جاء قرار محكمة النقض، وبإجماع آراء رؤساء دوائرها بعدم اختصاصها بالنظر في الخطاب المقدم من رئيس مجلس الشعب المنحل، ليؤكد من جديد أن كل محاولات الالتفاف على حكم المحكمة الدستورية العليا لن تجدي نفعاً في عودة البرلمان المنحل، وأن قضاء مصر الشامخ لن تؤثر فيه كل محاولات الترغيب أو الترهيب أو التقسيم. قرار محكمة النقض كان متوقعاً من العامة وليس فقط من القانونيين، وأصغر طالب في كلية الحقوق يعرف أن أحكام المحكمة الدستورية العليا محصنة بحكم الدستور، وأي اعتداء على احكامها يمثل اعتداء على القانون ويشكل تدخلاً في السلطة القضائية المحصنة بسلطة الدستور الذي يعلو فوق كل السلطات بما فيها سلطة رئيس الجمهورية.. بعيداً عن الكلام المرسل الذي يسوقه بعض ترزية القوانين الذين يظهرون في كل مكان وزمان، مستغلين بعض الشهادات التي يحملونها، ولا يخجلون من تضارب آرائهم المسجلة في السابق بعد أن وجدوا أن المصلحة تستدعي التغيير، وكأن الدستور والقانون يتلونان طبقاً لظروف كل مرحلة!! ما حدث من فوضى قانونية لمجلس الشعب يتكرر الآن في قانون معايير تشكيل الجمعية التأسيسية الذي سبق وأصدره مجلس الشعب المنحل بهدف تحصين الجمعية التأسيسية من أية أحكام، ولم يصدق عليه المجلس العسكري حتى لا يصبح نافذاً، وبعد أن تم حل المجلس وأصبح في حكم العدم، ولم يعد هناك أي وجود لهذا القانون فوجئ الشعب بإصدار رئيس الجمهورية القانون بهدف تحصين الجمعية التأسيسية ضد الأحكام القضائية، وهى خطوة سوف تسبب تصادما جديداً بين سلطات الدولة، لأن صدور القانون من الرئيس لن يكون له أثر على الدعاوى المرفوعة على الجمعية التأسيسية، وذلك لأن الجمعية التأسيسية الحالية قد شكلت قبل صدور هذا القانون، وقبل حكم المحكمة الدستورية ببطلان مجلس الشعب.. وبالتالي يكون هذا القانون الذي يبدأ سريانه من لحظة نشره بالجريدة الرسمية ليس له صلة بالجمعية التأسيسية القائمة، ويسري فقط على مجلس الشعب القادم، على فرض أن هذه الجمعية لن تستمر وأننا سوف ننتظر للمجلس القادم لتشكيل جمعية جديدة!! حالة الصراع السياسي بين جماعة الاخوان المسلمين من جانب وسلطات الدولة من جانب آخر لم تعد خافية على أحد.. إلا أن الخطورة تكمن في هيمنة الجماعة ومكتب الارشاد على مؤسسة الرئاسة الى حد أن مانشيت جريدة «الشروق» جاء صباح الأحد الماضي بعنوان «مكتب الارشاد يبحث اصدار اعلان دستوري مكمل» وجاء في تفاصيل الخبر وعلى لسان عدد من قيادات الجماعة بحثهم عن مخارج قانونية جديدة لمجلس الشعب المنحل مثل اللجوء الى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وغيرها من الخطوات التي تزيد من تعقيد الأمور وهذه التصريحات تكشف بجلاء أن الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية أسير لقرارات الجماعة ومكتب ارشادها، وهو أمر من المؤكد يأتي بنتائج عكسية ويشكل خطورة علي الدولة، وأمامنا نتائج كثيرة لهيمنة الاخوان على الأمور سواء في البرلمان المنحل أو الجمعية التأسيسية الأولى، أو حتى ميدان التحرير الذي كان رمزاً للثورة ومصدر فخر كل المصريين إلى حد أنه تحول بعد الثورة مباشرة الى مزار للزعماء والسائحين والمصريين.. ثم تحول الآن وبعد أن أصبح أسيراً لجماعة الاخوان المسلمين وتيار الاسلام السياسي الى مصدر ضيق ونفور لكثير من المصريين بسبب سوء استخدامه واستغلاله كوسيلة ضغط فقط لتمرير أهداف ومصالح خاصة، وأصبح عامة المصريين على قناعة أن عملية حشد الميدان ب 200 أو 300 ألف تتم بشكل ممنهج من خلال نقل مجموعات من المحافظات والقاهرة الكبرى الى قلب الميدان المكتظ بالباعة الجائلين.. ليفقد الميدان معناه وقيمته التي صنعها الثوار بدمائهم الطاهرة قبل اختطافه.