معنا أحلامنا في التغيير، ولكنى لم أكن أتخيل أن التغيير سيكون في حياتي وحياة أسرتي قبل أن يكون في وطني..". ويضيف أن جمعة الغضب كانت بداية المشاركة في المظاهرات التي قال إنها بدأت باعتداءات الشرطة على المشاركين وأسفرت عن سقوط عدد من القتلى والمصابين، مشيرا إلى أن شقيقه حاول إسعاف الجرحى فنجح في نقل أحدهم وعندما أراد رفع آخر من الأرض أطلق أحد ضباط الشرطة الرصاص الحي عليه فقتله. أما والدة أحمد عادل، فقالت بعد تسلمها شهادة وفاة ابنها برصاص حي في صدره أثناء المظاهرات "نفسي آخد حقي من حسني مبارك وحبيب العادلى (وزير الداخلية السابق)" مؤكدة أن دمه وغيره من الشهداء لن يضيع وأنها لن تتنازل عن محاكمة من وصفتهم بالقتلة. وأضافت "ابني لم يتجاوز العشرين عاماً ولم يكن منتمياً لأي حزب سياسي ولم يسيطر عليه اتجاه سياسي بعينه، إنما فقط أراد التغيير والتصدي للظلم والفساد المنتشر في البلاد كبقية أصدقائه الذين يحلمون بأن يأتي اليوم الذي يعيشون وكأنهم أصحاب وطن وليسوا عبيدا فيه". وكانت الفاجعة أكبر بالنسبة لوالدي عمرو إبراهيم السيد، حيث وصلهما خبر وفاة ابنهما الذي لم يكمل بعد عامه الحادي عشر، وكانا منشغلين بمتابعة المظاهرات التي انطلقت بالمدينة. والدة عمرو امتنعت عيناها عن ذرف الدموع، ووقفت صامتة شاردة عندما رأت ابنها محمولا على الأعناق جثة هامدة وجسده البريء تغطيه طلقات نارية عشوائية انطلقت من رصاص من وصفته بالنظام الغاشم. ولم يختلف الوضع كثيرا في منزل سعد الشاطر محمد (30 عاما) الذي حرمت طفله (خمسة أعوام) من رؤيته وحنانه. يقول شقيقه محمد إنه رفض التخلي عن شهامته ورجولته في محاولة إنقاذ أصدقائه الذين أصيبوا في جمعة الغضب وكادوا يموتون خنقا بالقنابل المسيلة للدموع بالشوارع، فقرر أن يخترق ألسنة الدخان المتصاعدة وينقل عددا منهم قبل أن تطوله يد الغدر لينال طلقة في الرقبة وأخرى في الرأس أردته قتيلا على الفور تاركا وراءه هموما كبيرة وطفلة بريئة لم تكمل نصف العام.