لقد فرضت الحرب المجنونة نفسها في سورية نتيجة لتعنت العصابة الحاكمة التي كان رئيسها بشار يدرك أنها ستقع لمعرفته بالفجوة الهائلة بينه وبين الشعب ولإحساسه أن الاحتقان الشعبي لا يمكن أن يظل له متنفس بالتظاهر السلمي فقط، ولذلك عمل جاهداً وبشكل فظيع وشنيع إلى استجرار الشعب لهذه الحرب فقتل وجرح وسحل ومثل وشرد واعتقل واعتدى بكل ذلك على الشيوخ والأطفال والنساء بقمع وحشي رعبيب، وهو بذلك قد أوفى بوعده الذي هو الوعيد الرهيب، حين قال في أول خطاب له لدى اندلاع الاحتجاجات: إذا فرضت علينا المعركة فأهلا وسهلا، ياللحماقة حين يرحب بالاستعداد والفعل لقتل الشعب الذي من المفروض لو أنه تصالح معه وأصلح شؤون السياسة وعمل بالعدل لتقدم بهذا الشعب بكل أعماره وأطيافه وأطرافه وتنوعاته إلى البناء والتنمية لا إلى تنفيذ هذا الوعيد بتدمير العباد والبلاد وبحقد أسود وأحادية تكبر وغطرسة واعتداد ظالم وثقة في غير محلها وأين هو من قول المقنع الكندي: وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا بعد أن بين أنه لا يحمل الحقد القديم عليهم، ثم وإن أكلوا الحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا ولكن كما قال المتنبي: لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها فلا شرع سماوي يردعه ولا عقل ناضج بعقله ولا مبادئ، وقيم أخلاقية تحجزه إنما هو العناد والفوقية والسير على تقليد منهج أبيه (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)، يا للإثم والعار والشنار والوقاحة والفرعنة والعجب بحيث أسهمت كل هذه الرذائل وما هو أقبح منها باستباحة الضحايا والممتلكات في سورية دون توقف ولو ليوم واحد مما لم تشهده في تاريخها القديم والحديث، إنها ديكتاتورية بامتياز وهكذا الأشرار الذين يتبعون القبائح ويهربون من المحاسن كالذئاب التي لا تحوم إلا حول المزابل والمواضع الفاسدة على ما مثله يحيى بن محمود الواسطي وإن ما يفعله نظام اللانظام في الشام ويقفز رئيسه واثبا كالجبان فيحارب عندما لا يسعه الفرار على ما شخصه شكسبير، لهو الانكسار بعينه والهزيمة الساحقة بحقيقتها وسيبقى سلاحه عدوه الذي سيقتل به حتما، فالجزاء من جنس العمل، إنه لمشهد مخيف في مسلسل مروع، إذ تلحق كل مجزرة بأختها وما أكثر وأرهب تلك المجازر الوحشية التي كان أبرزها مذبحة الحولة في حمص ومذبحة القبير في حماه ومذبحة زملكا في ريف دمشق والمجزرة الجديدة الرهيبة في قرية التريمسة من ريف حماه، حيث هوجمت برا وجوا وأنجز بشار وعيده بقتل أكثر من مائتين وستين شهيدا فيهم الأطفال والنساء ناهيك عن تحريق المنازل ونشر الرعب في أرجائها ثم تشريد أهلها، حتى لم تبق دولة إلا نددت بها طبعا اللهم إلا روسيا التي طالبت بتحقيق فوري على نمط روايات العصابة الاسدية كي تقلب الحقائق وتجد لها مخرجا رخيصا كما فعلت حيال المجازر السابقة، لقد ضجت الأرض من أمواج الدماء الذكية ومازال العالم الذي يدعي التحضر ونصر حقوق الإنسان يتصارع مع بعضه تبعا لتحقيق مصالحه الغرب والشرق معا دون أي اهتمام لهؤلاء الضحايا، وأنا أسأل هنا بكل صراحة: لو أن سكان سورية اليوم هم من اليهود الصهاينة على سبيل المثال فهل سيدعهم المجتمع الدولي نهبا للحديد والنار أم سيوافق مجلس الأمن فورا على حل الأزمة ولن يقع أي فيتو من روسيا أو الصين ضدهم، ان سياسة الكيل بمكيالين هي التي تظهر أنها سيدة الموقف واما الأخلاق والمبادئ فليس لها أي مكان في هذا العالم المتحضر زورا وبهتانا وليذهب الشعب السوري إلى الجحيم على حد ما قاله سفير روسيا في الأممالمتحدة لمن التقى معه مشجعا ان يكون للروس موقف ايجابي لصالح الشعب لا الأسد حيث إن الشعب هو الذي يبقى والأسد لابد ذاهب. لقد ولدت الثورة السورية المباركة يتيمة ولا تزال غير ظافرة بمن يكفلها والذين يتكلمون معها ويغازلونها في الغالب إنما على طريق التمني لا التبني ولذلك كان أروع شعار للشعب ما لنا غيرك يا الله. وهم بذلك يملكون ثقة لا زعزعة فيها أبدا وهم عصاميون جدا ويؤكدون أنه: ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك وهكذا يفهمون أن عليهم دورا أساسيا يجب أن يثبتوا عليه ويطوروه ويتعاطوا قدر الامكان مع التغيرات الدراماتيكية التي تبدل وجوه الثورة لأن بعضها يسوء وآخر يطول ولابد من رؤية سليمة متكاملة يتقاسمها جميع الناشطين في الشعب والجيش الحر وهذه قضية بالغة الأهمية، وذلك لأن أصحاب الشأن سيواجهون ربما كل أسبوع عصا جديدة لم يتوقعوها خصوصا ان سورية وصلت إلى قمة الصراع بل لم تعد مسألة داخلية فقط، ومع ذلك فالحرب لابد أن نواصل خوضها إذ يستحيل العودة إلى الوراء فالتحرك والتحرق هما الدافعان لترسيخ الثورة مع تعميق كل تدابير الثقة بيننا فهذا من الأساسيات وكذلك إعمال الضوابط المصلحية المعتبرة التي تطوق كل ما يؤدي إلى انحرافها وخصوصا فيما يتعلق بالسلاح والأمن وجعل هذا الأمر بيد المختصين والخبراء والوجهاء والعلماء والشباب الناضجين لأن الحرب في المدن وما حولها شأن شائك ولأن الزمان والشخص والظرف والحال من عوامل تثبيت الضوابط وكذلك فإنه تجب المحافظة على المقاومة اللاعنفية كالمظاهرات وسواها لأن هذه الآليات تؤدي غالبا إلى تغيير ميزان القوى بين السلطة والشعب بل تنبه الوضع الاقليمي والدولي إلى ذلك والأمثلة في ذلك وفيرة ولأنه قد نتساءل هل الاعتماد على الله والنفس فقط يغني عن إعانة الآخرين عموما أم ماذا، والجواب اننا إذ نطمئن لتلاحم الداخل بدور فعال كما حدث في حماه بالمظاهرات والإضراب احتجاجا على مجزرة التريمسة وكذلك سائر المدن والبلدات السورية التي لم تخف بل هبت للنصرة. لكننا لا نطمئن الآن أبدا لبعض الدول والمنظمات وسواها فما العمل؟ والاجابة هنا أنه لا ثقة لنا بحكم الوقائع والحقائق والقرائن الثابتة بهؤلاء مثل روسيا والصين وإيران والعراق جناح المالكي وحزب الله في لبنان لأن هؤلاء ليسوا حلفاء النظام بل شركاؤه في القتل وخصوصا روسيا وايران ولذلك دعا الرئيس التونسي المنصف المرزوقي هاتين الدولتين أن تكفا عن المساندة لبشار، أما ما يخص الدول الغربية أو الدول العربية أو كتركيا المسلمة والأردن وبقية الدول الإسلامية عموما، فالمواقف متأرجحة بين إيجابية بالكلام وبعض الفعل كالسعودية وقطر والكويت وتركيا شيئا ما لأنها لا تستطيع أن تتحرك فعليا مع الثورة بغير غطاء دولي رسميا رغم الاعتداء المتكرر في أرضها على أتراك وسوريين وقصف الطائرة التركية بيقين أما عن الغرب وعلى رأسهم أمريكا فإن تأييدهم اللساني المتأرجح وفعلهم الرمزي بفرض عقوبات معروفة لم يؤثر عمليا على النظام وخصوصا مع معونات روسيا وايران بكل الأوجه، وتراجعهم مؤخرا حتى بعد حشد دول أصدقاء سوريا فنحن لم نفهم كما قال رياض سيف معنى كثرتهم مع استمرار قتلنا ومن ناحية مهمة فكم قتلتنا وتذبحنا تصريحات من يريدون التعاطف معنا من كبار السياسيين مثل أردوغان الذي صرح منذ سنة بأن حماه وحمص خط أحمر ولن تتكرر فيهما المذابح ولكن أعيدت بأسوأ ولم يفعل سيادته لنا شيئا وكذلك وزير الخارجية الفرنسي السابق آلان جوبيه حيث قال إن أيام بشار باتت معدودة. وكما صرحت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية في اليابان قبل اسبوع بان أيامه غدت معدودة. فنحن أصبحنا لا نفهم هل هؤلاء سياسيون ونناشدهم ألا يصرحوا بمثل ذلك لأنهم يضروننا. وختاماً فإن مجزرة التريمسة كشفت العصابة الأسدية أكثر وباتت تمتحن المجتمع الدولي للمرة العاشرة هل سينجح أم يرسب في قاعة سورية الكبيرة وخاصة بعد ان طلع جهاد مقدسي أمس في المؤتمر الصحفي ليكذب ويكذب على العالم ويدعي ان العملية عسكرية ضد الإرهابيين وان القتلى سبعة وثلاثون عسكريا واثنان مدنيان وأن الإرهابيين هم المهاجمون وقد ردوا عليه وبينوا افتراءاته ورده الكاذب حتى على كوفي عنان وكذلك وزيره وليد المعلم، لكن لا عجب فرئيسه بشار وعد وغير ولم يمر به قول الشاعر: إني إذا واعدته أو وعدته لمنجز ايعادي ومخلف موعدي وأقول للأحرار من أصحاب القرار في العالم: ونمت على ريش النعام فلم أجد فراشا وثيرا مثل انجاز واجبي نقلا عن صحيفة الشرق القطرية